الشكر معناه وأهميته

حسام العيسوي إبراهيم

الشكر معناه وأهميته

حسام العيسوي إبراهيم

[email protected]

العناصر

1-  معنى الشكر

2-  أهمية الشكر في حياة المسلم

3-  النبي صلى الله عليه وسلم شاكراً

4-  وسائل عملية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .

أما بعد .

فحديثنا اليوم عن الشكر وأهميته وكيف نصل إليه ؟

 فالشكر هو من أعلى المنازل ، وهو فوق منزلة الرضا وزيادة ، فالرضا مندرج في الشكر ، إذ يستحيل وجود الشكر بدونه .

والشكر نصف الإيمان ، فالإيمان نصفان : نصف شكر ونصف صبر ، وقد أمر الله به ونهى عن ضده ، وأثنى على أهله ، ووصف به خواص خلقه ، وجعله غاية خلقه وأمره ، ووعد أهله بأحسن الجزاء ، وجعله سبباً في المزيد من فضله ، وحارساً وحافظاً لنعمته ، أخبر أن أهله منتفعون بآياته ، واشتق له اسماً من أسمائه ، فإنه سبحانه هو الشكور ، وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره ، بل يعيد الشاكر مشكوراً ، وهو غاية الرب من عبده ، وأهله هم القليل من عباده . قال تعالى : " واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" [البقرة : 172] ، وقال : " واشكروا لي ولا تكفرون " [البقرة : 152] ، وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام " إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين * شاكراً لأنعمه " [النحل : 120،121] ، وقال عن نوح عليه السلام : " إنه كان عبداً شكوراً " [الإسراء :3] ، وقال تعالى : " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " [النحل : 78] ، وقال تعالى " واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون " [العنكبوت :17] ، وقال تعالى " وسيجزي الله الشاكرين " [آل عمران:144] ، وقال تعالى " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " [إبراهيم :7] ، وقال تعالى : " إن في ذلك لآيات لكل صبارٍ شكور " [لقمان :31] ، وسمى نفسه شاكراً وشكوراً ، وسمى الشاكرين بهاذين الإسمين ، فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه ، وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلاً (1).

دأب كثير من الناس أن يعرّفوا شكر الله تعالى ، بالكلمة المعروفة التي يرددها أحدنا على لسانه في المناسبات : نشكر الله .. نحمد الله ..

فمن اعتاد على أن يكون جوابه عند السؤال عن حاله : الحمد لله ، أو الشكر لله ، أو نشكر الله ، فهو عند كثير من الناس يعدّ شاكراً لله . وهذا يعني أن جُلّ الناس ، إن لم أقل كلهم ، شاكرون لله حامدون له .

غير أن هذا يتعارض مع قول الله تعالى : " وقليلٌ من عبادي الشكور " [سبأ :13] .

إذن الشكر الذي يعنيه بيان الله ويأمر به ، له معنى آخر ، لا ينطبق على هذه الكلمة التقليدية التي ترددها ألسنة الناس حتى الفاسقين منهم ، ربما بدون إدراك لمعناها .

فما معنى الشكر الذي يعنيه بيان الله تعالى ويأمر به ؟

هو أن يصرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه ، لما قد خلق من أجله ، فالشكر إذن ، سلوك وتصرف . وكلمة الشكر لله أو نشكر الله ، تنويه بهذا السلوك وعهد مع الله بتنفيذ مقتضاه . فإما أن يطابق سلوكه القول فذاك ، أو يخالفه ، فهو إذن كاذب .

ولكن ما معنى أن يصرف الإنسان جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق من أجله ؟

معنى ذلك أن يعلم المهمة التي خلقه الله وكلفه بأدائها ، ثم يوظف سائر النعم التي متعه الله بها في تنفيذ تلك المهمة على أحسن وجه . فيصرف نعمة العقل إلى معرفة الله ومعرفة وحدانيته والواجبات التي يجب أن يأخذ نفسه بها ، مستعيناً بالأدلة الكونية الكثيرة من حوله ، ويصرف نعمة البصر إلى النظر فيما يزيد معرفته بحقائق الأمور التي تزيده يقيناً بالله وصفاته وبعبوديته ومملوكيته له ، كذلك نعمة السمع ، ونعمة العافية ، ونعمة المال ، ينبغي أن يوظف هذه النعم كلها ويجندها لتحقيق المهمة التي خلقه الله لأدائها .

إذن لو أن إنساناً سخر المال الذي أكرمه الله به ، أو العافية التي متعه بها أو سخر غيرهما من النعم الكثيرة التي متعه الله بها ، في المحرمات التي حذره الله منها ، فهو كافر بنعم الله غير شاكر له عليها ، مهما كرر بلسانه كلمة الحمد لله ، أو كلمة الشكر لله .وليس المراد بالكفر الذي يقابل الشكر ، في قوله تعالى " لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " [إبراهيم :7] الكفر الذي يناقض الإيمان ، وإنما المراد به الكفر الجزئي المتمثل في كفر النعمة ، أي عدم الاعتراف بفضل الله عليه بها ، ودليل عدم اعترافه ، أنه لم يشكرالله المتفضل عليه ، إذ سخرها لنقيض ما أمر الله به وهو المحرمات والمحظورات التي نهاه عنها(2) .

والناظر في تفسير الآية السابقة يرى أهمية الشكر في حياة المسلم وفي آخرته .

الشكر سبب المزيد

" لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " [إبراهيم :7] أي لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي.

قال الحسن: لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم من طاعتي.

قال ابن عباس: لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم من الثواب، والمعنى متقارب في هذه الأقوال؛ والآية نص في أن الشكر سبب المزيد؛ وسئل بعض الصلحاء عن الشكر لله فقال: ألا تتقوى بنعمه على معاصيه. وحكي عن داود عليه السلام أنه قال: أي رب كيف أشكرك، وشكري لك نعمة مجددة منك علي. قال: يا داود الآن شكرتني.(3)

إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية ، فالخير يشكر لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة ..

هذه واحدة .. والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته ، تراقبه في التصرف بهذه النعمة . بلا بطر ولا استعلاء على الخلق ، وبلا استخدام النعمة في الأذى والشر والدنس والفساد . وهذه وتلك مما يزكي النفس ويدفعها إلى العمل الصالح ، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها ؛ ويرضى الناس عنها وعن صاحبها ، فيكونون له عوناً ؛ ويصلح روابط المجتمع فتنمو فيه الثروات في أمان .(4)

الكفر سبب العذاب الشديد

والكفر بنعمة الله قديكون بعدم شكرها . أو بإنكار أن الله واهبها ، ونسبتها إلى العلم والخبرة والكد الشخصي والسعي ! كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله ! وقد يكون بسوء استخدامها بالبطر والكبر على الناس واستغلالها للشهوات والفساد .. وكله كفر بنعمة الله ..

والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة . عيناً بذهابها . أو سحق آثارها في الشعور . فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ويحسد الخالين ! وقد يكون عذاباً مؤجلاً إلى أجله في الدنيا أو في الآخرة كما يشاء الله . ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء .

ذلك الشكر لا تعود إلى الله عائدته . وهذا الكفر لا يرجع إلى الله أثره . فالله غني بذاته محمود بذاته ، لا بحمد الناس وشكرهم على عطاياه (5).

ونحن واجدون في سيرة مولانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من مظاهر الشكر والحمد لله رب العالمين ما يثير الدهشة .

كان إذا استيقظ من النوم قال :" الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي وعافاني " [أخرجه الترمذي ] ، وإذا انتهى – صلى الله عليه وسلم – من الطعام قال :" الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " [أخرجه مسلم] ، وإذا عاد من الخلاء قال :" الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى فيّ قوته " [رواه السني والطبراني] ، وإذا لبس ثوباً جديداً قال: " الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة" [رواه أحمد والترمذي] ، وإذا عاد من السفر قال : " آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون " [أخرجه البخاري ومسلم] ، وكان من دعائه " رب اجعلني شكاراً لك ذكَّاراً" [أخرجه أبوداود والترمذي] ، وعن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قال :صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتفخت قدماه ، فقيل له: أتتكلف هذا وقد غفر الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " [أخرجه البخاري ومسلم] (6)، وعن معاذ –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – " إني أحبك فقل : اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " [صححه الحاكم ووافقه الذهبي] .(7)

أخي ...اعلم أن من لم يشكر نعم الله عليه عرَّضها للزوال :

شكر نعمة المال :

أخرج زكاة مالك ، فإن لم تجب فيه الزكاة فأخرج منه صدقة ، فإنها مهما صغرت وِقاء لك من النار .." اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة " .

الطالب يخرج من مصروفه ، والفقير يعطي من هو أفقر منه ، والمحتاج يمنح من أعْدمتْه الحاجة ، والغني أولى من أولئك جميعاً بالإنفاق .

شكر نعمة البصر :

أ‌-     اجعل لنفسك ساعة كل أسبوع تتفكر بها في خلق الله ، أو شاهد برنامجاً يعالج هذا الأمر (العلم والإيمان) ، أو اخرج في رحلة خلوية مع أهلك تجعل فيها وقتاً للتدبر (العبادة المهجورة) .

ب‌-اعصر عينيك لتبكي .. اشهد الجنائز لتبكي ..احضر دروس العلم والرقائق لتبكي ..اقرأ القرآن بحزن لتبكي .. تفكَّر في ذنوبك لتبكي .

شكر نعمة اللسان :

أ‌-     لا يزال لسانك رطباً بذكر الله : اشغل لسانك بالذكر في المواصلات ..في الطريق ..في الشارع ..في أوقات الفراغ .. ولا تصرف وقتاً في غير فائدة .

ب‌-الأمر بالمعروف والحث على الخير والدعوة إلى الله من أعظم أعمال اللسان أجراً وبركة .

ج- لا تطلب الربح وأنت تضَيِّع رأس المال : لا تكذب ، لا تغتب ، لا تشتم ، لا تنِمّ ، لا ...

شكر نعمة الولد :

أ‌-     احرص على أن تحفِّظ أولادك كتاب الله عزوجل بنفسك أو عن طريق محفِّظ .

ب‌-اجعل كل أسبوع معهم جلسة تربوية تقرأ معهم فيها كتاب الله - سبحانه وتعالى- وباباً من أبواب السنة (من رياض الصالحين مثلاً) ، واخرج بتوصية عملية تنفذها معهم خلال الأسبوع .

ج- تعهدهم في الصلوات .." علموهم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر " .

واحرص على اصطحابهم إلى المسجد في الصلوات الجامعة ، وبكِّر معهم للجمعة .

شكر نعمة الزوجة :

أ‌-     اتفق معها على أن تحفظا من كتاب الله - سبحانه وتعالى- ورداً كل أسبوع .

ب‌-اسألها عن صلاتها وقرآنها وعلاقتها بربها ، كما تسألها عن أحوال بيتها وأبنائها .

ج- ترفق معها في النصيحة وتدرج في التنفيذ ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه (رفقاً بالقوارير) .

شكر نعمة الوقت

أ‌-                 نظِّم جدولاً لأعمالك خلال الأسبوع وحدِّد أوقات الفراغ استعداداً لملئها.

ب‌-            الواجبات أكثر من الأوقات ، فعاون غيرك على الانتفاع بوقته ، وإن كان لك حاجة فأوْجز في قضائها .(8)

المراجع :

1-              تهذيب مدارج السالكين

ابن القيم

2-              الحكم العطائية شرح وتحليل

محمد سعيد رمضان البوطي

3-              الجامع لأحكام القرآن

القرطبي

4-              في ظلال القرآن الكريم

سيد قطب

5-              المرجع السابق

6-              صحيح الشمائل المحمدية

أنيس بن أحمد بن طاهر جمال

7-              خواطر الفجر

محمد أبو السعود

8-              هبي يا ريح الإيمان

خالد أبو شادي