صرخة حب

عزة مختار

[email protected]

" يأتي علي أمتي زمان القابض فيه علي دينه كالقابض علي الجمر " .. ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، وها هو المسلم يسير غريبا  في جنبات بلاد المسلمين ويسير بدينه كالقابض علي قطعة من الجمر ، يخرج من بيته صباحا ليتعرض لسيول من الفتن  ابتداءا من  لحظة خروجه من بيته  وحتي عودته إليه مرة

ثم هو يحمل هم إعالة بيت يحرص أن يكون مطعمه من حلال فهو يريد أن يتقي في رزقه ربه ، وفوق هذا وذاك فهو يحمل بين جنبات قلبه هم الدعوة إلي الله وهم تبليغ دين الله وهم هداية البشرية جميعا إلي التوحيد والطهر والعفاف والخير الذي يحمله الإسلام ، ثم وهو في خضم كل هذا يتعرض لضيق في العيش وضيق في الرزق بل والاتهامات التي تكال له من كل حدب وصوب بأنه إرهابي أو متاجر بالدين أو متخلف ، فهو مجاهد علي كل الأحوال ، مجاهد لنفسه ، ومجاهد لمجتمعه ، ومجاهد للعالم الذي لا يحمل له في قلبه إلا كل الخير ، هذا فوق ما يعرض له من هجوم إعلامي لم يسبقه في التاريخ الحديث مثيل .

وصاحب الرسالة يعاني  معاناة شديدة في زماننا من غربته في أهله بفكره وأخلاقه وقلبه ، يطوف نهارا من العمل ليكفل بيته للشارع ليبلغ دعوته وهو حامل لفكرة باتت غريبة علي الناس ، ويدافع عن حق بات مشوها في الأذهان ، ليعود في النهاية لبيته وهو محمل بأثقال شداد ينوء بحملها الإنسان العادي الغير محصن بالإيمان والتقوى وابتغاء مرضاة الله تعالي ، ليجد في استقباله إما واحة خضراء صنعتها له زوجته التي تجعله بحبها وحسن صنيعها وحسن استقبالها فهي في استقباله كالعروس التي تنتظر زوجها العائد بعد طول غياب يهفو قلبه إليها بينما هو في قيظ الحياة يصطلي بابتلاءاتها وتهفو إليها روحه ليعود مسرعا يحمل أحلام الراحة والدفء ليلقي بهمومه علي باب بيته ويطمئن لصدر زوجته الحاني التي تقف بانتظاره بلهفة الزوجة المحبة المشتاقة والأم الحانية الرحيمة والصديقة المتفهمة المخلصة ، فيعود المشتاق الغريب ليستجمع قواه داخل واحته الغناء ويستروح فيها من آلام الحياة القاسية ليعود لمهامه المنوطة به أكثر عطاءا واستعدادا لتحمل المزيد وأكثر قوة في مواجهة أي ابتلاء  ...

وإما أن يعود إلي بيت هو أقرب لساحة المعركة  ، الزوجة المتحفزة دائما بالأسئلة علي باب البيت : أين كنت ؟ ولماذا تأخرت ؟ وأين ما طلبته منك بالأمس ؟ تلك هي الأسئلة الأولية ثم يتطور الأمر علي الطعام ـ إذا كان معدا أصلا ـ ابحث لك عن حل مع أولادك ، مشكلات المدرسة والجيران والمذاكرة والدروس ، ثم أمك التي لم أعد أعلم كيف أرضيها وأنا لم أعد أحتمل وإذا لم أزرها تغضب أنت مني ...

فيصمت الزوج المسكين غير معلقا ، فرأسه لم تعد تحتمل المزيد ولا يملك دواءا سوي الصمت الذي يثير الزوجة النكدية أكثر وأكثر فيستمر هو في صمته وتستمر شكاواها

أختي الزوجة : أتذكرين أمك خديجة ؟

" هذا جبريل يا خديجة يقرؤك من ربك السلام ويبشرك ببيت في الجنة لبنة فيه من فضة ولبنة من ذهب ، ليس فيه صخب ولا نصب "

القائل هو الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ، يقول لمن ؟ يبلغ الحبيبة خديجة زوجته ورفيقة دربه عليه الصلاة والسلام لحظة وفاتها يبلغها فيها برضا الله عليها وسلام الله عليها ويبشرها بالجنة وقصر فيها ، ويصف القصر بأنه لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، لم يا أمنا كل هذا الفضل ؟ بشارة من الله عن طريق جبريل عليه السلام في لحظة الوفاة ؟ ماذا قدمت يا أمنا لكل هذا التكريم ؟

القلب الكبير والحب والتفاني والصدق والحنان البالغ والعقل الناضج ، تلك كانت أهم صفات أمنا الحبيبة رضي الله عنها

لم تسأله يوما من أين أتيت ولم فعلت ؟ يغيب عنها قبل الرسالة شهرا كل عام فتذهب إليه بالطعام دون أن تناقشه في المر مجرد نقاش ، . " والله لن يخذيك الله أبدا فإنك كذا وكذا "وتعدد أخلاقه الطيبة حين تأتيه الرسالة وتأخذه الرجفة ويلجأ إليها هي دون غيرها ، يلجأ إليها وليبس لأحد من أصحابه لعلمه مسبقا عليه الصلاة والسلام برجاحة عقلها وحنو قلبها وسعة صدرها . فهي الملجأ ، وهي المعين بعد الله . في شعب أبي طالب تجوع مثله تلك العزيزة في قومها وصاحبة المال والكلمة ، تتحمل هي تربية الأولاد في بيت مليء بهم وتقوم هي بشأن التجارة ولم تشتكي يوما أنها تعطي وتعطي بلا مقابل ، بل كانت تشاركه هم ما قوم به وتستقبله في بيت كله هناء وراحة ودفء وحب يعوض كل ما يلاقيه خارج واحته الآمنة 

وهكذا هو الجزاء من جنس العمل  ، بذلتي يا خديجة من مالك وبيتك وجعلتيه واحة للمصطفي فليكن بيتك في الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، ثم أنت وفرت الراحة للنبي والهدوء والسكينة كي يتعبد كما يشاء وليفرغ لدعوته كما يشاء فليكن بيتك في الجنة ليس فيه نصب ولا صخب ..

ذلك هو سبيل النجاة أختي الزوجة ولا سبيل غيره إلا سبيل واحد وأربأ بك أن تكوني فيه

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) التحريم