هَوِّن عليك ...

هَوِّن عليك ...

لبنى شرف / الأردن

[email protected]

إلى كل من ابتُلي بالمرض ، أو بالفقر ، أو بفقد ولد أو عزيز ، إلى كل مهموم أو مظلوم ... ، أقول هوِّنوا عليكم ، و زِنوا مُصابكم بميزان الآخرة ، تهن عليكم همومكم ومصائبكم ، واعلموا أن في الابتلاء مِنَح ، من تكفير للذنوب ، ورفع للدرجات ، فاصبروا واحتسبوا ، وارضوا بقضاء الله ، فـ ﴿  إنَّما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ﴾ .. { الزمر:10} . يقــول عليه و آلــــه الصــلاة و السلام : " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه  خطيئة " .. [ حسن صحيح ، الألباني ـ صحيح الترمذي : 2399 ] ، ويقول : " إن الله ـ تبارك وتعالى ـ يبتلي عبده بما أعطاه ، فمن رضي بما قسم الله ـ عز وجل ـ له ، بارك الله له فيه ووسعه ، ومن لم يرض ، لم يبارك له فيه " .. [ صحيح على شرط مسلم ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 1658 ] ، ويقول : " إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة ، فما يبلغها بعمل ، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها " .. [ حسن صحيح ، الألبانــي ـ صحيح الترغيـــب : 3408 ] .

فيا من ابتلي بالمرض ... هون عليك ، فإن النبي يقول : " إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر عنه بذلك ذنبه كله " .. [ الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 5/350 ] ، ويقول : " ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه ، إلا كفر الله به عنه من سيئاته " .. [ حسن صحيح ، الألباني ـ صحيح الترغيب : 3412 ] . فاصبر واحتسب ، ولا تَشْكُ مرضك للناس ، فإنك إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم ، ولكن ليكن قولك : اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان ، وبك المستغاث ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . يقول عليه و آله الصــلاة و السلام : " قال الله تعالى : إذا ابتليت عبدي المؤمن ولم يشكني إلى عـــواده ، أطلقته من أساري ، ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه ، ودماً خيراً من دمه ، ثم يستأنف العمل " .. [ صحيح ، الألباني ـ صحيح الترغيب : 3424 ] .

ويا من ابتلي بالفقر ... هون عليك ، فالنبي الكريم كان ينام على الحصير ، ويقول : " ما لي وللدنيا ؟! و ما للدنيا و ما لي ؟! و الذي نفسي بيده ، ما مثلي ومثل الدنيا ، إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من النهار ، ثم راح وتركها " .. [ صحيح ، الألباني ـ صحيح الجامع : 5669 ] ، وكان عليه السلام لا توقد في بيته النار الشهر والشهران .

عن سعيد بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه : أنه شكا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاجته ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - : " اصبر أبا سعيد ! فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي ، ومن أعلى الجبل إلى أسفله " .. [ رجاله ثقات ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 2828 ] ، وقال : " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة " .. [ صحيح ، الألباني ـ صحيح الترغيب : 1718 ] .

الناس هذا حظه مـال وذا        علم وذاك مكارم الأخلاق

فإذا رُزقتَ خليقة محمودةً         فقد اصطفاك مقسم الأرزاق

وقال العرباض بن سارية : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخرج علينا في الصفة وعلينا الحوتكية فيقول : " لو تعلمون ما ذخر لكم ، ما حزنتم على ما زوي عنكم .." .. [ صحيح ، الألباني ـ صحيح الترغيب : 3208 ] ، وقال : " من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافــى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " .. [ حسن ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 2318 ] ، وقال : " أفلح من هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافاً ، وقنــع به " .. [ صحيح ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 1506 ] . وعن يونس بن عبيد ، أن رجلاً شكا إليه ضيق حاله ، فقال له يونس : (( أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم ؟ قال الرجل : لا ، قال : فبيديك مائة ألف درهم ؟ قال : لا ، قال : فرجليك ؟ قال : لا ، قال : فذكره نعم الله عليه . فقال يونس : أرى عندك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة )) .

فاصبر يا أخي واحتسب ، واحمد الله على نعمة الإسلام ، ونعمة العافية ، واعلم أن رزقك ليس ينقصه التأني ، وليس يزيد في الرزق العناء ، فخذ بالأسباب ، وتوكل على الله ، ثم ارض بما قسم الله لك ، فالنبي الكريم يقول : " لا تستبطئوا الرزق ، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له ، فاتقوا الله ، و أجملوا في الطلب ، أخذ الحلال ، وترك الحرام " .. [ صحيح ، الألباني ـ صحيح الجامع : 7323 ] .

ويا من فقدت ولداً أو عزيزاً ... هون عليك ، وتذكر مصيبتك بالنبي الكريم تهــن عليك مصيبتك ، يقول عليه و آله الصلاة و السلام : " إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليتذكر مصيبته بي ، فإنها أعظم المصائب " .. [ صحيح ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 1106 ] . وتذكر ما لك من الأجر والثواب إن صبرت واحتسبت ، قال عليه و آله الصلاة و السلام : " إذا قبضت من عبدي كريمته ـ و هو بها ضنين ـ لم أرض له ثواباً دون الجنة ، إذا حمدني عليها " .. [ حسن ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 2010 ] ، وقال : " من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة ، فقامت امرأة فقالت : أو اثنان ؟ قال : أو اثنان " .. [ صحيح لغيره ، الألباني ـ صحيح الترغيب : 1992 ] ، وقال : " إذا مات ولد الرجل يقول الله تعلى لملائكته : أقبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم . فيقول : اقبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع . فيقول : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد " .. [ حسن ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 1408 ] .

ثم لا تنس يا لأخي أننا لسنا مخلدين في الدنيا ، وأن الموت حق ، وأن لكل أجل كتاب ، فوطِّن نفسك على هذا تهن عليك مصائبك . قال عليه و آله الصلاة و السلام : " أتاني جبريل ، فقال : يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ..." .. [ حسن ، الألباني ـ صحيح الجامع : 73 ] .

ويا من فقدت عضواً من أعضائك ، أو حاسة من حواسك ..، هون عليك ، واصبر واحتسب ، يعوضك الله خيراً ، فهذا ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال وكله رضاً عندما فقد بصره :

 إن يأخذ الله من عيني نورهــا       ففي لساني وسمعي  منهما نورُ

قلبي ذكي ، وعقلي غير ذي دَخَلٍ      وفي فمي صارم كالسيف مأثورُ

ثم إنك مجزي على عملك ، أما شكلك وصورتك فلا قيمة لهــا عند الله ، قال عليه و آله الصـــــلاة و السلام : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إنما ينظر إلى أعمالكم و قلوبكــم  " .. [ صحيح ، الألباني ـ صحيح ابن ماجه : 3359 ] .

ويا من تجرعت كأس الظلم ، اسمع قول الحبيب المصفى لتهنأ بالاً : " يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أنه ينجو بها ، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة ، فيؤخذ من حسناته ، فيعطي المظلوم حتى لا تبقى له حسنة ، ثم يجيء من قد ظلمه ، ولم يبق من حسناته شيء ، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته " .. [ رجاله ثقات ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 3373 ] . واعلم أن دعوتك ليس بينها وبين الله حجاب ، ولكن اصبر حتى يحكم الله بأمره ، يقول عليه و آله الصلاة و السلام : " اتقوا دعوة المظلوم ، فإنها تحمل على الغمام ، يقول الله ـ جل جلاله - : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " .. [ صحيح ، الألباني ـ صحيح الجامع : 117 ] .

ويا صاحب الهم ، أبشر بفرج قريب ، ولا تيأس من روح الله ﴿ ..إنَّه لا يايـٴسُ من رَوْحِ الله إلا القومُـ الكافرون ﴾ .. { يوسف : 87 } ، وليكن دعاؤك : اللهم اجعل لي من كل هم وغم فرجاً ومخرجاً .. اللهم افتح لي باب الفرج بطولك ، واحبس عني باب الهم بقدرتك ...

يا صاحب الهم إن الهم منفرج         أبشر بخير فإن الفارج الله

اليأس يقطع أحيانا بصاحبـه         لا تيأسن فإن الكافـي الله

الله يحدث بعد العسر ميسـرة        لا تجزعن فإن الصانع الله

 يقول عليه و آله الصلاة و السلام : " النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً " .. [ صحيح ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 2382 ] . فاصبر واحتسب ، فإن لكل شيء قدراً ، وعسى فرج أن يلوح في الأفق ...

عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى       له فرجاً مما ألح به الدهرُ

عسى فرجٌ يأتي به الله إنـــه       له كل يوم في خليقته أمـرُ

إذا لاح عسرٌ فارجُ يسراً فإنه        قضى الله أن العسر يتبعه اليسرُ

فصبراً أهل الابتلاء ، وهونوا عليكم ، فإت النبي عليه و آله الصلاة و السلام يقول : " عجباً للمؤمن ، لا يقضي الله له شيئاً ، إلا كان خيراً له " .. [ صحيح ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 148 ] ، ويقول : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط " .. [ حسن ، الألباني ـ صحيح الترمذي : 2396 ] ، وعن صهيب قال : بينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاعد مع أصحابه ، إذ ضحك ، فقال : ألا تسألوني مم أضحك ؟ قالوا : يا رسول الله ! ومم تضحك ؟ قال : " عجبت لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير ، وإن أصابه ما يكره فصبر ، كان له خير ، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن " .. [ صحيح على شرط مسلم ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 147 ] .

اللهم إنا نسألك إيماناً يباشر قلوبنا حنى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا ، وأرضنا من المعيشة بما قسمت لنا ...اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .