الرحمن الرحيم

الرحمن الرحيم

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

الرحمن اسم من الأسماء التي اختُصَّ بها الله عز وجل كلفظ الجلالة.. {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن}. الرحمن على العرش استوى. وهو لذلك لا يثنى ولا يجمع.

والرحمن مشتق من الرحمة على صيغة المبالغة ومعناه: ذو الرحمة الذي لا نظير له.

وقد ذكر الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول:

(قال الله عز وجل أنا الرحمن.. خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته).

والرحيم بمعنى الرحمن إلا أن الرحيم صفة مطلقة يوصف بها الله والإنسان، أما الرحمن فلا يوصف بها إلا الله. ولكن الجمهور على أن الرحمن، وهو على وزن فعلان، لا تقع إلا على مبالغة الفعل، نحو قولك رجل غضبان للممتلئ غضبا.

قال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، كما قال تعالى:

{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}.

وقال غيره: الرحمن ذو الرحمة بجميع خلقه على اختلاف أجناسهم وأديانهم وألوانهم؛ حيث ينعم عليهم جميعا بالحواس والصحة وسائر النعم العامة. أما الرحيم فخاص بالمؤمنين في هدايتهم واللطف بهم.

الإسلام دين الرحمة:

وليس هناك ما يكشف عن طبيعة الإسلام، وأنه دين السلام والرحمة والرفق أكثر البسملة؛ التي تبدأ بها فاتحة الكتاب، وتبدأ بها كل سورة من سور القرآن؛ حيث لا يصف الله نفسه إلا بالرحمة والإغراق فيها. وليس ذلك إلا تلخيصا لما يتردد بين جوانب السور وآيات القرآن من أن الله هو الغفور ذو الرحمة، وهو التواب الرحيم، وهو أرحم الراحمين، وهو الرؤوف الرحيم، وهو العزيز الرحيم، وهو البر الرحيم، وكتب على نفسه الرحمة.

والقرآن رحمة، ورسول الله قد أرسِل ليكون رحمة:

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وأخَصُّ صفات رسول الله أنه

{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].

فإذا ما تطلع البشر في عصرنا الحديث إلى دين يقوم على الرحمة وسداه ولحمته الرحمة فليس أمامهم سوى الإسلام دينا والله ربا.

وهذه بعض المعلومات رجاء الاستفادة منها

*ورد ذكر { الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  }   مقترنين مع البسملة في القرآن الكريم 119 مرة ومن غير البسملة 5 مرات فقط منها:

{ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } البقرة

*وجاء اسم { الرَّحْمَنُ } منفردا 41 مرة في 40 آية مثل:

{ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً  } الإسراء

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } الفرقان: ٦٠

*وجاء اسم { الرَّحِيمِِ } مقترنا باسم { ٱلْبَرُّ } مرة واحدة:

{ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } الطور:٢٨

*وجاء الرحيم مقترنا بالتواب { ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }  6 مرات وهي:

{ فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } البقرة: ٣٧

*وقد ورد ذكر { ٱلرَّحِيمُ مقترنا بـ { ٱلْغَفُورُ }  8 مرات منها:

{ نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } الحجر: ٤٩

*وقد ورد ذكر { ٱلرَّحِيمُ }  مقترنا بـ { ٱلْعَزِيزُ } 13 مرة، منها 9 مرات في الشعراء ومنها قوله تعالى:

{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } الشعراء: ١٢٢

{ تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } يس: ٥

سر الاقتران بين { ٱلْعَزِيزِ }  و { ٱلرَّحِيمِ }: يقول سيد قطب في الظلال: { ٱلْعَزِيزِ } القوي القادر على إبداع الآيات، وأخذ المكذبين بالعذاب ﭽٱلرَّحِيمِ الذي يكشف عن آياته، فيؤمن بها من يهتدي قلبه؛ ويمهل المكذبين؛ فلا يعذبهم حتى يأتيهم نذير. وفي آيات الكون غنى ووفرة، ولكن رحمته تقتضي أن يبعث بالرسل للتبصير والتنوير، والتبشير والتحذير.

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره:

وكلمة { ٱلْعَزِيزِ } تعني: الذي لا يُغلَب ولا يُقْهر، لكن هذه الصفة لا تكفي في حقَّه تعالى؛ لأنها تفيد المساواة للمقابل، فلا بُدَّ أنْ نزيد عليها أنه سبحانه هو الغالب أيضاً.

ثم يذكر سبحانه بعدها صفة الرحمة، فهو سبحانه مع عزته رحيم، إنه تعالى رحيم حين يَغْلب، ألم يتابع لهم الآيات ويَدْعُهم إلى النظر والتأمل، لعلَّهم يثوبون إلى رُشْدهم فيؤمنوا؟ فلما أصرُّوا على الكفر أمهلهم، ولم يأخذهم بعذاب الاستئصال، كما أخذ الأمم الأخرى حين كذَّبتْ رسلها.

*الملاحظ    أن { ٱلرَّحِيم }   لم ترد منفردة، وأن  { ٱلْغَفُورُ } سبقت { ٱلرَّحِيم } عند اقترانهما إلا في موضع سورة سبأ فكانت { ٱلرَّحِيم  ٱلْغَفُورُ }  بتقدم  { ٱلرَّحِيم }  على { ٱلْغَفُورُ }  - لا أريد أن أجتهد في بيان السبب فأتركها لذوي الاختصاص -.

*أما كلمة { رَحْمَةً }  بالتنكير فقد وردت 34 مرة  منها قوله تعالى:

{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } آل عمران: ٨

*أما { ٱلرَّحْمَةَ }  بالتعريف 6 مرات فمنها قوله تعالى:

{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} الأنعام: ١٢

*ووردت { ٱلرَّحْمَةَ } مضافة 20 مرة مثل:

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } العنكبوت: ٢٣

{ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } الأعراف: ١٥١

{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } الأعراف: ٥٧

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } الملك: ٢٨

 { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } المؤمنون: ٧٥

*ووردت { رَّحِمَ } بصيغة الماضي 4 مرات مثل قوله تعالى:

{  قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } هود: ٤٣

*ووردت { أَرْحَمُ }  بصيغة التفضيل 4 مرات وكلها هكذا { أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }  ومنها:

{ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } الأعراف: ١٥١

*نماذج من الأحاديث الشريفة تتحدث عن الرحمة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت : (جاء أعرابي إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال تقبلون الصبيان فما نقبلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة). رواه البخاري

أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (جعل الله الرحمة في مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه). رواه البخاري

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين). رواه مسلم

عن أبي موسى الأشعري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة). رواه مسلم

عن الأغر أبي مسلم أنه قال أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده). رواه مسلم

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد). رواه مسلم

عن عبد الله بن عمرو بن العاص،: ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون .). صحيح.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح). قال الترمذي: حسن صحيح.