( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)

مر بنا في حديث الجمعة الفارطة أن الله تعالى نهى عباده المؤمنين عن اتخاذهم بطانة من دونهم ، وحذرهم ممن يضمرون لهم السوء ، ويُسّرون بعنتهم ، وتكشف بعض أقوالهم ما يكنونه  لهم من بغضاء، وهو قليل مما يخفونه منها في صدورهم .

 ويأتي حديث هذه الجمعة في نفس السياق، حيث نهى الله سبحانه وتعالى  عن موالاة المؤمنين للكافرين ،  وحذرهم من ذلك ، وتبرأ ممن يواليهم ، واستثنى ما  لا يكون موالاة ، وإنما يكون مجرد احتراز من شرهم وكيدهم ، وذلك مصداقا لقوله عز من قائل : (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير )) ، ففي هذه الآية الكريم  ، يحدد الله تعالى لعباده المؤمنين طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بينهم وبين الكافرين ، وهذا يعني بكل وضوح أنه سبحانه وتعالى قد ضبط تلك العلاقة بضوابط . وأهم ضابط فيها هو ضرورة انعدام الولاء بينهم وبين الكافرين ، والدليل على  ذلك هو تحذيره سبحانه وتعالى  وبراءته  ممن يخل بهذا الضابط  بقوله : (( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء )) . ونظرا لخطورة هذا التحذير، فإنه جل شأنه قد استثنى  في تعامل المؤمنين مع الكافرين ما يكون احترازا أو اتقاء لشرهم، الشيء الذي يفرض نوعا من التعامل معهم دون أن يكون في ذلك موالاة  لهم الولاء المفروض  شرعا والذي يكون بين المؤمنين ،وهو الذي  يذكره الله تعالى في  قوله : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) ،وهو ما يقابل الولاء بين الكافرين مصداقا لقوله تعالى : (( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض )) ، ولا وجود أبدا لولاء بين هؤلاء وأولئك  وبينهما اختلاف في المرجعية العقدية ، وفي الهوية .  

وما شدد الله تعالى  فيه، منع موالاة المؤمنين للكافرين إلا لما في ذلك من أضرار تحلق بهم جراء ذلك ، وهذا يعني أن الكافرين بحكم عدائهم للإسلام  يضمرون بالضرورة السوء والشر للمؤمنين الذين يجب عليهم الاحتراز من الثقة بهم ، والتي من شأنها أن تجعلهم  ينخدعون ، وينخرطون معهم في ولاء يعود عليهم بالضرر ، وبالخسران في الدنيا والآخرة .

ولقد جاء في بعض كتب التفسير بيان نهي الله تعالى عن موالاة الكافرين ، وتحديد الأحوال التي تكون عليها العلاقة بين المؤمنين والكافرين وهي كالآتي :

ـ إبطان المسلم ولاءه للكافرين أو لبعضهم ميلا إلى كفرهم ، ومناوأة للمسلمين ، وهذه حال المنافق ، وهي حال موجبة لكفره .

ـ إظهاره الولاء للكافرين، وهم يجاهرون بعدائهم الصريح  للمسلمين، وذلك بسبب قرابة  معهم أو مودة  دون الميل إلى دينهم، مع  صدق مودته للمسلمين ، وليس في هذه الحال ما يوجب كفره ، ولكن في ذلك إثم كبير، لأنه ربما أضر بالمسلمين .  

ـ إظهاره الولاء لهم، وهم لا يجاهرون بعدائهم للمسلمين ، وهذه حال لا توجب الكفر، ومع ذلك ينهى عنها ، لأنه ربما غره  منهم تعاملهم معه  وتوددهم إليه ، وانطلى عليه ما قد يضمرونه من شر وسوء  للمسلمين .

ـ موالاته للكفار والاستعانة بهم من أجل إلحاق الضرر بفئة من المسلمين بينه وبينهم خلاف، كأن يتجسس عليهم ، ويمد الكافرين بمعلومات عنهم إما بدافع الطمع أو غيره ، وهذه حال موجبة للكفر ، وقد اختلف في استتابته أومعاقبته الأئمة الفقهاء .

ـ موالاته للكافرين الذين يعرضون على المسلمين نصرتهم ، وفي هذه الحال اختلاف أيضا بين الفقهاء حيث منع بعضهم الاستعانة بهم ، وأجازها البعض الآخر.

ـ موالاته كافرا واحدا بعينه  لقرابة بينهما دون أن يكون في ذلك إضرار بالمسلمين ، وهذا جائز وقد احتج على جوازه بقوله تعالى في قوله عن مصاحبة الوالدين الكافرين : (( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا )).

ـ تعامله مع الكافرين  بمعاملات كالعهود أوالتجارة ، أوالصلح ... وهذه لها أحكام حددها ،وفصل فيها الفقه الإسلامي مع شرط مراعاة انتفاء الإضرار بالمسلمين.

ـ إظهاره الولاء لهم لاتقاء شرهم ، وهي الحال التي ذكرها الله تعالى في قوله  : (( إلا أن تتقوا منهم تقاة )) .

ولقد ختم الله تعالى نهيه عن موالاة  المؤمنين  للكافرين بتحذيرهم من الوقوع في ذلك ، وذكرهم بأن مصيرهم، ومردهم إليه حين يبعثون ، فمن لم ينته عما نهاه عنه، لقي سوء المصير يوم  يبعث بعد موته ، ويوم العرض عليه.

مناسبة حديث هذه الجمعة ، هو أولا تأكيد لما جاء في حديث الجمعة الفارطة ، وهو تذكير أيضا  للمؤمنين ، وتنبيه لهم بخطورة موالاة الكافرين الذين يضمرون العداء لهم ولدينهم سواء أظهروا ذلك أم أبطنوه، مع وجود أدلة وقرائن عليه قد تبدو من أقوالهم أو مواقفهم . ولا شك أن الكافرين في زماننا هذا ، وفي هذا الظرف بالذات الذي يجهز فيه الصهاينة على المؤمنين في غزة ، وفي عموم فلسطين ، ويبيدونهم إبادة جماعية ثلاثة فئات : فئة تجاهر بعداء المؤمنين، وهي ضالعة في جرائم الصهاينة ، وداعمة لهم بالمال والعتاد والجند أيضا ، وفئة تبطن عداءها لهم  ، وهو معلوم منها ،لا يخفى عليهم ، وربما أعانت وأيدت الصهاينة بشكل أو بآخر ، وفئة تظهر التعاطف مع أهل فلسطين ، وتدين إجرام  الصهاينة. والمفروض أن يكون التعامل مع هذه الفئات على ضوء الأمر الإلهي بحيث لا ولاء معها طالما كان  في هذا الولاء ما يلحق الضرر بالمؤمنين جميعا أو بطائفة منهم . وعلى كل من  يخالف ما نهى الله عز وجل عنه حكاما أومحكومين بأقوال أو بأفعال أو بمواقف أن يبادروا بتوبة نصوح عسى أن يغفر الله لهم وإلا فليستحضروا تحذيره  لهم ووعيده ، ومصيرهم  بعد الرحيل عن هذه الدنيا .

اللهم إنا نبرأ إليك من كل قول أو فعل أو موقف يكون  فيه ولاء للكافرين الذين يجاهرون أو يضمرون  العداء لدينك، ولعبادك المؤمنين حيثما وجدوا ، ونبرأ إليك  من كل منتسب لدينك  يوالي من عاداك ، وعادى دينك ، وعادى عبادك المؤمنين.

اللهم إنا نسألك كشف الغمة عن عبادك المرابطين في أرض الإسراء والمعراج ، اللهم أطفىء نار الحرب التي أوقدها الصهاينة ،وقد وعدت بذلك في محكم كتابك الكريم . اللهم أيد المجاهدين بجندك كما وعدت بذلك عبادك المؤمنين من قبل ، وأنجزت وعدك  ، اللهم أفرغ عليهم صبرا ، وسدد رميهم ، وثبت أقدامهم ، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم ، واحفظ سلاحهم وأنفاقهم وسبلهم ، ولا تجعل اللهم للصهاينة ومن والهم من الكافرين عليهم سبيلا . اللهم اهد  ولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لنصرة المستضعفين  في أرض الإسراء والمعراج ، ورقق اللهم  لهم القلوب، وقد أصابهم بأس شديد ، ولا ناصر لهم إلا أنت، ولا مغيث ، اللهم عجل لهم بنصر قريب  من عندك تعلي به راية دينك ، وتذل به الكفر والكافرين ، والشرك والمشركين ، والنفاق والمنافقين، إنك على كل شيء قدير ، وبالاستجابة جدير ، ولك الأمر سبحانك  من قبل ومن بعد ، ولا غالب إلا أنت جل جلالك .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

وسوم: العدد 1067