ثواب أعمالكم قد يكون في خطر!

ثواب أعمالكم قد يكون في خطر!

عابدة العظم

أكثر المسلمين يقومون بعباداتهم كاملة غير منقوصة، فيصلون ويصومون ويحجون إلى بيت الله الحرام وقليل منهم من يتفهم حرمة الكذب والغش والغمز واللمز والتكبر، وندر من يدرك أنها من الكبائر.

وكيف يعرفون حرمتها الشديدة ولم يربوا عليها في البيت ولم ينههم عنها الأستاذ  في المدرسة، بل نشأ الجيل  في مجتمع يدعو إليها ويدرب الأبناء على مزاولتها ويحببهم بها: فالغش شطارة والكذب إبداع والتكبر دلالة على رفعة القدر والمنزلة!

فمتى سنؤمن ونصدق بأن سوء الظن والاستهزاء وأشباهها، من الكبائر التي يعاقَب المسلم عليها كما يعاقَب على شرب الخمر وعلى أكل لحم الخنزير وعلى السرقة، فلِمَ نتهيّب تلك الذنوب ونتجنبها ثم لا نجد غضاضة في معاقرة آفات اللسان؟ وفي إيذاء الآخرين؟

ومتى سنتيقن ونتأكد من أن الجوانب الاجتماعية (كالكلمة الطيبة وإغاثة الملهوف وقضاء الحوائج والصبر على أذى الناس) جوانب تعبدية لها أجرها العظيم كما للصلاة والصيام وسائر العبادات: "من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة" فنعطيها حقها ونقوم بها؟ فبدل أن نحج ثانية (وقد حججنا الفريضة من قبل) فنصرف المال في الحج نكفل بهذا المال يتيماً، وبدل أن نصوم نفلاً فنضعف نغيث ملهوفاً ونحن أشداء... وإن المسلم ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، فأي خير أعظم من هذا؟ وأي فضل تبتغونه أكبر من ذلك؟

أكثرنا يقوم الليل ويصوم النهار ويكثر من الأعمال الشاقة المتعبة المكلفة المجهدة (وجَمْع الحسنات ليس سهلاً والعبادات فيها مشقة) ثم يفرط بكل هذ الجهد ويجعله هباء حين يرمي الكلمات المؤذية ويلمز ويغمز... ويمحو حسناته ويذهب بها فكأنه لا صلى ولاصام! وقد كان يكفيه ترك الحرام وعمل الفرائض وترك المعاصي، ولكنه خلط عملا قليلا صالحا بعمل كثير طالح فأذهب حسنتاته واقترب من الإفلاس!؟

"ترك الصلاة" كبيرة وأكبر من كبيرة "الكذب"، ولكن الكذب كبيرة وعقابها شديد والمؤمن قد يزني وقد يبخل وقد يجبن.. ولكن المسلم لا يكذب. والمفلس من جاء يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل من مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته. فعلام نضيع صلاتنا صيامنا؟!

ولو فهمنا الدين فهماً حقيقياً لأدركنا أن الرحمة ورعاية حقوق الآخرين من أسس العقيدة الأساسية ومن أهم شروط الإيمان ومن أصول التشريع الرئيسية: "من لا يرحم لا يرحم" وقد دخلت امرأة الجنة (على قلة صلاتها وصيامها) فقط لأنها لا تؤذي جيرانها.

وإن الإساءة إلى المخلوقات -مثقال ذرة- عقابها شديد ويرتد ذلك آلاماً وأحزاناً واكتئاباً ونقصاً من الأنفس والثمرات، وجاء في الحديث الصحيح: "لما نزلت: {مَنْ يَعْمَلْ سوءاً يُجْزَ بِهِ} قال أبو بكر: كيف الصلاح يا رسول الله مع هذا؟ كل شيء عملناه جزينا به؛ فقال: [غفر الله لك يا أبا بكر. ألست تنصب، ألست تحزن، ألست تصيبك اللأواء (الشدة والمحنة)]؟ قال: بلى. قال: [فذلك مما تجزون به]. وقيل في تفسيرها: "إن المؤمن تُعجَّل له العقوبة في الدنيا".

* * *

ولقد كنت آسى -كما يأسى غيري من المسلمين- على إخوان لنا يقتلون هنا وهناك بأيدي الأعداء، وينالهم الظلم، وتقع عليهم الأحكام العرفية، وكنت أحزن من مشاهد البؤس والشقاء والحرمان... فاكتشفت أننا في حياة اليومية وفي تصرفاتنا مع الناس نفعل الشيء نفسه، فنحرم ونشقي ونظلم ولا نكترث ولا نهتم؛ فنحن بعبارة استهزاء نرميها نقتل إبداعاً، وبسوء ظن نظهره نجرح نفساً، وبنميمة ننقلها نؤلم فرداً، وباستغابة شخص نصنع له عدواً، وبغمز ولمز نحطم كرامة... وهكذا ندوس على غيرنا ونحن ماضون في هذه الحياة، فلا نشعر بما نفعل، ولا نألم لما ألمنا به الناس ولا نكترث بما سببناه لهم، ثم نعتب على الحكومات وعلى الأعداء، ونعرض بما يفعلونه بنا، ونستنكر إهمالهم حقوق الإنسان، وإساءتهم إلى كرامته.

فإن كنا نحن في علاقاتنا مع معارفنا المعدودين، وأقاربنا القليلين لم نستطع أن نعيش بسلام ووئام، ولم نسيطر على المشكلات ونحد من الاختلاف والخلافات فكيف ننتظر أن يتحد العرب، وأن يتأخى المسلمون؟

وإن لم نستطع في عوالمنا الصغيرة المحصورة أن نتسامح ونتجاوز وبيننا رابطة الدم والرحم، وبيننا الخبز والملح الذي يقولون عنه، وبيننا التشابه في الأفكار والآمال. فلماذا ننقم على أعدائنا، وكيف ننتظر منهم أن يعدلوا فينا ويتعاطفوا معنا وهم يخالفوننا في كل شيء؟

وإن نحن لم نستطع أن نحقق جزءاً من الخلق الذي أمرنا به، والحد الأدنى مما ألزمنا إسلامنا باتباعه في محيطنا الصغير وفي تعاملنا مع إخوتنا من المسلمين، فنحقق للإنسان كرامته، ونحفظ له حقوقه وننصفه، فكيف نأمل أن ينتشر الدين وتسعد البشرية؟

* * *

أيها المسلمون، إن الموضوع جد مهم، وإن الخطأ مع البشر أخطر من الخطأ مع الله، وأشد بأساً، أتدرون لماذا؟ لأن الله يسامح ويغفر، ويقبل التوبة والإنابة. أما البشر ففيهم الحقود والمتكبر وقاسي القلب... وأنى لمثل هؤلاء بأن يتسامحوا معنا؟ ويتجازوا عنا؟ فلا نجاة لنا منهم إلا بتجنب الإساءة إليهم، فلا نكون يوماً بإيذائنا لهم تحت رحمتهم، إن شاؤوا غفروا لنا وإن شاؤوا أوقعوا علينا العقاب (أي بما أذن لهم به الله)، وإنما علينا أن نكون نحن فوقهم بتسامينا وعظم خلقنا فلا نسمح لهم يوماً بأن يذلونا بطلب صفحهم.

فاتبعوا خلق نبيكم أيها الناس واحفظوا ثواب أعمالكم تسعدوا في الدارين.