اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ

رضوان سلمان حمدان

النداء الثاني

اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ البقرة153

المعاني المفردة

الاستعانة: طلب العون.

الصبر: قال الجَوْهَرِيّ: حَبْسُ النَّفْسِ عن الجَزَعِ، وحَبْسُ اللّسَانِ عن الشَّكْوَى، وحبْسُ الجوارِحِ عن التَّشْوِيشِ .

الصلاة: في اللغة: أصل معناها الدعاء ومنه قولُه تعالى: ﴿وصَلِّ عَلَيْهم﴾، أَي ادْع لَهُم. وقيلَ: الصَّلاةُ في اللغةِ مُشْتركةٌ بينَ الدُّعاءِ والتَّعْظيمِ والرَّحْمة والبَرَكةِ؛ ومنه: (اللهُمَّ صلِّ على آلِ أَبي أَوْفَى)، أَي بارِكْ عَلَيهم أَوِ ارْحَمْهم. فالصَّلاةُ مِن اللَّهِ (الرَّحْمةُ)؛ ومنه: ﴿هو الذي يُصَلِّي عَلَيْكم﴾، أَي يَرْحَمُ. ومِن الملائِكَةِ: (الاسْتِغْفارُ) (والدُّعاءُ)؛ ومنه: صَلَّتْ عليه الملائِكَةُ عَشْراً، أَي اسْتَغْفَرَتْ؛ وقد يكونُ مِن غيرِ الملائِكَةِ؛ ومنه حديثُ سَوْدَةَ: (إذا مُتْنا صَلَّى لنا عُثْمانُ بنُ مَظْعون)، أَي اسْتَغْفَرَ وكانَ قَدْ ماتَ يومئذٍ. والصَّلاةُ (حُسْنُ الثِّناءِ مِن اللَّهِ، عزَّ وجَلَّ، على رَسُولِه صلى الله عليه وسلم؛ ومنه قوْلُه تعالى: ﴿أُولئِكَ عليهم صَلَواتٌ مِن ربِّهم ورَحْمةٌ﴾ .

وشرعاً: عبادة لله تعالى ذات أقول وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم .والمراد بالأقوال  التكبير والقراءة والتسبيح والدعاء ونحوه. والمراد بالأفعال: القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه .

في ظلال النداء[1]

* بعد تقرير القبلة ، وإفراد الأمة المسلمة بشخصيتها المميزة ، التي تتفق مع حقيقة تصورها المميزة كذلك . . كان أول توجيه لهذه الأمة ذات الشخصية الخاصة والكيان الخاص ، هذه الأمة الوسط الشهيدة على الناس . . كان أول توجيه لهذه الأمة هو الاستعانة بالصبر والصلاة على تكاليف هذا الدور العظيم . والاستعداد لبذل التضحيات التي يتطلبها هذا الدور من استشهاد الشهداء ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، والخوف والجوع ، ومكابدة أهوال الجهاد لإقرار منهج الله في الأنفس ، وإقراره في الأرض بين الناس . وربط قلوب هذه الأمة بالله ، وتجردها له ، ورد الأمور كلها إليه . . كل أولئك في مقابل رضى الله ورحمته وهدايته ، وهي وحدها جزاء ضخم للقلب المؤمن ، الذي يدرك قيمة هذا الجزاء . .

﴿يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة . إن الله مع الصابرين. .

يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيراً؛ ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع؛ والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات؛ والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب ، مجندة القوى ، يقظة للمداخل والمخارج . . ولا بد من الصبر في هذا كله . . لا بد من الصبر على الطاعات ، والصبر عن المعاصي ، والصبر على جهاد المشاقين لله ، والصبر على الكيد بشتى صنوفه ، والصبر على بطء النصر ، والصبر على بعد الشقة ، والصبر على انتفاش الباطل ، والصبر على قلة الناصر ، والصبر على طول الطريق الشائك ، والصبر على التواء النفوس ، وضلال القلوب ، وثقلة العناد ، ومضاضة الإعراض . .

وحين يطول الأمد ، ويشق الجهد ، قد يضعف الصبر ، أو ينفد ، إذا لم يكن هناك زاد ومدد . ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر؛ فهي المعين الذي لا ينضب ، والزاد الذي لا ينفد . المعين الذي يجدد الطاقة ، والزاد الذي يزود القلب ، فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع . ثم يضيف إلى الصبر ، الرضى والبشاشة ، والطمأنينة ، والثقة ، واليقين .

إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى ، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة . حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة . حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع ، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة . حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود ، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئاً وقد أوشك المغيب ، ولم ينل شيئاً وشمس العمر تميل للغروب . حينما يجد الشر نافشاً والخير ضاوياً ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق . .

هنا تبدو قيمة الصلاة . . إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية . إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض . إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض.

إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير . إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة ، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود . . ومن هنا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في الشدة قال : « أرحنا بها يا بلال » ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله .

إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة . والعبادة فيه ذات أسرار . ومن أسرارها أنها زاد الطريق . وأنها مدد الروح . وأنها جلاء القلب . وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر . . إن الله سبحانه حينما انتدب محمداً - صلى الله عليه وسلم - للدور الكبير الشاق الثقيل ، قال له :

﴿يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً فكان الإعداد للقول الثقيل ، والتكليف الشاق ، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن . . إنها العبادة التي تفتح القلب ، وتوثق الصلة ، وتيسر الأمر ، وتشرق بالنور ، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان .

ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام . . إلى الصبر وإلى الصلاة . .

ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه : ﴿إن الله مع الصابرين . .

معهم ، يؤيدهم ، ويثبتهم ، ويقويهم ، ويؤنسهم ، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم ، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة ، وقوتهم الضعيفة ، إنما يمدهم حين ينفد زادهم ، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق . . وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب : ﴿يا أيها الذين آمنوا . . ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب : ﴿إن الله مع الصابرين .

والأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها لمناسبته للسياق القرآني هنا في إعداد الجماعة المسلمة لحمل عبئها والقيام بدورها :

عن خباب بن الأرثّ - رضي الله عنه - « قال شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة في ظل الكعبة . فقلنا : ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار ، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه . . والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون » . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : « كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبياً من الأنبياء عليهم السلام ، ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ، وهو يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » وعن يحيى بن وثاب ، عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ».

هداية وتدبر[2]

1- الناظر في القرآن الكريم يجد الحديث عن الصبر ومشتقاته قد جاء في نحو من تسعين آية: تأمر به حيناً، وتثني على أهله حيناً آخر، تعدُهم بالمحبة والمعية، وتزفُّ البشرى بالجنة وبالأجر العظيم الذي يوفَّى لهم بغير حساب.

2. نحن مأمورون بطلب العون من الله تعالى وأن ندعو الله تعالى به ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ..

إذا لم يكن عون من الله للفتى   ***   فأول ما يجني عليه اجتهاده

3- تارك الصلاة على خطر عظيم.

4- الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

5- وهي أُم العبادات: وأفضلُ الطاعات، ولذلك جاءت نصوص الكتاب والسنة بإقامتها والمحافظة عليها والمداومة على تأديتها في أوقاتها.

6- كانت الصلاة آخر وصايا النبي http://www.kalemat.org/gfx/article_salla.gifقبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى.

7- الصلاة أفضل الأعمال.. وهي نهر من الطهارة والمغفرة.. وكفارة للذنوب والخطايا.. وعهد من الله بدخول الجنة في الآخرة.. وأول ما يُحاسب عنه العبد يوم القيامة.. والصلاة نور.. وهي مناجاة بين العبد وربه.. وأمان من النار.. وأمان من الكفر والشرك.

8- والصلاة حفظ وأمان للعبد في الدنيا.

9- كان رسولنا الكريم إذا حزبه أمر صلى.

10- الصبر والصلاة: رادعان عن المعاصي.  فليس شيء من الطاعة الظاهرة أشد من الصلاة على البدن لإنه يجتمع فيها أنواع الطاعات: الخضوع والإقبال والسكون والتسبيح والقراءة فإذا تيسر عليه الصلاة تيسر عليه ما سوى ذلك وليس شيء من الطاعات الباطنة أشد من الصبر

على البدن فأمر الله بالصبر والصلاة لأنه حسن.

11- والصبر أنواع: 1- صبر على ترك المحارم والمآثم. 2- صبر على فعل الطاعات والقربات. 3- وصبر على المصائب والنوائب.

12- فضيلة الصبر: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِحِسَابٍ [الزمر: 10].

13- إن المعية التي أوضحها الله بقوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ فيها أعظم ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب، فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال، وإن كانت كالجبال.

14- ويمكن تحقيق الصبر بمعرف حقيقة الحياة الدنيا الزائلة فهي ليست دار مقام. وتذكر حسن الجزاء عند الله للصابرين. والتأسي بأنبياء الله تعالى ورسله أكرم الخلق على الله، وقد لاقوا من بلاء الدنيا ما لاقوا وصبروا.. والتيقن بالفرج بعد الشدة. والنصر مع الصبر. الاستعانة بالله والتوكل عليه فانه خير معين. التزود الإيمان بالقضاء القدر، والعلم بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وتصغير المصاب وشأنه وتذكُّر أن الهمَّ الأكبر همُّ الآخرة. فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.

               

[1] . في ظلال القرآن.

[2] . جامع البيان/ الإمام الطبري. الطبراني في الأوسط وهو حسن. تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية. تفسير بحر العلوم/ السمرقندي. تفسير فتح القدير/ الشوكاني.