من سمات البيت المسلم

gsgsg1068.jpg

سمات البيت المسلم هي تلك العلامات الدالة على التزام هذه الأسرة بالقيم الإسلامية التي يدخل في مضامينها المعنى الإنساني والاجتماعي والأخلاقي ، في العبادات والمعاملات والتواصل الاجتماعي وسائر أوجه الحياة النبيلة الخالية من غدرر ونفاق وغيبة ومن كل مايؤاخذ عليه الإنسان . حيث وَسَمَ الإسلامُ هذه البيت بخصال حميدة ، وسجايا عالية ، تميزه عن غيره من بيوت غير المسلمين ، بل إن البيت المسلم يُمنح بهذه السِّمة تأشيرة دخول الجنة بفضل من الله سبحانه وتعالى . وهناك بلا ريب تفاوت كبير بين البيت المسلم والآخر غير المسلم . ويبدو البون شاسعا جــدًا في بعض السمات ، فلو نظرت إلى أفراد البيت المسلم في شهر رمضان المبارك ، وقُبَيْلَ حلول ساعة الإفطار لوجدت أن صلة راسخة وسامية بين أهل هذا البيت وبين أبواب رحمة الله سبحانه تعالى . وكأنهم يرون أهل الجنة وهم فرحون بالفوز ، وتجد غيرهم ممَّن لايصومون الشهر المبارك على اختلاف عقائدهم وبعدهم عن ظلال دين الله القويم . فغير أهل هذه السِّمة أو قل هذه التأشيرة الربانية ... تراهم في ضياع رغم مالديهم من أموال ودور ورفاهية مادية وغير ذلك من مظاهر النزوات والشهوات الحيوانية ، والتي نرى آثارها القبيحة الذميمة في عصرنا هذا .

         في البيت المسلم الملتزم بتعاليم الإسلام وعباداته وأحكامه قلَّ أن تجد فيه الاختلافات بين أفراده . أو التصرفات التي نهى الإسلام من ارتكابها ، كعقوق الوالدين ، أو الانحراف الذي لايليق بالمسلم ، أو ارتكاب المعاصي والرذائل وغيرها من الموبقات والمنكرات التي تملأ اليوم الشوارع والمقاهي والملاهي ودور الانحلال الأخلاقي . وصيانة الأبناء البررة من هذه السقطات إنما هو بفضل من الله ، ثم بفضل مافي كتاب الله من إرشاد رباني ، وبما في سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم من دعوة حانية على حفظ سيرة الناشئين من الخلل الذي يلحق بغيرهم من أبناء الشوارع والملاهي والمخدرات ... إذ تصون هذه الأنفس المباركة

الأحكامُ الشرعيةُ التي ماعادت تخفى على أحد . من توجيه للمسلمين فيما يؤكد سلامة قلوب أبنائهم من أي محفِّزٍ على العقوق وعدم الطاعة . والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة وجادة ، فعن النعمان بن بشير أن أباه أعطاه غلاما فقالت أمه: لا أرضى حتى يشهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فذهب بشير بن سعد إلى النبي ﷺ وأخبره بما فعل فقال: ( أكلُّ ولدِك أعطيتَه مثل ما أعطيتَ النعمان فقال: لا، فقال الرسول: اتقوا الله واعدلوا ... ) . رواه الشيخان . فالعدل بين الأبناء في كل الأمور والرحمة بهم والخوف من وقوعهم في حبائل الشيطان ، ولقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بخلق الرحمة، وبين لنا أنه سبب من أسباب دخول الجنة، فقال: ( أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ)، وذكر منهم: ( رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ). وما يجب أن يكون على ربِّ الأسرة يعني الزوج يكون أيضا على الزوجة في طاعة زوجها والاهتمام بأسرتها ، أخرج الطبراني في معجمه من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أخبركم بنساء أهل الجنة؟! الودود الولود العؤود، التي إذا ظُلمت قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غمضًا حتى ترضى) . وهنا تتجلى قيمة الرحمة والمودة التي يتصف بها البيت المسلم ، فبها وبآثارها الإيجابية الكريمة تصفو الحياة وتسعد القلوب ، وما أجمل أن تتجلَّى هذه المعاني بالدعاء الذي علمنا إياه ربُّنا جلَّ وعــلا في قوله : ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )74 /الفرقان . وتبقى الذرية الصالحة المباركة ذخرا للوالدين بعد وفاتهما ، فالابن الصالح لاينسى والديه من الدعاء لهما بالرحمة ، ويتصدق ويزور أصحاب والده ... فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ).

فللبيت المسلم سمة خاصة ، تميزه عن بيوتات غير المسلمين ، وتظهره على وجه المجتمع الإنساني طيباً معطاء . أنبته الإيمان بالله ، وسقته تعاليم . الإسلام ، ورعته أخلاق القرآن ، فجعلت منه دوحة خضراء ، ظله دائم ، ففي هذا البيت المسلم تشرق أنوار السماء الربانية على أفئدة أسرة كريمة ، فيغزل هذا النور في أعمالها وصفاتها أجل وأجمل السجايا ، وأحلى وأسمى الخصال الحميدة ، ويجعل البيت مقيماً لحدود الله ، منتهيا عمًّـا نهى الله ، مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول . فكلما ظهر وجه البيت المسلم بريانية مشرقة ، تأكد للناظر مدى أخـذ أهل هذا البيت بأحكام الدين ومدى ما يملكون من إيمان ويقين بالله. وما يتمتعون به من حلاوة المعاملة ، وعظمة التمسك بالشريعة الغراء ، ونبذ سواها من العادات الباطلة ، والتقاليد الزائفة، والصد عن شر معطيات حضارة العصر التي فيها ما ينا في فطرة الله التي فطر الناس عليها، والأخذ منها لكل مفيد ، والحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها . إنَّ الحجاب والحشمة ، والأدب والاحترام ، والمعاملة الحسنة للجيران ، وقيام البيت بشعائر الدين ... من صلاة وصيام رمضان ، وأداء الزكاة والصدقات في أوقاتها، و عمل البر والمعروف، والاستعداد للحج إن استطاع أهلُ البيت إليه سبيلا، وإسباغ كل فضيلة من أقوال وأفعال بأسمى ما يتوجب لها من صدق وإخلاص ، وإشاعة روح حب الآخره ، والزهد في الدنيا . والحث على العمل ، وأداء الواجبات ، وتربية الناشئين منذ نعومة أظفارهم على قراءة القرآن الكريم وتعليمه، واعتياد المساجد وتشجيعهم على مخالطة الأبناء الصالحين من أقرانهم . وتحذيرهم من مرافقة أهل السوء ، أو تقليدهم ، وشد مشاعر الأبناء إلى الآفاق الكريمة ، وبعث روح حب الخير والأعمال الصالحة في نفوسهم، وذلك من خلال سرد القصص المحببه للصغار في ليالي الشتاء الطويلة الجميلة وفي غيرها ، فما أ أكرم الأب أو ا لأم أو ولي أم البيت حيثُ يصفي الأولاد إلى الحديث الحلو عن قصص القرآن العظيم أو سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، أو عن سير أبطال الإسلام في الفتوحات، أو عن عظمائه: في التقوى والصلاح ، ، أو عن مواقف كريمة لشباب الإسلام وعلمائه ما يدفع ويثير في نفس الصغير حب الاقتداء بهم ، والإسراع بالعمل الصالح الذي يقربه من حيث يشعر أو لا يشعر إلى الله رب العالمين . والبيت المسلم بابتعاده عن مظاهرِ الترف واللهو ، وإغلاق أبوابه في وجه تيارات الفساد الجارفة والوافدة يعطي الصفار المناعة والصلابة ضد قابليتهم لأي مظهر دنيوي يخالف دين الله ، ولا تستسيغه النفوس الطيبة ، والقلوب الطاهره طالما هو مخالف لفطرة الله التي فطر الناس عليها ، إذ يتجلى مصداق الأثر الوارد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أن المولود يولد على الفطرة فأبواه ينصرانه أو يهودانه أو يمجسانه ... أي يبعدانه عن طهارة الفطرة التي خلقه الله عليها . وكما دعا الإسلام إلى العدل بين الأبناء دعا إلى عدم التمادي في الدلال ومعطيات الدلال التي قد تنقلب بما لايرضاه الوالدان للأبناء من ميوعة تؤثر على يفاعة الابن أو الابنة ... فمعطيات هذه الكلمة العملية قد تجرهما على التمرد والانسياق وراء ما تعود عليه من ميوعة أو لا مبالاة درَّتها عليهما هذه العادة . فالدلال بما يقدمه من تصرفات غير متزنة ... في طعام وشراب ومصروفات ولعب وفي الأخلاق أيضـا ... إن من واجب الأب والأم وولي أمر البيت أن يقودوا سفينة أبنائهم إلى شواطئ الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأن لا يقحموهم وسط العباب الهائج والعاصف الثائر، وإن قُدِّر للأبناء أن يقعوا في قلب الخضم الزاخر بتصرفات غريبة فيكون الواجب أعظم وأدق للخروج بهم من حياة مضطربة ، ومن معترك القلق والضياع ، ولكي لايقعوا في مشاكل مع الناس لا تنتهي إلا بالآثار السيئة على قيم الجوار والإخاء . إن مراقبة وإرشاد الأهل المستمرين لأولادهم دائماً لا تعني أبدا سجن الأولاد ، ولا مضايقتهم ولا سد أبواب الحرية والانطلاق أمام آمالهم ومستقبلهم ونيل نصيبهم الحق من حياتهم الدنيا ، ولا تقييد لما في قلوبهم من حيوية ونشاط فهؤلاء الأبناء يستحقون على الأقل قبسات مضيئة في ظلام هذه الحياة ، وعطف على من ضلَّ السبيل ، فإن من جانَبَ الحقَّ وقع في شباك الباطل ، وإن هذا التقييد الأبوي الحنون هو المعنى الحقيقي للحرية المباركة المنشودة في سعادة الأبناء، والرافد الأقدس لما يملك الصغار - مما حباهم به الله - من جداول فطرية ندية تجري في عروقهم ... طهارة ... وصفاء... وارتقاء ... بأفكارهم من سمو وإرشاد وانعتاق ، بل إن مراقبة الأهل المستمرة لأبنائهم ما هي إلا النور الذي يهدي آناء الليل وأطراف النهار ، لينأى الاضطراب عن البيت المسلم ، لأن السكينة والطمأنينة تعمر القلوب ، وحب الخير والألفة والمودة تديم الهناءة والسعادة والثقة بالله عز وجل تحدو بالبيت المسلم . أن يكون صابرا وشاكرا في الضراء والسراء ، فلقد وضع الإسلام أحكامه وتعاليمه وآدابه في سبيل راحة أهل البيت والسمو بهم على مراقي الفلاح ومعارج الخير إلى نيل رضوان الله الذي هو غاية كل مسلم . بل كل مخلوق عاقل عرف الله عز وجل. فآيات بينات تدعو الأبناء باحترام آبائهم وطاعتهم كما أمر ربُّهم سبحانه وتعالى . وإنَّ إرشادات السُّنَّة النبوية لا تقبل الرد ولا التأويل ، لأنها تؤكد الحق الواجب تجاه الأمهات والآباء. ووعيد من الله لمن أجحف فيه ، وتحذير من رسوله صلى الله عليه وسلم لمن يقصر أو يتقاعس أمام أدائه. ولقد تواترت القصص الخالدة ... قصص الأبرار الذين أدخلهم الله الجنة لرضــا آبائهم وأمهاتهم عنهم. ، ودعائهم لهم ، وصور غالية حبيبة إلى القلوب وإلى الأسماع تلك التي وردت في الآثار عن آثار المعاملة الكريمة للأهل من قبل الأبناء . ويقابل هذا بطبيعة الحال الوجه الثاني الأكثر إشراقاً وهو عطف وجذب وإرشاد الوالدين لأبنائهم ، فالبيت المسلم وحدة لا تنفصم عراها ، ولا تتلاشى عطاياها . إن البيت المسلم بمعناه الصحيح لبنة متينة في قيام صرح شامخ لأمة تحيا الحياة الفاضلة ، وكلما كانت هذه اللبنة قوية متينة كان الصرح أكثر قوة وأشد تماسكاً بسببها ، وبالتالي تكون الأمة أقدر على مواجهة رياح الإغراء للناس في عالم الحضارة المادية التي عــمَّ فسادُها ، فحضارة العصر مضطربة قلقة، وتياراتها جارفة بالباطل والضلال والانحلال الخلقي - وفي معظم الحالات - لا يخرج الأبرار والأبطال والعلماء إلا من البيوت التي صاغت قلوب أبنائها على البر والتقوى ، وعلى مكارم الأخلاق التي تصنع المآثر في المجتمع الفاضل . فالأسرة حـريَّةٌ بأن تنسجَ في نفوس أبنائها قيــم الخير والحياة الكريمة . فهي أي تلك القيم الإسلامية ... منهج العطاء الإنسا ني الراقي .والأسرة في البيت المسلم هي في ظلال الربانية وفي عقيدة ا المُثُل العليا للمجتع الفاضل الذي يحلم به الناس وهو بين أيديهم .

إنَّ البيت المسلم سعيد وآمن بفضل أثر الأنبياء وسيرتهم عليهم صلوات الله وسلامه ، وبفضل مناقب العلماء العاملين ورثة الأنبياء ، وببطولات أشجع فرسان الفتح الإسلامي وحيث الرحمة بالناس ، وبفضل أهل البيان ممَّن حباهم الله بالإيمان وبالدعوة إلى دينه القويم ... و بِنُبل المؤثرين على أنفسهم من حاجات البشر، ولم تشهد الأرض على مدى أيام عمرها بعد الأنبياء والمرسلين لأحد كما شهدت بالفضل الأوفر لأبناء جيل نبوَّة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرهم وتقواهم وبقوتهم في مواقف الحق ، وحبهم للخير لأنهم الجيلُ الذين رشفوا لبان التقوى مع رضاعهم، والتقوى تحمل كل هذه المعانى فمنها المستقى وفيها الانعتاق ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) . ومن هنا تأتي المكرمات للبيت المسلم ، وبهذا الرصيد الوافر تأتي عظمة التوافق والتكامل بين البيت المسام وبين الإرث الإسلامي العظيم في التربية والسمو بالحياة ، وإعمار الأرض التي خلقها الله لتأكيد هذه المعاني ، وتلك ثمراتها اليانعة، وأفياؤُها الظليلة . فمنهج البيت المسلم عنوان لحياة لايستغني عنها الإنسان العاقل الذي علم سبب خَلْقِ الله له في مــدة محدودة على وجه الأرض .

يا أيُّها الناس

﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾النساء1 / ﴿ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ الحجرات/١٣.

وسوم: العدد 1068