إشراقات باهرة من سورة الأنعام 29

إشراقات باهرة من سورة الأنعام

( الشياطين أعداء المؤمنين )

د. فوّاز القاسم / سوريا

((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)   ))

من هذا النص الباهر نخلص إلى الإشراقات التالية :

1. إنّ الذين يقفون بالعداوة والأذى لكل نبيّ ; ويقفون بالعداوة والأذى لأتباع الأنبياء . . هم " شياطين " بتقرير الله الذي خلقهم ...

شياطين من الإنس ومن الجن . . وهم يؤدون جميعاً وظيفة واحدة !

وإن بعضهم يخدع بعضاً ويضله كذلك مع قيامهم جميعاً بوظيفة التمرد والغواية وعداء أولياء الله . .

2. إنّ هؤلاء الشياطين لا يفعلون شيئاً من هذا كله , ولا يقدرون على شيء من عداء الأنبياء وإيذاء أتباعهم من المؤمنين والمجاهدين بقدرة ذاتية فيهم .

إنما هم في قبضة الله، وهو يبتلي بهم أولياءه لأمر يريده ، من تمحيص هؤلاء الأولياء , وتطهير قلوبهم , وامتحان صبرهم على الحق الذي هم عليه أمناء ، ثم تمكينهم في الدنيا ، ورفع مرتبتهم في الجنّة .

فإذا اجتازوا الامتحان بقوة وصبر وثقة بالله ، كفَّ الله عنهم الابتلاء ، وكف عنهم هؤلاء الأعداء ، وعجز هؤلاء الأعداء أن يمدوا إليهم أيديهم بالأذى وراء ما قدر الله  وفي النهاية يرجع أعداء الله بالضعف والخذلان ; وبأوزارهم كاملة يحملونها على ظهورهم ...

والمشهد الذي يرسمه القرآن الكريم للمعركة بين شياطين الإنس والجن من ناحية , وكل نبي وأتباعه من ناحية أخرى ; ومشيئة الله المهيمنة ، وقدره النافذ من ناحية ثالثة . . هذا المشهد بكل جوانبه جدير بأن نقف أمامه وقفة قصيرة:

إنها معركة تتجمع فيها قوى الشر في هذا الكون . . شياطين الإنس والجن . . تتجمع في تعاون وتناسق لإمضاء خطة مقررة . . هي عداء الحق الممثل في رسالات الأنبياء  وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين  . . ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ). . يمد بعضهم بعضاً بوسائل الحقد والشرّ والأذى والعدوان ; وفي الوقت ذاته يغوي بعضهم بعضاً ! وهي ظاهرة ملحوظة في كل تجمع للشر في حرب الحق وأهله . . إن الشياطين يتعاونون فيما بينهم ; ويعين بعضهم بعضاً على الضلال أيضاً ! إنهم لا يهدون بعضهم البعض إلى الحق أبداً . ولكن يزين بعضهم لبعض عداء الحق وحربه والمضي في المعركة معه طويلاً !

ولكن هذا الكيد كله ليس طليقاً . . إنه محاط بمشيئة الله وقدره . . ولا يقدر الشياطين على شيء منه إلا بالقدر الذي يأذن به الله ، ولحكمة مقدّرة يريدها الله .

ومن هنا فإننا نحب أن نطمئن المؤمنين والمجاهدين بأن هذا الكيد - على ضخامته وتجمع قوى الشر العالمية كلها عليه - مقيداً مغلولاً !

إنه لا ينطلق كما يشاء بلا قيد ولا ضابط .

ولا يصيب من يشاء بلا معقب ولا مراجع . . كلا !

إن إرادتهم مقيدة بمشيئة الله . وقدرتهم محدودة بقدر الله ، وما يضرون أولياء الله بشيء إلا بما أراده الله - في حدود الابتلاء - ومرد الأمر كله إلى الله .

ومشهد التجمع على خطة مقررة من الشياطين جدير بأن يسترعي وعي أصحاب الحق ليعرفوا طبيعة الخطة ووسائلها . .

ومشهد إحاطة مشيئة الله وقدره بخطة الشياطين وتدبيرهم،  جدير كذلك بأن يملأ قلوب أصحاب الحق بالثقة والطمأنينة واليقين , وأن يعلق قلوبهم وأبصارهم بالقدرة القاهرة والقدر النافذ , وبالسلطان الحق الأصيل في هذا الوجود , وأن يطلق وجدانهم من التعلق بما يريده الشياطين !

وأن يمضوا في طريقهم يبنون الحق في واقع الخلق , بعد بنائه في قلوبهم هم وفي حياتهم ، ويجاهدون في سبيل الله لتثبيت هذا الحق في الوجود ، ودفع الشرّ عنه . أما عداوة الشياطين , وكيد الشياطين , فليدعوهما للمشيئة المحيطة والقدر النافذ ( ولو شاء ربك ما فعلوه . فذرهم وما يفترون )..