مع محمود محمد شاكر في رمضان

د. محمد جمال صقر

[email protected]

تلميذه المسكين

وَصَلْتُ إليه من بعد صلاة عصر الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة ثلاث عشرة وأربعمئة وألف (25/9/1413هـ)، فإذا هو مشغول بكتاب الله وحده يقرؤه رافعا به صوته مُتَحَرِّيًا من الإتقان والتزيين وُسْعه وكأنما يَتَنَزَّلُ عليه، في مصحف من قياس متوسط، يَنْفَرِدُ إذا وَضَعَه قليلا لتحية القادمين، بمنضدة الكتب الصغيرة التي لم تكن تخلو عن يساره من وفود الكتب الجديدة

تَنَحَّيْتُ عنه مأخوذا بمكتبته التي لم تدع جدارا من بيته الكبير إلا كَسَتْهُ من أرجائه الأربعة -ولو عَلِمَتْ مَنْفَذًا إلى باطنه ما تَرَكَتْهُ- إلا جُدْران المطبخ والحمام

أُذِّنَ للمغرب، فذهبت إلى حَيْثُ السُّفْرَةُ، أَذوقُ شيئا من قبل الصلاة، فأَغْرَتْني قَواريرُ قَمَرِ الدين ومياهِ سفن أب الغازيَّةِ، فشربتُ بعضها ببعض أُنْعِشُ وقار القمر بنَزَق الغازية

صَلَّيْنا ثم أقبلنا على سُفْرَةِ أكرم من رأينا، فإذا ألذُّ طعام وأغلاه وأكثره! عَرَفَ أستاذنا حَيْرَتي، فدعاني إلى طبق الفول المدمَّس بالفحم، الذي يبدأ به إفطاره، فشكرتُ دعوته الكريمة، وآثرتُ حيرتي! فتَبَسَّم، وتَبَسَّمْتُ

فيا سبحان الذي أَلَّفَ على مائدته بين المُتَباعِدَات، كما أَلَّفَ في مجلسه بين المُتَباعِدِين!