يوسف عليه السلام النبي المظلوم ومشاهد مع إمراة العزيز

يوسف عليه السلام النبي المظلوم

ومشاهد مع إمراة العزيز

عبد الله بن دايل

الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

من المعلوم وهو ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم جميعاً وغيرهم وهو ما نُقِرُ به إكراماً وإجلالاً وهيبةً لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه هو سيد الخلق وأفضلهم خَلقاً وخُلقا على الإطلاق وأما النبي يوسف المبتلى ابن الأكرمين عليهم السلام فقد أُوتي شَطر الحُسن ولم يفضل على سائر الخَلق وهذا ما ثبت في الحديث ما رواه مسلم ( أوتي يوسف شَطر الحُسن ) ، هذا النبي الذي ظَلمهُ إخوانهُ بإلقائهِ في البئر وهو صغير  ، وظَلمهُ بيت عزيز مصر حين أدخلوهُ في السجن افتراءً عليه  ، وظَلمهُ قومه وهم بني إسرائيل عندما نسجوا له بعد موته قصص من الخيال تتهمه في طهارته وعفته ولازالت موجودة بعض منها إلى يومنا هذا ، وظَلمهُ بعض من المسلمين هدانا الله وإياهم للحق البعيدين عن كتاب ربهم بتداولهم هذه القصص الخَيالية 

وبالإطلاع لعدة من كتب التفاسير وسماع لبعض المشايخ حول قصة يوسف عليه السلام فقد اجتهدت في بيان الحق قدر الإمكان حول قصته مع امرأة العزيز ، وبعد الاستعانة بالله وحده إليكم بعض مشاهدها وأسأله التوفيق والسداد بالقول  :

يقول ربنا سبحانه وتعالى : ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَّ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ* وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ* وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 25.23 يوسف .

المشهد الأول : ( وراودته ) أي طلب سيدة البيت برفق ولين ( بالقول أي المغازلة ) لعل تميل نفسه أي قلبه إليها ، 

وزيادة في المراودة غلقت الأبواب وقالت له ( هيت لك ) أي صاحت ( لقول الشاعر" يحدو بها كل فتى هيات " أي صاح ) تدعوه إلى نفسها وهي كلمة سريانية وعند الحورانيين معناها تعال ، لكن يوسف عليه السلام أجابها بقوله معاذ الله أي ( أعوذ وأستجير بالله الذي أحسن مثواي ) مما تدعوني إليه ، 

لأنه لو أجابها ( ومعاذ الله ) لما تريد لن يفلح أبداً بسبب ظلمه لنفسه وهو معصية ربه بهذه الخطيئة أي الذنب بدليل قوله تعالى  ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) 32الإسراء . 

المشهد الثاني  :( ولقد همت به ) عندما فشلت ولم تفلح في مراودة واحد من خدمها وهو التمنع ورفض طلبها وهي السيدة المطاعة الآمرة بدليل اعترافها عند قولها للنسوة ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ، عندها همت ( بإذائه ) سواء بضربه أو غيره بدليل إعترافها في نهاية قصتها مع يوسف عليه السلام بقولها ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ) ، وكذلك كلمة ( همت في القرآن لم ترد إلا بمعنى من أراد فعل الأذى ) بدليل قوله تعالى ( إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) 122آل عمران أي الأذى وهو الحزن الذي أصاب المسلمين وسببه عندما ( أرادت ) بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف أي الرجوع مع عبد الله بن أُبي من ( غزوة أحد ) فقد عصمهم الله فلم ينصرفوا 

وقوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) 5 غافر وهمت كل أمة برسولهم حرصوا على فعل الأذى وهو قتل رسلهم بكل ممكن . 

( وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ) أي لولا أن رأى برهان ربه لهم بإيذائها ، وهذ المعنى نظير قوله تعالى ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) 10القصص أي لولا أن ربط الله الرحيم بعباده على قلب أم موسى لأبدت به وبرهان ربه أي الدليل الواضح الذي يخوفه بالله وينهاه عن هذا الفعل ، وفي هذا المعنى يقول تعالى ( لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) 28المائدة قال ابن كثير بأن قوله ( لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ) أي لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة ( إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) .         

ثم بين الله سبحانه وتعالى أنه حفظ سيدنا يوسف عليه السلام عن غواية الشيطان له بصرفه عن فعل ( الأذى و الزنا ) بقوله تعالى كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ   ( بسبب ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ لإن فعلهما من طاعة وإتباع ما أمر به الشيطان ومعصية للخالق الرحمن ، ولإن الشيطان لا يستطيع غواية عباد الله المخلصين  بتزيين فعل المعصية لهم بدليل قوله تعالى ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ) 40.39 الحجر

وقد بين لنا الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده في كتابه المبين أن فعل ( السوء أي الأذى والفحشاء أي الزني ) من خطوات الشيطان الرجيم بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) 168البقرة ، وخطواته هي في الآية التي بعدها بقوله تعالى : ( إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) 169البقرة . 

ومعنى ( السوء ) هو فعل الأذى سواء كان باللسان أو باليد أو بالجوارح عامة سواء كانت على النفس أو البدن أو على الغير وأعلى الأذى هو إزهاق النفس بغير حق بدليل :

قول النبي صالح عليه السلام لقومه وهو يحذرهم أن لا يؤذوا الناقة في قوله تعالى ( وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) 156 الشعراء 

وقوله تعالى ( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) 12 النمل أي تتحول يد نبي الله موسى عليه السلام بيضاء من غير أذى

وقوله تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أﺇله مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ )62 النمل ويكشف السوء أي الأذى الذي يقع على الإنسان

وقوله تعالى : ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) 188الأعراف وما مسني السوء أي كل ما يفضي إلى الأذى

وقوله تعالى : ( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )121طه ومعنى فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا هو خروج الأذى من بدن الإنسان من غائط وبول عن طريق القُبُل والدُّبُر . 

تنبيه  :وعليه (( أذكر نفسي وإخواني المسلمين في أنحاء المعمورة أن يبتعدوا عن الأذى سواءً بشرب الدخان والمسكرات والمخدرات وخاصةً الإعتداء على النفس والآخرين من تجريح وضرب وقتل )) ، ويجعلوا تقوى الله ومخافته في سائر حياتهم ، والله من وراء القصد  .

وأما معنى ( الفحشاء ) : هو الزنا ومقدماته من قول أو سماع أو نظر أو فعل بدليل قوله تعالى :

( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) 32 الإسراء ولقوله عليه السلام في الحديث :( إن العين تزني وزناها النظر، وإن اليد تزني وزناها البطش، وإن الأذن تزني وزناها السمع، وإن الفرج يصدق هذا أو يكذبه ) . 

وأما معنى وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ هم الذين يحلون ويحرمون من غير برهان أي دليل شرعي بدليل قوله تعالى ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ) 36 الإسراء والآيات في هذا الباب كثيرة ومعلومة لدى الجميع . 

المشهد الثالث  :وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ ) بعد المواقف السابقة أختار يوسف عليه السلام الهروب ليبتعد عن أذى سيدة البيت فهرب وهي تطلبه حيث لم ينقطع همها بأذيته فلحقته في قوله تعالى واستبقا الباب أي أبتدر هو مسرعاً نحو الباب ، وهذا نظير قوله تعالى :   ( وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ )66يس وهي من خلفه تطلبه فأمسكت بقميصه فقدته أي ( شقت ) بسبب شدها لقميصه من الخلف . 

المشهد الرابع  :وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وألفيا أي وجدا ( والسيد عند قبط مصر هو الزوج ) لدى الباب أي بعد وصولهما إلي الباب وجدا زوجها عنده حينها رأى الزوج امرأتهُ تطلب أي تلاحق خادمها ورأى كذلك أثر هذا التشاجر وهو شق القميص ، في هذه اللحظة قالت بسؤال تبريري للهروب من تبعية الطلب وهذا التشاجر وهو : 

ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا أي ( أذى ) ولم تقل فاحشةً ؟

وزيادة في إيذائه جعلت سيدة البيت نفسها حاكِماً وأصدرت حُكماً بتُهمةٍ هي التي ادعتها عليه بقولها : (( إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) .

فسبحان الله أول الموقف مراودةٌ وآخرهُ سجن وتعذيب وهذه سُنةَ الظالمين يد فيها جزرة واليد الأخرى فيها عصا .

فاللهم أحفظنا وإياكم ولإخواننا المسلمين المستضعفين في المعمورة ديننا وأعراضنا وأوطاننا آمين والحمد لله رب العالمين 

والله أعلم والهادي للصواب