قبل أن نغادر عشر المغفرة

فلتخرج هذه الأنفس أثقالها

زهير سالم*

[email protected]

قال الأصفهاني في مفردات القرآن:

الغَفْرُ: إلباس ما يصونه عن الدنس.

والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب. قال: (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ) ( مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) ( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ )

والاستغفار: طلب ذلك بالمقال والفعال.

وقوله: ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) لم يؤمروا أن يسألوه ذلك باللسان فقط، بل باللسان وبالفعال. فقد قيل الاستغفار باللسان من دون ذلك بالفعال فعلُ الكذابين.

والغافر والغفور في وصف الله نحو ( غَافِرِ الذَّنبِ ) ( إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

وتصح نسبة الغفران إلى العبد (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ)، ومغفرتهم لهم تجافيهم عن ذنوبهم.

* * *

ونحن نودع عشر المغفرة، لنجعل منها محطة نتخفف فيها مما يثقلنا. وأياما نتجدد فيها لنولد بلا خطايا ولا آثام، نتخفف من كل ما يثقل الضمير ويشغل النفس؛ فلا رين ولاغين على قلب طهرته دموع الندم وانسكبت عليه مياه الغفران ..

الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهما. والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، ومن حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه..

قال:

إن عبدا أصاب ذنبا فقال: يا رب أصبت ذنبا فاغفره لي، يقول الله تبارك وتعالى قد علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي..

ثم إن العبد أصاب ذنبا آخر فقال: يا رب قد أصبت ذنبا فاغفره لي..يقول الله تبارك وتعالى قد علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي..

ثم إن العبد قد أصاب ذنبا ثالثا فقال يا رب قد أصبت ذنبا فاغفره لي.. يقول الله تبارك وتعالى: قد علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء...

قال شراح الحديث: أي أنه مازال هذا ديدنه كلما أذنب استغفر فكلما استغفر غُفر له... والله لا يمل حتى تملوا.

ومعاصينا بين سر وإعلان..

ومن أعلن المعصية جهرا فقد بادى الله، فليس عجيبا على الله أن يقمعه على رؤوس الخلائق يوم القيامة.

ومن استتر بمعصيته فممن يستتر؟! وكانوا يقولون لخوفك من تحرك ستر بابك وأنت على الذنب أعظم من الذنب. نخاف مَن وراء الباب ولا نخاف من لا يستره باب ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ )..

ومعاصي الجوارح تسترها الستائر والأبواب ، ومعاصي القلوب والنفوس ليس عليها لغير الله اطلاع..

قال من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه..

وقال لقارئ ومجاهد ومتصدق إنما فعلت ليقال وقد قيل ثم يؤمر به فيقذف في النار..

وقال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، وقال الكبرُ بطرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس.

وقال دب إليكم داءُ الأمم من قبلكم الحسدُ والبغضاءُ، ألا وهي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين..

وقال بينا رجل يجر ثوبه خيلاء إذ خُسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة..

في عشر المغفرة الذي نحن فيه، هل لنا أن نخرج أثقال نفوسنا وقلوبنا وعقولنا وأفكارنا وما كان فيها من الآثام والخطايا ومن الوساوس وهمزات الشياطين؛ فنلقيها جميعا على بساط المغفرة، ننادي تضرعا وخفية: يا رب إنك قد سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك فيسرنا إليك واربط على قلوبنا برباط معرفتك ومحبتك وطاعتك ولزوم حدودك.. اللهم ما فعلناه لك ولوجهك الكريم فتقبله منا بفضلك، وما خالط عملنا من إرادة الأغيار فطهره بعفوك وكرمك وجودك وفضلك ..

لعلنا نفعل في عشر المغفرة، وما لنا لا نفعل، والحمل ثقيل والدرب طويل؟! لنخرج أثقال نفوسنا ونطرحها على باب الكريم:

اللهم قد شابت نواصينا ونحن نزعم أننا على بابك فإن علمت منا صدقا فانفعنا به يوم (يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)، وإن علمت منا غير ذلك فاستره واغفره وتجاوز عنه برحمتك يا أرحم الراحمين:

إن الملوك إذا شـابت عبيدهمُ فـي رقهم أعتقوهم عتق إبـرار

وأنت يا رب أولـى بذا كرما قد شبت في رقك اعتقني من النار

اللهم ما كان بيني وبينك من ذنب فقد وكلته إلى رحمتك وعفوك وغفرانك..

و ما كان بيني وبين أحد من خلقك فقد أنزلته بجنبك، فأنت القيوم علي، والقيم على أمري، أنت حسبي ونعم الوكيل..

اغفر لنا ياغفار..

             

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية