في يوم عاشوراء ..

علاء سعد حسن حميده

في يوم عاشوراء ..

نحن أولى بالأنبياء منهم

علاء سعد حسن حميده

[email protected]

في  يوم عاشوراء يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأل عن سبب صيام اليهود له فأجابوه بأن ذلك يوم ظهر فيه موسى على فرعون ، قال : نحن أولى بموسى منهم فصوموه [1]..

 لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرر حقيقة الإيمان الخالدة ، فنبي الله موسى عليه السلام لم يكن نبي اليهود ، وإنما هو رسول التوحيد ، ورسالة التوحيد هي رسالة الإسلام ، والمسلمون هم ورثة رسالة التوحيد ، وهم ورثة الأنبياء ، وهم أولى الناس بكل الأنبياء والرسل .. نحن أولى بموسى منهم ..

  لذا أجاب صلى الله عليه وسلم عداس يوم ذهب إلى الطائف داعيا أهلها إلى الإسلام فكذبوه وأهانوه ، وجاءه الغلام عداس ، وأخبره أنه من نينوى ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال : ذلك أخي كان نبيا وأنا نبي .. فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه[2]

أنبياء الله جميعا إذن أخوة ، ورسالتهم جميعا واحدة هي رسالة التوحيد الخالص ، وهي رسالة الإسلام .. وفي القرآن الكريم لا تكتمل عقيدة المسلم ولا تصح حتى يؤمن بأنبياء الله جميعا ورسله  { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة 136 ، { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285

نحن أتباع الأنبياء جميعا

- الاقتداء بهم واجب  { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }الأنعام90 ،  { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ } الممتحنة4

- حبهم طاعة ، والتسمي بأسمائهم سنة عن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : تسموا بأسماء الأنبياء[3]

لا تعصب ولا عنصرية في الإسلام

وذلك أن نبي الإسلام لم يرسله الله تعالى لقوم دون قوم ، ولا لجنس دون جنس ، وإنما أرسله تعالى للبشر كافة ، بل أرسله تعالى لعالمي الإنس والجن يقول تعالى  { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107  { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، فرسول الإسلام أرسله الله تعالى لجميع الأجناس ، ولكافة البشر ، وهو القائل : لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى .. فهو وإن كان النبي العربي لم تكن رسالته قاصرة على العرب وحدهم ، ولقد آمن به وصدقه في مطلع بعثته بلال الحبشي ، وصهيب الرومي ، وسلمان الفارسي ، حين كذبه عمه أبي لهب العربي القرشي الهاشمي !..

المسلمون إذن لا يفاضلون بين جنس وجنس ، أو لون ولون ، وإنما كلهم تجمعهم أخوة الإيمان ، في لوحة إيمانية بديعة تجمع كل أطياف الجنس البشري ..

نعترف بهم وينكروننا !!

والعقيدة الإسلامية تعترف بأهل الكتاب ، أي أهل الأديان السماوية جميعا ، ومن تمام إيمان المسلم الإيمان بجميع الأنبياء والرسل والكتب السماوية جميعها فكلها منزلة من عند الله تعالى ، والقرآن الكريم يحتفي بالأنبياء جميعا ، حتى ورد اسم موسى في القرآن الكريم الكتاب الذي أنزل على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ( 131 ) مرة ، وعيسى بن مريم( 25 ) مرة ، بينما ورد اسم محمد نبي الإسلام ( 4 ) مرات فقط ![4]

وديننا يقبل أهل الكتاب ويتعايش معهم ، فطعامهم حلال لنا ، والزواج من نسائهم جائز {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }المائدة5 ، وبرهم من القسط  { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة 8

والعدل معهم مطلب قرآني كريم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8 ..

وديننا يعترف بكتبهم السماوية وينبه إلى تحريفها عن مواضعها { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة75 ، ولكنهم ينكرون ديننا وبعثة نبينا ، فهم ينكروننا بينما نعترف بهم !

ديننا ميراث الأنبياء وجامع القيم الإنسانية الخالدة

فرسالة الإسلام هي تتمة الرسالات السماوية ، وهي الجامعة المتممة لمكارم الأخلاق ، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم :

إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[5]

ويقول صلى الله عليه وسلم موضحا دوره ومكانته بين إخوانه من الأنبياء والرسل :

إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ[6]

ونحن نأخذ من كل نبي أعظم ما اشتهر به من خلق :

صبر أيوب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }ص41، وعفة يوسف { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ }يوسف32 ، ورأفة عيسى { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً }الحديد27 ، وقوة موسى في الحق  { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ }القصص15، وحلم إبراهيم  { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } التوبة114

هذا هو ديننا ، وهذا هو اعترافنا بالآخر وقبولنا له ، وتعايشنا معه ، وهذا يوم عاشوراء يوم احتفائنا بنجاة المؤمنين ولو كانوا من بني إسرائيل ، لم يجرمننا ما فعله بنا أحفادهم بعدما حرفوا وانحرفوا ، فاحتلوا أرضنا ودنسوا مقدساتنا ، واستحلوا دماءنا ، لم يمنعنا ذلك من الاحتفال بنجاة المؤمنين من أجدادهم الأول ، فهل يحتفلون بنجاة نبي الله موسى عليه السلام كما نحتفل نحن المسلمون به ؟!

              

[1]] - صحيح البخاري 14/ 373

[2] - سيرة بن هشام 1/420

[3] - رواه أبو داود 13/115

[4] - وفق برنامج الحاسوب  المصحف الرقمي

[5] - السنن الكبرى للبيهقي 10/192

[6]  - صحيح البخاري - (ج 11 / ص 366)