سأظل متفائلا ويبقى الأمل

حشاني زغيدي

 رغم السواد و الضباب الذي عثم بظلمته الأفق و رغم المآسي و المحن و رغم تهاوي القيم و رغم الأهوال التي تعيشها الأمة و الخيبة التي تعيشها في جميع مناحي الحياة و رغم تآكل مفاصل الأمة و تغول الأعداء و رغم التشتت و الانقسام و رغم انكسار ظهر المسلمين تفقيرا و اضطهادا و تشريدا و رغم كل هذا فهل نفقد الأمل ؟ أقول رغم كل هذا و يبقى نبض الأمل و شعلة الأمل .

 تعلمنا من ديننا أن المؤمن لا يقطع الأمل بالله فهو صاحب الأمر من قبل و من بعد فهو مالك مقاليد كل شيء . و أن أمر الانسان بيده قال تعالى : {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} النمل 59) فأبواب الله مفتوحة مشرعة للمتوكلين المتحركين الآخذين بالأسباب . فالمؤمن يعلق الأمل فيه سبحانه و تعالى فهو صاحب التوفيق و الإعانة فهو مجبر التقصير .فطرد اليأس من الإيمان . يقول الله تعالى { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ } (النمل : 62) فحسبك أن تدعوه و أنت موقن بالإجابة .

 فكم هي الحاجة ليعود المؤمن لسيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم يتعلم منها زراعة الأمل فكم لاق و تحمل و كم كابد من الصعاب في تبليغ الرسالة و كم تحمل أدى قومه و تكالب الأعداء . فحين نبصر النبي صلى الله عليه و سلم في الطائف و حجارة الغلمان تدمي قدميه الشريفتين هناك سما بروحه الشريفة للسماء يبتهل لمولاه في لحظات مشرقة و قلب راض محتسب مخبث بالدعاء لا يبالي ما يلاقيه يكفيه أن يكون الله راض عنه و يرضيه أن يهدي الله قومه . فما أجملها من مقولة (عسى الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ) .

 و كم هي الحاجة ليتسلح المؤمن بفقه الأمل من سير الصالحين و من تجارب الناجحين الذين تحدوا الصعاب فلم يتسرب الضعف إلى كيانهم فتهاوت تلك الصعاب في غمرة ذلك السمو و تلك الرفعة و تكسر شبح اليأس في نفوسهم التواقة للعلا و انهزم في نفوسهم تلك الفوضى من الأفكار السلبية المكبلة لبلوغ النجاح فيقينك بالله يبعث الأمل و يقويه . فالله لم يخلق الناس عبيدا و لم يخلق الناس فقراء يرضون بالدون بل الله يرضى لعباده الرفعة و ان يكون أحرارا . فعزز الأمل في نفسك أخي و انطلق فطريق السعادة معبدة .

 و كم يطيب لي أن أسوق لأحبتي كلمات تبعث الأمل و تصنع الثقة في النفوس من كلمات اقتطفتها من قطوف روض الإمام البنا رحمه الله و تغمد ثراه و هي وقود تحرك في نفوس العاملين و كل التائقين العاشقين للحرية في زمن الاستبداد و الظلم يقول رحمه الله : " لهذا لسنا يائسين أبدًا ، وآيات الله تبارك وتعالى وأحاديث رسوله -صلّى الله عليه وسلّم - وسنّته تعالى في تربية الأمم وإنهاض الشّعوب بعد أن تشرّف على الفناء ، وما قصّه علينا في كتابه ، كلّ ذلك ينادينا بالأمل الواسع ، ويرشدنا إلى طريق النّهوض ، ولقد علم المسلمون – لو يتعلمون – ".