إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا

أمَرَ اللهُ عزّ وجلّ المؤمنين الصادقين، أن يتبيّنوا الحقيقة ويتحرّوا الحق، ويتثبّتوا من كل خبرٍ هامٍ يصل إلى مسامعهم، لاسيما إذا كانت تترتّب على تصديقه أضرار للناس، أو إن نَقَلَهُ فاجر خارج عن حدود الله، لا يبالي بالكذب على الله وعلى الناس!..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).

فالله عزّ وجلّ يقول للمؤمنين الصادقين الطاهرين: لا تتعجّلوا بالحكم واتخاذ المواقف، حتى تنضجَ لديكم الحقيقة، خشية أن تُلحِقوا الأذى والضرر بغيركم من الناس، من غير أن يستحقّوه، وأنتم تجهلون ذلك الحق نتيجة تسرّعكم، فتندمون على خطئكم، ويصيبكم لذلك الهمّ والغمّ، فتتمنّوا لو أنكم لم تقعوا بذلك الخطأ الظالم الفادح.

لنلاحظ أنّ كلمة (فاسق) و(نبأ).. قد وردتا في الآية الكريمة بهذا الشكل، غير مُعَرَّفَتَيْن، وإنما على شكل تنكير.. وذلك يدل على أنّ الله عزّ وجلّ لم يحدّد فاسقاً معيناً.. ولا نبأً معيّناً.. بل ورد اللفظ ليشمل أي فاسقٍ، وأي نبأٍ، وفي أي زمانٍ ومكان.. فالحكم شامل كامل متكامل، ولكل الناس، والأنباء، والأزمنة، والأمكنة.. إلى يوم القيامة!..

*     *     *

قارنوا بين منهج الإسلام العظيم.. ومناهج الآخرين

فالإسلام شدّد على وجوب التثبّت من أي خبرٍ، وعدم التسرّع في تصديق الأنباء، أو البناء عليها من مواقف.. لاسيما تلك التي تترتب عليها آثار خطيرة، لا يمكن تداركها بعد وقوعها!.. إنها قضية أخلاقية، يرتقي بها الإسلام إلى السموّ الإنسانيّ الذي ينبغي أن يكون.

قارنوا بين منهج الإسلام وتعاليمه وعدله، والمناهج الظالمة الباغية الأخرى.. بين أخلاق المسلمين المؤمنين، وأخلاق غيرهم من أصحاب المناهج الوضعية، وأصحاب الأهواء الفاسدة.. الذين دمّروا العالم ودمّروا العلاقات بين الأمم والبشر، نزولاً عند أهوائهم، وما تمليه عليه مناهجهم، وأخلاقهم الفاسدة الوضيعة.. فأميركة دمّرت العراق وأفغانستان.. بناءً على معلوماتٍ، يعترفون الآن أنها كانت مُزيّفةً خاطئة.. فوقع نتيجة ذلك السلوك الشاذّ الساديّ غير الأخلاقيّ.. وقع مئات الآلاف من الشهداء والجرحى.. والملايين من المشرّدين.. زدمّروا بلدَيْن مسلمَيْن بشكلٍ كامل، وقد دمّروا في العراق مقوّمات الدولة فيه، ونهبوا ثرواته.. وشرّدوا شعبه.. وقهروا أبناءه.. وذلك كله، تحت عنوان: تحقيق الديمقراطية، وتدمير أسلحة التدمير الشامل، غير الموجودة إلا في عقولهم المريضة، وتخليص الشعب من الظلم، الذي مارسوا عوضاً عنه ظلماً أشدّ وأنكى، ما يزال مستمراً منذ أربعة عشر عاماً!.. وما أكثر الأمثلة المشابهة، في سورية ومصر وبعض البلدان العربية والإسلامية، التي تقترف أنظمة الحكم فيها كل أنواع الموبقات، على الظن والشبهات!..

هذه أخلاقهم.. وهذه مناهجهم الوضعية الوضيعة.. وهذه شريعتهم الظالمة الباغية.. بينما تلك مناهجنا.. وشريعتنا.. وأخلاقنا.. وديننا، فأين الثرى من الثريا؟!..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)!.. نعم، هذا هو إسلامنا، وهذه هي أخلاقنا المستمدّة من منهجنا العظيم.. وتلك هي شريعتهم الحمقاء، الباغية الحاقدة الإجرامية السادية.. وقد ارتكبوا كل ما ارتكبوه، وما يزالون، من غير أن يرفّ لهم جفن، أو تؤنّبهم بقايا ضميرٍ إنسانيّ.. فيا ويحهم، كم سيكون سقوطهم، وسقوط مناهجهم وحضارتهم.. مُدوِّياً، مُـجَلجِلاً، بإذن الله جبار السماوات والأرض!..

*     *     *

المطلوب من المسلم المؤمن، أن يرتقيَ في سلوكه، إلى درجةٍ يكون فيها موضع ثقةٍ تامةٍ في نقل الأخبار وتمحيصها.. أما الفاسق، فيجب أن يكونَ موضع شكٍ دائماً، حتى يثبت الخبر الذي ينقله.. لأنه لا يتحرّى الصدق، بل يتعمّد الكذب ولا يتجنّبه!.. ولننظر إلى الأنباء التي تنقلها وكالات الأنباء والفضائيات الغربية والأميركية والروسية واليهودية والصفوية المجوسية، والأذناب من الناطقين بالعربية.. لنكتشف كم هؤلاء أفّاكون مجرمون كذّابون.. يكذبون على رؤوس الأشهاد، دون كللٍ أو مللٍ أو حياء، ليشنّوا أبشع حملةٍ وأقذر حربٍ نفسيةٍ على المسلمين!..

كما المطلوب من المسلم المؤمن، أن يقتديَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان حكيماً عاقلاً واعياً تجاه الأنباء، يتثبّت منها قبل تصديقها أو اتخاذه الموقف منها.. ولا يتأثر بها قبل التحقّق والدراسة الواعية المستفيضة.. ولا يأخذ أحداً بالظنّة، ولا يعاقِب أحداً على التهمة، حتى تثبت بالأدلّة القاطعة!..

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ..) (الحجرات: من الآية 7).

وسوم: العدد 725