لماذا كانت رحلة الإسراء والمعراج

الشيخ عبدالعزيز رجب

الشيخ عبدالعزيز رجب

بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله،اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد.

فرحلة الإسراء والمعراج من المعجزات الكبرى في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث أنها غيرت مجرى حياته وحياة الأمة الإسلامية  بعد ذلك.

والحديث عن هذه الرحلة المباركة وهذه المعجزة الفريدة لا ينقطع ،لكننا أردنا أن نتكلم عن الحكم والإسرار  السبب في هذه الرحلة المباركة،ونطرح بعض الأسئلة، لماذا أسرى بالنبي-صلى الله عليه وسلم-؟ولماذا كانت هذه الرحلة بالذات إلى هذه الأماكن المباركة دون غيرها؟ ،وهل كان لرحلة الإسراء والمعراج أثرا في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم – وأمته؟

فقد ذكرها الله –عزوجل - في كتابه في أكثر من موضع فى القرآن الكريم ،ففي مطلع سورة الإسراء والتي تسمت بإسم هذه الرحلة، قال تعالى:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }[الإسراء : 1]

وفي مطلع سورة النجم:{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)

 

دورة تدريبية:

كانت رحلة الإسراء والمعراج تهيأت لحياة النبي –صلى الله عليه وسلم-  للمرحلة المقبلة.

فالمرحلة التي سيقابلها النبي –صلى الله عليه وسلم- مرحلة ضخمة وصعبة ،سيكون هناك أمرًا غير الذي تعود عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- ، ستكون هناك دولة ،وسيكون هناك أمم وشعوب غير التي تعرف عليها قبل الإسراء والمعراج ، سيواجه عدة جبهات (الجبهة الوثنية ،والجبهة المجوسية ،والجبهة اليهودية و،والجبهة النصرانية ،وجبهة المنافقين ... ) فالأمر يحتاج إلى دورة تدريبية وإعداد وتهيئة نفسية غير عادية، فكانت رحلة الإسراء والمعراج عبارة عن دورة تدريبية والإعداد للمرحلة المقبلة.

وهذه الدورة التدريبية والتجهيز النفسي حدث للأنبياء السابقين وإن لم يحدث على هيئة كرحلة الإسراء والمعراج.

فقد حدث لموسى عليه السلام ،كما قال تعالى في سورة طه:{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)...}طه

معرفة قدر النبي –صلى الله عليه وسلم-  وبيان فضله:

فقد لاقى النبي –صلى الله عليه وسلم-  من أذى المشركين في مكة والطائف الكثير ،وتعنتهم معه ، فأراه الله آياته الكبرى ،وأراه مكانه عند أهل السماء ،وكشف له حجب الزمان  ، وطوى له حواجز المكان ،بإرادته الماضية ،ومشيئته النافذة.

فجمع له النبيين أجمعين في المسجد الأقصى المبارك ،ويصلى بهم إماما ،ويصعد إلى مكان لم يصل إليه أحد من الخلق ، ويقول له جبريل : وما منا إلا وله مقام معلوم ، فيظهر فضله على أهل السماوات كما ظهر على أهل الأرض.

لاستقبال أمر مهم وهو الصلاة:

ولله المثل الأعلى –  عادة الملوك والرؤساء والدول حينما يكون هناك أمر مهم وجلل ، أن تستدعى سفرائها  ولا تكتفي بأن ترسل إليهم رسالة إنما تستدعيهم  للتشاور في الأمر ، وإبلاغهم بالأمر الجليل.

والله أراد أن يستدعى سفيره بينه وبين خلقه وهو محمد – صلوات ربى وسلامه عليه- ليخبره بالأمر الخطير ،وهو فرض عمود الإسلام عليه وعلى أمته وهى الصلاة ، ،إيذانا بأهميتها في حياة المسلم  والمجتمع المسلم ككل .

ويبلغ النبي –صلى الله عليه وسلم-  بذلك من فوق سبع سماوات ،وهى الفريضة الوحيدة التى فرضت هكذا ،ويظل النبي –صلى الله عليه وسلم- بين موسى عليه السلام وربه –عزوجل –يسأله التخفيف حتى أصبحت خمس صلوات بدل خمسين،فعَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ –رضى الله عنه -  قَالَ : حَدَّثَنَا نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ : " ...فرض عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلاةً ، فَأَقْبَلْتُ بِهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى ، فَأَنْبَأْتُهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَاكَ ، وَإِنِّي بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكِ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى ، فَأَنْبَأْتُهُ بِمَا حَطَّ عَنِّي ، فَقَالَ مِثْلَ مقَالَتِهِ ، فَمَا زِلْتُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى ، يَحُطُّ عَنِّي خَمْسًا خَمْسًا حَتَّى رَجَعْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مقَالَتِهِ ، فَقُلْتُ : لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ ، لَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ نُودِيتُ : إِنِّي قَدْ خَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ، وَأَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي ، وَجَعَلْتُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا " .(البخارى)

الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى:

فالله عزوجل أراد أن يربط بعلاقة وثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى من خلال هذه  الرحلة المباركة ، كما ربط بينهما فى الآية الأول فى سورة الإسراء، قال تعالى:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }[الإسراء : 1]

لتكون هناك علاقة وثيقة بينهما في كل عصر،وهو أمانة في أعناق المسلمين كمكة والمدينة فقد قال عمر بن الخطاب –رضى الله عنه :وما القدس إلا كمكة والمدينة.

فلا بد من المحافظة عليه واسترجاعه ليكون تحت رعاية المسلمين ،ومن يفعل ذلك ويساعد فعل ذلك فهو من الطائفة المنصورة التي على الحق إلى يوم الدين ،فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ –رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه و سلم "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ "قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ ؟ قَالَ : "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ".(أحمد والطبرانى).

هذا ونسأل الله العلى القدير  أن يحرر القدس الأسير وأن يعيده للمسلمين ،وأن يتقبل منا صالح أعمالنا ،وأن يغفر لنا أجمعين.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم