لنجعلْ من رمضان هذا العام شيئاً مختلفاً ومتميزاً

لنجعلْ من رمضان هذا العام

شيئاً مختلفاً ومتميزاً

علي صدر الدين البيانوني

ها هو ذا شهرُ رمضان، يُطِلّ علينا من جديدٍ هذا العام، وها هي ذي بشائرُه تلوحُ في الأفق، تدعونا إلى التهيّؤ لاستقباله، والتعرّض لنفحاته، في وقتٍ يخوضُ فيه أهلنا في سورية الحبيبة، معركةَ الحرية والكرامة، ضدّ الظلم والتسلّط والاستبداد، ويواجهُ فيه شعبنا نظاماً من أشدّ الأنظمة ظلماً وعتوّاً ووحشيةً وإجراما، ويتعرّضُ لأبشع الجرائم والاعتداءات، بعد أن صبرَ عدة عقود، تحت نير الذلّ والاستعباد، دون أن يرضخ أو يذلّ أو يستكين، حتى ظنّ الطغاة الفاسدون أنهم قد تمكّنوا منه، وأنهم قتلوا فيه روح العزة والنخوة والكرامة..

لذلك فإن رمضان الذي نستقبله هذا العام، سيكون مختلفاً ومتميّزاً، فهو إضافةً إلى كونه مضماراً للتسابق في ميادين التربية الروحية والعملية، سيكون أيضاً ميداناً للتنافس في الدعم والمساندة لثورة أهلنا السلمية، المطالبة بالحرية والعزة والكرامة.

وكما أن رمضان هو شهر الصيام والقيام والقرآن.. كذلك فإنه شهر الجهاد والانتصارات العظيمة. والجهاد ذروة سنام الإسلام، وإنّ أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر، وسيّد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائر، فأمره ونهاه، فقتله.

فما أحرانا - ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم - أن نذكرَ إخوتَنا وأبناءنا الأبطال الثائرين في بلدنا الحبيب، من الشباب والشيوخ والنساء والفتيان، الذين يتصدّوْن بمظاهراتهم السلمية، وصدورهم العارية، لبطش الطغاة المتسلّطين.. فمنهم من قضى نحبه ومضى شهيداً إلى ربه، ومنهم من تغصّ بهم زنازين الطغاة، يقاسون الأهوال من بطش الجلاّدين وتعذيبهم، ومنهم من اضطر إلى الهجرة والنزوح، ومنهم من لا يزالون يواجهون أبشع أنواع القمع والتنكيل، على طريق الحرية والكرامة، وما بدّلوا تبديلا..

وإن من حقّ هؤلاء الأبطال علينا أن نشاركهم ثورتهم، ونقوم بواجبنا تجاههم، نساندهم، ونشدّ من أزرهم، ونرعى أسرهم، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضا، والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. فهؤلاء الأبطال يدافعون عن الشعب السوري كله، لاسترداد حريته المسلوبة، وكرامته المهدورة، وحقوقه المنتهكة، يحملون هموم الملايين ومعاناتهم، داخلَ الوطن الحبيب وخارجَه، وإنّ العملَ لنصرتهم واجبٌ شرعيّ ووطنيّ وإنسانيّ، يقتضي منا جميعاً بذلَ الجهود، واستنهاضَ الهمم، واستنفارَ الطاقات، ورصّ الصفوف، وتنسيقَ الجهود، لنسهمَ جميعاً في نصرتهم ودعمهم ومساندتهم..

إن ما تشهده المدن والبلدات والقرى في كلّ مكان من بلدنا الحبيب، من تظاهرات سلمية، واحتجاجات تطالب بالحرية، وما يواجهه هؤلاء المتظاهرون والمحتجّون، من بطشٍ وقمعٍ وتنكيلٍ وتقتيل.. يوجبُ على كلّ واحدٍ منا، أن يتحمّلّ مسئوليتَه، ويأخذَ دوره في المشاركة والدعم والنصرة والمساندة، فهذا هو واجب الوقت، لنكون حقاً كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص، فالمسئوليةُ كبيرة، والأمانةُ ثقيلة، وفي مقابل ذلك جنةٌ عرضُها السماواتُ والأرض، ومغفرةٌ من الله ورضوان.. ونحن في شهرٍ تُضاعَفُ فيه الأعمالُ والحسنات..

 وحتى نقوم ببعض الواجب تجاه أهلنا وبلدنا في هذا الشهر الكريم.. لا بدّ أن نعقد النيةَ والعزم، على مشاركة إخواننا الثائرين ثورتهم السلمية المباركة، وأن نؤازرَهم ونساندَهم بما نستطيع، من دعمٍ مادّي ومعنويّ، وسياسيّ وإعلاميّ وإغاثيّ، وأن نضرعَ إلى الله عز وجلّ بالدعاء، أن ينصرَهم ويسدّدَهم ويحفظَهم، وأن يرحمَ شهداءهم، ويشفيَ جرحاهم، ويفرّجَ عن أسراهم.. فرمضان شهر الضراعة والدعاء، وإن للصائم عندَ فطره لدعوةٌ ما تردّ.

رمضان شهر الصيام، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه، وحقيقة الصيام لا تقتصرُ على الامتناع عن الطعام والشراب، فربّ صائمٍ ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش، ومن لم يدَعْ قول الزور والعملَ به، فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه.

ورمضان شهر القيام، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه. ولقد كان قيامُ الليل - وما يزالُ - شعارَ الصالحين من هذه الأمة، وصلاةُ التراويح وصلاةُ التهجّد، من الخير الذي ينبغي أن لا يفوتَنا في هذه الليالي النضِرات.

ورمضان شهر التقوى، وأولُ أمرِ التقوى في رمضان، أنْ نجعلَ منه محطّةً للتوبة..  والتوبةُ بكاءٌ على خطيئة، وندمٌ على ذنب، وإقلاعٌ عنه، وعزيمةٌ صادقةٌ على أن لا نعودَ إليه.

ورمضان شهر القرآن، فلنعشْ مع القرآن في هذا الشهر الكريم، نتدبّرُ آياته، ونقفُ عند حدوده، ونتعهّد أهلينا وأبناءَنا وبناتِنا بقراءته وفهمه، فهو مأدبةُ الله التي مدّها بين أيدينا عبْرَ الزمان.

 ورمضانُ شهرُ الصبر، والصبرُ جزاؤه الجنة، والصبرُ الجميلُ هو الصبرُ الإيجابيّ الفاعل، فالمسلمُ أعظمُ من أن يقعدَ حائراً بائراً، لا يقدّمُ ولا يؤخّر، ينتظرُ ما يُفعَل به، وإنّ مغالبةَ الأقدارِ بالأقدار، والفرارَ من قضاءِ اللهِ وقدَرِه، إلى قضاءِ اللهِ وقدَرِه.. هي حقيقةُ الإيمانِ التي يجبُ أن تنتعِشَ في قلوبنا في شهرِ رمضانَ الكريم.

ورمضانُ شهرُ الجودِ والبذل، وكانَ سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضان.. وإنها لدعوةٌ إلى البذلِ والعطاءِ، في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها أهلنا في سورية الحبيبة، وما أكثرَ وجوه الإنفاق في مثل هذه الظروف.!

ورمضانُ شهرُ الدعاء، والدعاءُ مُخّ العبادة.. وما أحوجَنا في هذه الأيام العصيبة إلى الضراعة والدعاء، فلندْعُ اللهَ ونحنُ موقنون بالإجابة، أن يكشفَ الكرب، ويفرّجَ الغمّة، وأن يعزمَ لهذه الأمة أمرَ رشد، يعزّ فيه أهل طاعته، ويذلّ فيه أهل معصيته، ويؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر..

 أيّها الثائرون الأحرار في سورية الحبيبة.. إنّ مطالبتكم بالحرّية والكرامة جزء لا يتجزّأ من عبوديّتكم لله، فمن تحقّق بصدق العبوديّة لله، أبَتْ نفسه الذلّ والهوانَ لأيّ طاغوت، فالتحرّر من الطواغيت، مطلبٌ شرعيّ، فمن يكفرْ بالطاغوت، ويؤمنْ بالله، فقد استمسكَ بالعروة الوثقى.. فأخلصوا نيّاتكم لله، وامضوا في طريقكم، ثابتين على الحق، لا يضرّكم من خالفكم أو خذلكم، حتى يأتيَ نصر الله، وتحقّقوا لشعبكم آماله في الحرية والعزة والكرامة.. وما ذلك على الله بعزيز، وما هو عنكم - بإذن الله - ببعيد.

أما أنتم يا أهلنا وأحبابنا المتردّدين.. إلى متى تبقَوْن متفرّجين صامتين غيرَ مبالين؟. لقد آن لنا أن نتحمّلَ مسئوليتنا، وننبذَ الخوفَ والتردّد، لنقفَ صفاً واحداً مرصوصاً مع إخواننا الثائرين، لإنقاذ الوطن، وإنهاء عهد الاستبداد والفساد، معتصمين بحبل الله جميعاً، متمسّكين بوحدتنا الوطنية، فقد أزِفَتْ ساعةُ الخلاص بإذن الله.. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون، وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون).

28 من شعبان 1432 الموافق 29 تموز 2011

أبو أنس

علي صدر الدين البيانوني