البنا وبناء الأخلاق

خليل الجبالي

[email protected]

كم أشتاق كثيراً لقراءة ما كتبه الإمام البنا رحمه الله. فعلمه الغزير وبحار أفكاره الواسعة المتنوعة، وتفكيره العميق في الأمور، ولمساته في معالجة الجوانب الشخصية للمسلم، ورؤيته المستقبيلية الثاقبة، وأخلاقه الحميدة تجعلك تتطلع إلي رؤية هذا الإمام، وتوقن أمام نفسك أن أخلاق النبي وسلوكياته من السهل أن تتمثل فيك كما تمثلت في مئات من البشر غير النبي صل الله عليه وسلم ومنهم الإمام البنا رحمه الله.

فكم من الأيام تمر بالدعوة يحتاج العاملون فيها إلي القدوة التي تحركهم نحو علو الهمة ودماسة الأخلاق والسلوكيات الحميدة التي باتت يفقدها المجتمع، فأصبحت شاذة وإن كانت في مجتمعات إسلامية يفرض عليها دينها إن تتخلق بها، فإن الأهواء الدنيوية والأغراض الشخصية أصبحت معياراً لتخلق بعض الناس بها ، والتي لن يكون لها ضابط ولا رابط إلا المنفعة الخاصة، ومن ثم سيأتي بعدها الضرر علي باقي المجتمع لقصر أهدافها وضيق النفع بها لكونها تقتصر علي أفراد بعينهم.

فالصدق والأمانة مثلاً إبحث عنهما فيمن حولك فستقطع مسافات من الأميال  حتي تحصل عليهما وبعد عناء، لما وقد حث عليهما الإسلام في كتاب الله وسنة النبي الهادي؟.

فرسول الله صل الله عليه وسلم قد وضح الهدف من رسالته التي بعثه الله من أجلها فقال: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن باز - المصدر: مجموع فتاوى ابن باز.

إن دعوة الإسلام في النفع والخير لصالح الناس والحرص علي صبغة المجتمع بالصبغة الإسلامية أكد الإمام البنا عليها في مواقف عديدة حتي تعود المجتمعات إلي عهد النبي في الأخلاق والسلوك ويستفيد العالم بأجمعه من هذا الدين العظيم الذي جاء به هادي الأمة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم للناس أجمعين.

إن العملات النادرة هي التي يمر عليها زمن كبير و يصعب تداولها بين الناس ولكن الأخلاق الحسنة والسلوكيات الحميدة لابد أن تكون للناس كالماء والهواء لا غني عنهما في التعامل والتقارب والبيع والشراء. فلماذا أصبحت اليوم كالعملة النادرة في مجتمعات يفرض عليها دينها التعامل بهذه الأخلاق وتلك السلوكيات؟!.

إن المجتمع إذا فقد تطبيق الأخلاق والسلوكيات لن يموت إذا وُجد الداعي  صاحب القدوة الحسنة والنصح الرشيد والرأي السديد في أخذ يد المجتمع بأسره مما هو فيه إلي التطبيق السهل والخطوات البسيطة المحددة المعالم نحو الأخلاق التي حث عليها الإسلام.

يتحدث الإمام البنا إلي الناس في ضبط عواطفهم ولجم نزواتهم  فيقول

[ ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف.. ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحوِّلوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض ، وترقبوا ساعة النصر، وما هي منكم ببعيد،

(والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ) سورة العنكبوت (69) ].

ومما وضعه الإمام البنا في أهدافه للعاملين معه هدفاً واضحاً ومحدداً وهو إرشاد المجتمع الذي يسعي نحو التغيير بالحسنة، مدعماً بالنصح والإرشاد لأفراد هذه الأمة التي هي أحوج ما تكون اليوم إلي من يأخذ بيدها، وينصح شبابها، ويرد الغافلين إلي دينهم رداً جميلاً حتي ننهض من كبوتنا التي نحن فيها اليوم فأصبحنا أمة متأخرة في كل شيئ حتي أصاب التأخرُ أخلاقنا فظهر عدم الصدق وعدم الأمانة وعدم الإنضباط في الأوقاتنا والأعمالنا!!!.

لقد تحدث الإمام البنا عن أفكاره التي يسعي لتحقيقها فقال:

[نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة، فطريقتنا تعني بإصلاح النفوس وتطهير الأرواح وجمع القلوب علي الله العلي الكبير].

ويقول فيما قال:[ إن فكرتنا إجتماعية تعني بأدواء المجتمع الإسلامي وتحاول الوصول إلي طرق علاجها وشفاء الأمة منها] .

ومن أقواله رحمه الله:[ إننا نسعي أن نجمع الناس لتأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، وتواسي المكروب، وتبر بالسائل والمحروم، وتصلح بين المتخاصمين ].

إن فكرته في إنشاء المؤسسات  الإجتماعية أن تحارب الجهل والفقر والمرض والرذيلة في أية صورة من الصور.

إن إضمحلال الأخلاق في بلاد الإسلام أصبحت حجة علي المسلمين اليوم ، بل أصبحت حجة علي الإسلام من قبل الذين يشاهدون بعض المسلمين في إنغماس سوء الأخلاق أو وحل السلوكيات فأصبح الدين عاراً بأخلاقهم يتبرأ منه من يتبرأ ويستحي منه من يستحي.

إن الإمام البنا يختم كلامه في إرشاد المجتمع فيقول : [ وإرشاد المجتمع , بنشر دعوة الخير فيه , ومحاربة الرذائل و المنكرات , و تشجيع الفضائل , والأمر بالمعروف , والمبادرة إلى فعل الخير , وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية , وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائماً واجب كل أخ على حدته].

فلن يتغير المجتمع أيها الناس إلا إذا تغير حالنا، فنحن جزء من الكل، والمسلم ينظر إلي نفسه فيغيرها ويزرع فيها الخير حتي يصبح المجتمع وما فيه بأخلاقه وسلوكياته يطبق الإسلام ولن يكون هذا إلا بنا، وبالتطبيق علي أنفسنا قبل غيرنا.

أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم علي أرضكم.

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) .