مفتاح فلاحك ونصرك أيها الشامي

عبد الرحيم بن أسعد

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، لقد قال الله وتعالى "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"-النساء176-، ثم عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَذَكَرَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الْكَلَالَةِ، مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ، وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «يَا عُمَرُ، أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» صحيح مسلم، ثم عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» صحيح مسلم، وبعد: إن كل من يعقل بقلبه يعلم أن رحلة الصيف التي ذكرها الله عز وجل في سورة قريش كانت إلى الشام وأن عاقبة رحلة الصيف برحمة الله تعالى كانت أن أمن كفار قريش من الجوع وألفوا بعضهم البعض، لكنهم كفروا وجحدوا نعمة الله عليهم فسلط الله عليهم ملائكته ورسوله والمؤمنين فبطشوا بهم البطشة الكبرى في بدر ثم فتح الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام مكة فطهرها فهي كذلك إلى قيام الساعة، وإن أعظم من تلك البركة لأهل الشام البركة المذكورة في الحديث الأول فهي من بركات رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم أهل ميرة مكة المكرمة حرسها الله تعالى فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم آخر آية في سورة النساء بآية الصيف كما سمى الله رحلة قريش إلى الشام رحلة الصيف، فكأن عاقبة من يتعلمها تلاوة وحكما كما أشار إلى ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث أن يرفعه الله وييسر له الرباط في الشام فلا يضل بعدها ولا يقدر عليه بعد ذلك طالبي الملك ضعيفهم وفرعونهم كما هو مبين في الحديث الأخير، فهنيئا لكم أهل الشام أهل الرباط أن جعلكم الله عقر دار المؤمنين بأنكم أهل ميرة مكة المكرمة وأنكم أعلم الناس بالفرائض، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أسَمْتُ الْخَيْلَ، وَأَلْقَيْتُ السِّلَاحَ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، قُلْتُ: لَا قِتَالَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، يَزْيِغُ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» مسند أحمد، وخابوا وخسروا بإذن الله تعالى الزائغون عن الرباط فهم طالبوا الملك في كل زمان ضعيفهم وفرعونهم، فعن ذي قرنات قال: "يختلف الناس في صفر، ويفترق الناس على أربعة نفر: رجل بمكة العائذ، ورجلين بالشام، أحدهما السفياني والآخر من ولد الحكم، أزرق أصهب، ورجل من أهل مصر جبار، فذلك أربعة" الفتن لنعيم بن حماد. والله أعلم.

وسوم: العدد 1068