خلق هلوعا

د. بسام داخل

[email protected]

في البحث عن الآيات الكريمة التي تصف ردود أفعال الإنسان تجاه ما يقابله في الحياة، يقول الله تعالى:

"إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين.."

إن القرآن الكريم يخبرنا أن الإنسان بطبعه يصاب بالهلع تجاه المواقف والأفعال التي تواجهه، فيكون رد فعله سلبيا. فإذا واجهته الصعوبات جزع وخاف، وإذا قابلته النعم تكبر وطغى وامتنع عن المساعدة والبذل وبخل بما لديه.

 فالآية الكريمة ترسم صورة لإنسان يمزقه الهلع، صورة بائسة للإنسان حين يخلو قلبه من الإيمان، فيتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة، ويبيت في قلق دائم.

هذه هي ردود أفعال الناس العاديين يتأثرون بما يواجهون، ولا يكون تصرفهم مسددا. أما حين يعمره الإيمان، فهو في طمأنينة وعافية، و يتصرف بشكل متوازن، لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال. 

ولنعد إلى سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم. ولنمعن النظر في تصرفاته سواء في حالة الرخاء أو حالة الشدة. ففي غزوة حنين في موقف يصفه الله تعالى :"ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت، ثم وليتم مدبرين"، فمن انفعال الإعجاب بالكثرة، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم في هزيمة معنوية، ثم هزيمة حسية ممثلة في تولية الأدبار، والرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات التماسك والسكينة في المواقف كلها،"ثم أنزل الله سكينته على رسوله" فثبت ومعه فئة قليلة من أصحابه، فكان النصر من الله تعالى، ونجد رسول الله في لحظة النصر أيضا متماسكا، فهو في غاية الكرم والبذل، يوزع الأموال بين يديه، لا يفكر في حاجته أو حاجة أهله، وهو من ناحية أخرى نجده  شاكرا لله متبتلا خاشعا، لم يبعده النصر عن الالتجاء إليه. وهكذا كان يتصرف بشكل متوازن دون أن يصاب بالهلع أو القلق.

بينما نجد أن قارون لم ينفعه كونه من قوم موسى، فكانت عاقبته خسارة الدارين وخلد اسمه في القرآن كمثال على الطغيان وعلى منع الخير عن الناس.

فمن الدروس التي نستقيها من الآية الكريمة درس عن كيفية التصرف في المواقف؟ هل نتصرف كما يتصرف أكثر الناس فنمنع ونجزع، والرسول صلى الله عليه وسلم يحذرنا أن نكون إمعة نقلد الناس آليا بدون تفكير، بل يكون تصرفنا وفق ما يمليه العقل والإيمان. إنها دعوة كريمة للتوازن والتماسك في التصرفات مهما كانت المواقف سواء في الظروف الصعبة أو الحالات المفرحة.

وتفصل الآيات في سرد صفات المؤمنين المستثنين من الهلع،  وتختم بقوله تعالى:"والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والذين هم بشهاداتهم قائمون"

ومن الأمثلة التطبيقية في حياتنا العملية أريد أن أقف على مواقف لاحظتها على بعضهم أنه عندما يحتاج إلى مال أو مساعدة، فإنه يجزع ويذهب إلى من حوله، طالبا العون، واعدا بالرد في أقرب فرصة. ولما يأتي الموعد تجده يتعلل ويتلكأ في الدفع، بل قد تجده يمتنع حتى بعد زوال المشكلة وتوفر المطلوب ، فينسى وعده وأيمانه.

ومن الأمثلة المشابهة تأخر كثير من الناس وحتى الدعاة عن الوفاء بالوعد أورد الأمانات إلى أهلها، فنجد التكاسل أو التأجيل بعد زوال الحاجة، فيفرطون في حفظ حقوق الآخرين. وإني أوصي نفسي والآخرين بالسرعة في رد الأمانات إلى أهلها، وعدم تأجيلها. ونحن نسمع كثيرا كلمة : لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وهي قاعدة النجاح في هذه الحياة، وأعتقد أنها تكون أكثر تأكيدا عندما تكون متعلقة بحقوق الآخرين. "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها". فهو أمر قاطع من الله تعالى بذلك. وللأسف أننا نجد كثيرين يفرطون في هذا الحق، فتنشأ الخلافات والنزاعات. حتى قال بعضهم متأثرا من مواقف الآخرين وامتناعهم عن رد كتب استعاروها: " من الحماقة أن تعير كتابا".

والآية الكريمة تدعونا إلى الانتباه إلى أية  ظواهر سلبية تخدش في شخصية المسلم وتميزه، لنكون كما يريد لنا رسولنا الأعظم ص كأننا شامة في الناس ونكون قدوة لمن حولنا.