أيُّها القضاةُ انتبهوا..

أيُّها القضاةُ انتبهوا..

الشيخ شاكر السيد

داعية مصري مقيم بأمريكا

أول ما يقع عليه بصرك إذا نظرت إلى منصة القضاء الآية القرآنية الكريمة (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (النساء: 58).

هذا العدل هو الذي به قامت السماوات والأرض، وبه أمر رب العزة (جل وعلا): (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً) (النساء: 135).

وقال (صلى الله عليه وسلم): إذا جلس القاضي في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه ويوفقانه ويرشدانه ما لم يجر، فإذا جار عرجا وتركاه".

إنه حين يعدل القاضي، وحين تكون هيئة المحكمة التي تنظر القضية هيئة عادلة يستقر المجتمع، ولا ييأس الضعيف من الوصول إلى حقه، ولا يطمع المتسلط أو الماكر المخادع في سلب حقوق الناس، ولهذا كانت نزاهة هيئة العدالة والقضاء أهم عند كل العقلاء في أنحاء الدنيا من نزاهة هيئة التشريع أو التنفيذ، وكان حرص أمم الدنيا على توفير كل الضمانات للقضاة، ليحكموا بالحق دون أن يخشوا في الله لومة لائم، ودون أن يضطروا للرضوخ لأي ضغط من ذي قوة أو سلطان أياً كان. وهذا ما جعل الأمم الحرة تنص في دساتيرها على اعتبار القضاء سلطة مستقلة مع سلطتي التشريع والتنفيذ.

هذا هو الضمان الحقيقي لاستمرار الدولة وبقاء الأمة، وكان سلفنا الصالح يقولون: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة".

إنني في ظل المحاولات الآثمة لجر القضاء إلى مستنقع التبعية للاستبداد الغاشم، ليكون عصا السلطة الباطشة في قمع الشعب المصري، بل في قمع بعض القضاة أنفسهم وأساتذتهم من القضاة الكرام الذين أصروا على قول الحق مهما كان مراً في وجه الجورة، أذكر السادة القضاة ورجال النيابة المحترمين – على اختلاف درجاتهم الوظيفية – بتوجيهه وتحذيره سبحانه لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم): (وأن احكمْ بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) (ولا تكن للخائنين خصيماً).

كما أذكرهم بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): "يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط" فإذا كان هذا حال القاضي العادل يوم القيامة فكيف بغيره؟ نسأل الله السلامة..

كما أذكر القضاة بأن التاريخ سيبقى شاهداً عدل على المرحلة التي تمر بها الأمة اليوم، وسوف يسجل لكل قاض موقفه ويضعه في الصفحة التي تليق به بين صفوف العظماء أو في قوائم المجرمين، والأمل يحدونا أن يكتب قضاة مصر الحاليون أسماءهم في صفحات الشرف والفخار، لا في صحائف الخزي والعار.

ثم أذكر كل القضاة بأن دوركم الطبيعي الذي أقسمتم عليه هو حراسة العدالة، فأدركوا أنفسكم، وغادروا سفينة الظلم إلى سفينة العدل، قبل أن يضحي بكم الاستبداد الذي لا يعرف ديناً ولا يحسن سوى الغدر والخيانة.

وأخلص الدعوات بالتوفيق والبركة لكل قاض نزيه شريف يراقب الله في كل أحواله، ويتحرى تحقيق العدل في كل أحكامه، ونعوذ بالله العظيم من شر قضاة السوء.