دروس وعبر من ملحمة أحد الخالدة 4

دروس وعبر من ملحمة أحد الخالدة:

الحلقة الرابعة

( بعد المعركة )

د. فوّاز القاسم / سوريا

* وأشرف أبو سفيان على الجبل فنادى:أفيكم محمد ? فقال رسول الله [ ص ] لا تجيبوه . فقال:أفيكم ابن أبي قحافة ? فلم يجيبوه . فقال:أفيكم عمر بن الخطاب ? فلم يجيبوه . ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة . فقال:مخاطبا قومه:أما هؤلاء فقد كفيتموهم . فلم يملك عمر - رضي الله عنه – نفسه أن قال:يا عدو الله . إن الذين ذكرتهم أحياء . وقد أبقى الله لك ما يسوؤك ! فقال:قد كان في القوم مثلة , لم آمر بها ولم تسؤني ! [ يشير بذلك إلى ما صنعته زوجه هند بجثمان حمزة - رضي الله عنه - بعد أن قتله وحشي . حين بقرت بطنه , واستخرجت كبده . فلاكتها ثم لفظتها

ثم قال: أُعل هبل ! فقال رسول الله [ ص ] ألا تجيبونه ? قالوا: بماذا نجيبه ? قال:قولوا:الله أعلى وأجل . قال:لنا العزى ولا عزى لكم ! قال رسول الله [ ص ] ألا تجيبونه ? قالوا:بماذا نجيبه ? قال:قولوا:الله مولانا ولا مولى لكم . . قال أبو سفيان:يوم بيوم بدر والحرب سجال . فقال عمر - رضي الله عنه -:لا سواء . قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار .

ولما انقضت المعركة انصرف المشركون , فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لسبي الذراري وإحراز الأموال . فشق ذلك عليهم . فقال النبي [ ص ] لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - " أخرج في آثار القوم , فانظر ماذا يصنعون , وماذا يريدون . فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة . وإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة . فوالذي نفسي بيده لو أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأناجزهم فيها " . .

قال علي:فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون . فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل , ووجهوا مكة .

فلما كانوا في بعض الطريق تلاوموا فيما بينهم , وقال بعضهم : لم تصنعوا شيئا , أصبتم شوكتهم وحدهم , ثم تركتموهم وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم . فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم . . فبلغ ذلك رسول الله [ ص ] فنادى في الناس , وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم وقال :" لا يخرج معنا إلا من شهد القتال " . فقال له عبد الله بن أبي : أركب معك . قال :" لا " . فاستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد والخوف ; وقالوا: سمعا وطاعة . وأستأذنه جابر بن عبد الله . وقال: يا رسول الله إني أحب ألا تشهد مشهدا إلا كنت معك , وإنما خلفني أبي على بناته يوم أحد , فأذن لي أسير معك , فأذن له , فسار رسول الله [ ص ] والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد ; وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله [ ص ] فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيخذله , فلحقه بالروحاء , ولم يعلم بإسلامه , فقال:وما وراءك يا معبد ? فقال : محمد وأصحابه قد تحرقوا عليكم , وخرجوا في جمع لم يخرجوا في مثله , وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم . فقال:ما تقول ? فقال:ما أرى أن ترتحل حتى يطلع الجيش وراء هذه الأكمة ! فقال أبو سفيان:والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم . قال:فلا تفعل فإني لك ناصح ! فرجعوا على أعقابهم إلى مكة .

ولقي أبو سفيان بعض المشركين يريدون المدينة ; فقال:هل لك أن تبلغ محمدا رسالة , وأوقر لك راحلتك زبيبا إذا أتيت إلى مكة ? قال:نعم . قال:أبلغ محمدا أنا قد جمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه . فلما بلغهم قوله قالوا:حسبنا الله ونعم الوكيل . ولم يفت ذلك في عضدهم . وأقاموا ثلاثة أيام ينتظرون . ثم عرفوا أن المشركين أبعدوا في طريقهم إلى مكة منصرفين . فعادوا إلى المدينة..