فضل عشر ذي الحجة

ليالٍ أقسم الله بها، قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ(1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2) والليالي العشر الأُوَل من ذي الحجة هي ليالٍ ذات شرف، وفيها عرفة، والأضحى، ومناسك الحج، وفيها يكون الإِحرام ودخول مكة وأعمال الطواف، وفي ثامنتها ليلة التروية، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر، وقد أشاد بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله تعالى من عشر ذي الحجة، وروى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (ما من أيام العملُ الصالحُ فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـــــ يعني أيام العشر ـــــ قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قال: (ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وروى ابن حبان رحمه الله في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أفضل الأيام يوم عرفة).

ومن أَجِلِّ الأعمال في هذه الأيام العشر ما يلي:

·       التوبة والإقلاع عن المعاصي والذنوب، حدثنا أبو نعيم: حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إن الله يغار، وغَيْرَةُ الله أن يأتي المؤمن ما حرَّمَ الله). صحيح البخاري(4925).

ويترتب على الأعمال في هذه الأيام العشرة مغفرةً من اللهِ ورحمة، فالمعاصي سبب الطرد من رحمة الله، والطاعاتُ سببٌ للقرب من الله، وإدراك رحمته، فإن صيامها أو ما تيّسر منها وبالأخص يوم عرفة، من أفضل الأعمال، فالصيام مما اختصه الله لنفسه، فقال في حديث قدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً) متفق عليه. (أي مسيرة سبعين عاماً)، وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:(صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده).

·       الإكثار من الأعمال الصالحة ونوافل العبادات كالصلاة والصدقة وتلاوة القرآن الكريم وحبذا ختمةَ قرآنٍ في هذه الأيام العشر، والجهادُ في سبيل الله، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، فأجور الأعمال تتضاعف في هذه الأيام، فالعمل فيها أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها.

·       ويُشرع في هذه الأيام التكبير المطلق في جميع الأوقات من ليل أو نهار إلى صلاة العيد، ويبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة، ويستمر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق.

·       وتُشرع الأضحية لكل قادر عليها، في يوم النحر وأيام التشريق، وهو سنَّةُ أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم، ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾الصافات107، وقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحى بكبشين أملحين أقرنين، حدثنا حجَّاج بن منهال: حدثنا همَّام، عن قتادة: حدثنا أنس رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُضحِّي بكبشين أملحين أقرنين، ووضع رجله على صفحتهما، ويذبحهما بيده. صحيح البخاري5244 وقد ضحَّى رسول اللهصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أمته لكل من لا يقدر على الأضحية، إلى يوم القيامة، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ضحى بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوئين فذبح أحدهما فقال: اللهم عن محمد وأمته من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ". مستدرك الحاكم7547

·       ويُشرع لمن نوى تقديم الأضحية لله تعالى أن يُمسك عن شعره وأظفاره من أول أيام ذي الحجة، أو من يوم حدوث نيته إذا نوى ذلك فيما بعد، وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يُضّحي فليُمسك عن شعره وأظفاره، حتى يُضحي، حدثني حجاج بن الشاعر. حدثني يحيى بن كثير العنبري، أبو غسان. حدثنا شعبة عن مالك بن أنس، عن عمر بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يُضحي، فليُمسك عن شعره وأظفاره). صحيح مسلم{41 - (1977)}.  

·       ويحرص المسلم على أداء صلاة العيد، وحضور الخطبة وإدراك الحكمة من شرعية العيد، وأنه يوم شكر وبر، وصدقةٍ وصلة أرحام، فلا يجعله يومُ أشَرٍ وَبَطَرٍ ومعصية، وانشغالٍ في الملاهي ونحوها، مما قد يكون سبباً في إحباط الأعمال الصالحة التي وفقه الله إلى عملها في أيام العشر.

فما أجمل الأيام التي يوفقنا الله فيها للأعمال الصالحات ولنا في السابقين عظةٌ وعبرة، وقد وفقنا الله إلى إغتانمها في ما يُرضيه عنّا، والتزود بخير العمل الصالح، الخالص لله وحده إقتفاءً لأثر رسوله الكريم محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ (النساء: 57 ).

بارك الله لنا في هذه الأيام المفضلة عنده عز وجل وأعاننا على القيام بها على الوجه الذي يُرضيه عنا وتقبلِ اٌلْلَهُمََّ طاعاتنا.