هذا عيدنا

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

أصوات حبيبة .. بسمات  رقيقة  .. أحضان طاهرة .. مظاهر للإخاء  في كل مكان .. ‏إلقاء للسلام على كل شخص تصادفه هنا بل وهناك  ... توسيع دائرة الإخاء بحيث تشمل كل من في الزمان والمكان .. الضيافة وكرمها في كل ‏مكان ، وكأنها ولائم أعراس .. مظاهر الاحتفال تعج في كل ناحية .. أطفال يلعبون .. وكبار  يضحكون  .. وسبحان رب الزمان والمكان  .. فكل عام و نحن  إلى الله أقرب , وعلى طاعته أدوم  , وعن ناره أبعد  , وإلى جنته أقرب وأقرب .. جاءنا العيد وهو :-

·   جاءنا العيد وهو  : مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمة، ومعان جليلة،وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها .

·   جاءنا العيد وهو  : شكر لله على تمام العبادة ، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب ، ولكنها تتملك في سرائره رضا واطمئنانا ، وتنبلج قي علانيته فرحاً وابتهاجاً ، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة ، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.

·   جاءنا العيد وهو  : التقاء قوة الغني ، وضعف الفقير على محبه ورحمة وعدالة من وحي السماء ، عنوانها الزكاة والإحسان ، والتوسعة.

·   جاءنا العيد وهو  : يتجلى على الغني المترف، فينسى تعلقه بالمال ، وينزل من عليائه متواضعا للحق وللخلق ، ويذكر أن كل من حوله إخوانه وأعوانه ، فيمحو إساءة عام بإحسان يوم.

·   جاءنا العيد وهو  : يتجلى على الفقير فيطرح همومه ، ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامه ، وينسى مكاره العام ومتاعبه .

·   جاءنا العيد وهو  : يمحو ببشاشته آثار الحقد والتبرم من نفسه ، وتنهزم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء .

·   جاءنا العيد وهو  : مخصص لنسيان الهموم ، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة , وطرح الهموم والغموم ..

سدد ديونك في العيد

وهو فرصة لسدد ديونك .. فلقد حثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نتصدق في الأعياد بزكاة الفطر في عيد الفطر و بثلث الأضحية في عيد الأضحى .. وكلاهما صدقات نخرجها ولقد قالوا في الصدقات أنها تدفع البلاء وتكشف الكروب وبها تسدد دينك ومما يحكى في ذلك : عن رجل اسمه (عبد الله) موظف من السعودية يتقاضى راتب  شهري قدره  4000 آلاف ريال ، يعاني من مشاكل مالية وديون ، يقول : كنت أعتقد أني سأعيش على هذا الحال إلى أن أموت وأن حالي لن يتغير .. وأكثر ما أخافه

أن أموت وعلي هذه الديون التي كل فترة تزداد

والمفروض أنها تنقص .. على الرغم أني مرتاح مع زوجتي وتقدر ظروفي إلا أن تلك الديون تنغص عيشنا .. وفي يوم من الأيام ذهبت كالعادة

إلى الاستراحة  -  مكان للجلوس مع الأصدقاء - شباب مثل حالي بل وأسوأ .. وكان في ذلك اليوم أحد الأصدقاء الذين أحترم رأيهم موجوداً ، فشكوت له ما أنا فيه

فنصحني بتخصيص مبلغ من راتبي للصدقة ، فما صدقته , ولما رجعت لبيتي  قلت لزوجتي ما حدث .. قالت: جرب يمكن يفتحها الله علينا ..  قلت إذن سأخصص 300 ريال من الراتب للصدقة .. والله بعد هذا التخصيص لاحظت تغير في حياتي النفسية صارت مرتفعة فقد صرت متفائل مبسوط

رغم الديون  وبعد شهرين نظمت حياتي ، راتبي جزأته ووجدت

فيه بركة ما وجدتها قبل .. حتى أني من قوة التنظيم

عرفت متى ستنتهي ديوني بفضل الله .. والحمد لله أحسست أن ديوني ستزول قريبا .. والله إن الصدقة ما يعرفها إلا اللي جربها.. تصدق واصبر

فسترى الخير والبركة بإذن الله.

تـذكر

·   تذكر في صبيحة العيد ، وأنت تقبل يد والديك ، وتأنس بزوجك ، وإخوانك وأولادك ، وأحبابك ، وأقربائك ، فيجتمع الشمل على الطعام اللذيذ ، والشراب الطيب ، والبسمات الرقيقة  , والفكاهات النظيفة  .. تذكر يتامى لا يجدون في ذلك اليوم حنان الأب ، وأرامل قد فقدن ابتسامة الزوج ، وآباء وأمهات حرموا أولادهم  ..

·   تذكر في صبيحة العيد جموعاً من إخوانك  في كل بقاع الدنيا شردهم الطغيان ، ومزقهم كل ممزق , هدم بيوتهم  , وانتهك حرماتهم ,  وهدم مساجدهم , واغتصب نسائهم , تذكر كل هؤلاء في هذا اليوم السعيد لك الحزين عليهم ..

·   تذكر في صبيحة العيد وأنت تأوي إلى ظلك الظليل ، ومنزلك الواسع ، وفراشك الوثير تذكر إخوانا لك يفترشون الغبراء ، ويلتحفون الخضراء ، ويتضورون في العراء

·   تذكر في صبيحة العيد كل هذا واعلم أن العيد بإشراقه تشرق دموعهم  ، ويكتوون بناره عذابهم ، ويفقدون طعم الراحة والاستقرار  في يومهم .. واستحضر أنك حين تواسى  جراحهم , وتسعى لسد حاجتهم أنك إنما تسد حاجتك ، وتواسى جراحك أنت وتذكر  قوله – صلى الله عليه وسلم -  :-  ( من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه  ) رواه مسلم  ..  وقوله – صلى الله عليه وسلم – ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه )  متفق عليه.

فرصـــة

والعيد أكثر المناسبات العملية لتقوية العلاقات الإنسانية ، وأفضل الأجواء لنشر المحبة والتعاون ‏والامتزاج ، وأفضل المسارح لسماع الحوارات ، أخي الفرصة  قد حانت فاقتنصها بما تستطيع .. سدد الله الخطى ..

أسأل الله أن يكون عيداً لجميع المسلمين في كل بقاع الأرض.