أقدارْ...

هنادي نصر الله

[email protected]

لا أحدْ يجرؤ على أن يُغيرها أو يُعدلها وفق مزاجه وما يُمليه عليه؛ لا أحدْ يهربْ منها ولا أحدْ إلا ويستسلمَ لها " راضٍ أو مرغم"..

" أقدار" جمعُ " قدر" كلُ شيءٍ للإنسانِ ينالُه هو " قدر" كلُ خيرٍ يتنعمُ به هو" قدر" كلُ شرٍ قد يُصيبه أيضًا هو" قدر"..!!

ذلك " القدر" علينا أن نُحسنَ استقباله بخيره وشره؛ فلا نكونَ عاجزينْ عن إكرامه؛ لأنَ المؤمنَ من طبعه أن يكون كريمًا مع ضيوفه؛ فكيفَ إذا كان هذا الضيف هو " القدر" الذي قدره الله لنا منذ أن كنا " أجنةً" في بطونِ أمهاتنا أكرمهن الله..؟؟ 

القدرُ بخيره وشره؛ علينا آلا نُفرقَ في التعاملَ معه؛ فديننا ينبذُ الفرقة، ويحثُ على العدلِ في كل أمورنا الحياتية؛ لا نفرحْ كثيرًا إن أصابنا الخير، ولا نجزعْ حتى نهلك إن أصابنا الشر؛ بل أن نشكرَ في الفرح، وأن نصبر في الحزنْ، لأن في كليهما خير، وخلفَ كل غيمةِ ألم؛ مطرُ فرجٍ يُذهل القلبَ إن تعاملَ مع أوجاعهِ بإحسانْ..

حتى الوجع يجبُ أن نُحسنَ إليه، أن نستقوي عليه، ولا قوةَ أفضل من التوجهِ إلى الله؛ فمن يلجأ إليه يحظى بقوةٍ مطلقة، قوةٌ تتلاشى أمامها " عصاباتُ البشر" وما خططوه من نفاقٍ مزدوجْ..!!

القدر.. يجبُ آلا يُخيفنا، لأن خوفنا من المجهولِ ليس في صالحنا؛ والإنسانُ الحكيم لا يهابُ التطلعَ إلى الأفضل؛ شريطةَ أن يعتمدَ على الله في كلِ خطوة، فإن وقفَ على قدميه قالَ بخضوعٍ ورضا" بسم الله" وإن جلسَ قال " بسم الله" وإن أقعدتْه شدة قال " بسم الله" وإن تهيأ لموجةِ سعادةٍ قال" بسم الله" من يقلْ دومًا " بسم الله" لن تُفزعه ما تُخبأه الأيامُ له..

القدر.. يجبُ أن يُولد بداخلنا طاقةً من الرضا والإيجابية، تنعكسُ بكلِ مصداقية على تصرفاتنا الآنية والمستقبلية؛ فلا أعدلَ من الرحمن حين وزع أقداره بين العباد، وحين قسم الأرزاق بين الناس، وحينَ أعطى بقدر ومنعَ بعض عطاياه أيضًا بقدر، كلُ ذلك لحكمةٍ منه، لو علمناها لرضينا بكلِ ما قسَمه لنا، ولما تطلعنا لما في أيدي غيرنا من نعم..

كلُ مصائبِ البشر وكلُ أزماتهم؛ لأنهم غضبوا من " القدر" وتمردوا عليه بأفعالهم الشيطانية، فكانتْ النميمة بينهم، وكان الحسدُ بينهم، وكان النفاق بينهم، وكان الكذب بينهم، وكلُ ذلك لأنهم أبوْا إلا أن يستسلموا " للأقدار" فاعترضوا على مشيئة الرحمن؛ فانتشرتْ الأوبئة النفسية والعاهات الإجتماعية بينهم، فهلْ نجحوا في سلبِ " غيرهم" ما أنعم الله عليهم من نعم؟؟..

كلا.. لقد مضى الراضون " بأقدارهم" نحو المعالي.. فيما ازداد الساخطون من " أقدارهم" حسرةً ونقمة، والتهبتْ عيونهم مع الأيامِ لتشعلَ نيرانَ" حسدها" لتأكلَ أول ما تأكلَ إلا نفسها؟؟

فيا لخسارةِ وندامةِ من اعترض على " قدر الله" ويا لسعادةِ من آمن بربه.. كلا لا يستويان..!!