في رحاب ليلة النصف من شعبان

الشيخ عبد العزيز رجب

الحمد لله الذي ملأ بنور الإيمان قلوب أهل السعادة، فأقبلت على طاعة ربها منقادة، فحققوا حسن المعتقد وحسن العمل، وحسن الرضا وحسن العبادة، أحمده سبحانه وأشكره، وقد أذن لمن شكر بالزيادة، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغ صاحبها المنى وزيادة.

وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، المخصوص بعموم الرسالة، وكمال السيادة، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم السعادة.

أما بعدُ، فعندما يمر علينا شهر شعبان المبارك، نتذكر هذه المناسبة العظيمة، مناسبة ليلة النصف من شعبان، والناس يختلفون حولها، وحول فضلها، ما بين مثبت وما بين نافٍ أن يكون لهذه الليلة فضل؛ لذلك آثرنا في هذه المناسبة أن نوضح بعض الأمور المتعلقة بها، سائلين المولى -عز وجل- أن يتقبله منا، وأن يجعله لوجهه خالصًا، وليس لأحد غيره فيه نصيبًا.

عناصر الموضوع:

سنتناول -بمشيئة الله- من خلال هذا الموضوع النقاط التالية: أسماء هذه الليلة، فضلها، مشروعية الاهتمام بها، وكيف ندرك فضلها

الموضوع:

أولاً: أسماء هذه الليلة:

ذكر العلماء وعلى رأسهم فضيلة الشيخ/حسين مخلوف -رحمه الله تعالى- شيخ الأزهر سابقًا، في كتابه (شذرات في فضائل ليلة النصف) أن لهذه الليلة أسماء متعددة، وكل اسم من هذه الأسماء يحمل معنىً وفضلاً لها، فمن أسمائها: "ليلة الرحمة، ليلة الإجابة، ليلة الغفران، ليلة القسمة، ليلة التقدير والحياة، ليلة البراءة، والليلة المباركة.."، وذكر لكل اسم من هذه الأسماء ما يؤيدها بأثر، أو بمعنىً استلهمه من خلال ما جاء في فضل هذه الليلة [1].

ثانيًا: فضل هذه الليلة:

وأما فضل هذه الليلة فقد جاء أن فيها:

1- مغفرة الذنوب: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ يغفرُ اللهُ لعبادِهِ إلا لمُشركٍ أو مُشَاحِنٍ"، وفي رواية: "أو قاتل نفس"، وفي رواية أخرى: "إلا العاق"[2].

2- يستجيب الله فيها الدعاء: فعن عن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ نادى منادٍ: هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل من سائلٍ فأُعطيَه؟، فلا يسألُ أحدٌ شيئا إلا أُعطي إلا زانيةً بفرجِها أو مُشْرِكا"[3].

وقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان"[4].

ثالثًا: مشروعية الاهتمام بها:

وأما مشروعية الاهتمام بها، فقد أفتى كثير من علماء الأمة على جواز ذلك، ومنهم:

1- شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: "إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أو في جماعة خاصة، كما كان يفعل طوائف من السلف، فهو أحسن، وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة؛ كالاجتماع على مائة ركعة بقراءة ألف: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:1] دائمًا فهذا بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة، والله أعلم[5].

2- ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- يقول: "فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب، وأن يقدم على ذلك التوبة، فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب.

وأنشد:

فقم ليلة النصف الشريف مصليا  * * * فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه

فكم من فتى قد بات في النصف آمنا * * * و قد نسخت فيه صحيفة حتفه

فبادر بفعل الخير قبل انقضائه  * * *وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه[6]

رابعًا: كيف ندرك فضلها؟ ندرك فضلها بـأعمال منها:

1- التفرغ في تلك الليلة للذكر والدعاء: قال ابن حجر -رحمه الله-: "وأما ليلة النصف من شعبان، فلها فضيلة، وإحياؤها بالعبادة مستحب، ولكن على الانفراد؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حتى يمضي ثُلُث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، من ذا الذى يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"[7].

2- البعد عن الشرك؛ سواء كان الشرك الظاهر، أو الخفي: قال تعالى: ﴿إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾ [النساء:48].

3- عدم المشاحنة والعداوة: وليكن شعارنا كشعار جيل الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر:10]، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"[8].

ولنحذر من المشاحنة والعداوة؛ فإن فيها هلاك الأمة؛ قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال:46].

4- التسامح والحب والعفو: فعن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"[9].

5- التوبة إلى الله -عز وجل- توبة نصوحًا: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد:16]

خامسًا: تنبيه على بعض الأخطاء التي تقع في ليلة النصف من شعبان: ونريد أن ننبه على بعض الأخطاء التي تقع في ليلة النصف من شعبان فمن ذلك:

1- دعاء ليلة النصف من شعبان: لم يرد فيه نص صحيح، وفيه مخالفات شرعية وعقدية منها قولهم: "يا ذا المن ولا يمن عليه، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًّا أو محرومًا..".

2- تخصيص نهاره بصيام: إلا إذا كان من باب صيامه من الأيام القمرية، أو وافق يوم الاثنين والخميس، ومن عادته أن يومهما.

3- قراءة سوة بعينها؛ مثل: "يس" أو صلاة ركتين بكيفية معينة بنية طول العمر أو الغنى عن الناس.

4- تفسير بعض الآيات خطأً؛ مثل:قوله تعالى: ﴿إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان:3، 4].يقولون: إنها نزلت في النصف من شعبان، والصحيح أنها نزلت في شأن ليلة القدر.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المراجع:

[1] شذرات في فضائل ليلة النصف؛ لفضيلة الشيخ/ حسين مخلوف -رحمه الله تعالى- شيخ الأزهر سابقًا.

[2] أخرجه؛ البيهقي في شعب الإيمان (3/379، رقم 3824)، وقال: هذا مرسل جيد، البزار (1/157، رقم 80)، قال الهيثمي (8/65): فيه عبدالملك بن عبدالملك ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه، وبقية رجاله ثقات.

[3] أخرجه: البيهقي في شعب الإيمان (3/383، رقم 3836) وقال: هذا مرسل جيد؛ يعني أن العلاء لم يسمع من عائشة، البزار (1/157، رقم 80)، قال الهيثمي (8/65): فيه عبدالملك بن عبدالملك، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه، وبقية رجاله ثقات.

[4] شرح البهجة الوردية؛ لعمر بن الوردي (5/257).

[5] الفتاوى الكبرى؛ لشيخ الإسلام: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني، الناشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة الأولى، 1386، تحقيق: حسنين محمد مخلوف.

[6] لطائف المعارف؛ ابن رجب الحنبلي (1/151).

[7] أخرجه مسلم، (1/522، رقم 758)، والترمذي (2/307، رقم 446)، وقال: حسن صحيح.

[8] أخرجه البخاري (1/14، رقم 13)، ومسلم (1/67، رقم 45).

 [9] أخرجه البخاري (5/2256، رقم 5727)، ومسلم (4/1984، رقم 2560).

وسوم: العدد 668