ضرورة التفكير في الالتزام بعهد الله والوفاء به بعد انسلاخ رمضان إن العهد كان مسؤولا

كل إنسان يأتي إلى هذه الحياة ،وهولا يأتي إليها إلا بإرادة الله عز وجل نعمة  وفضلا منه سبحانه ،وهي أعظم النعم على الإطلاق ، يكون بالضرورة  ملزما بالوفاء بعهد  قطعه على نفسه لخالقه المنعم عليه بالوجود . ولقد اقتضت إرادة الخالق المنعم جل جلاله أن يكون الوفاء بهذا العهد هو التزام الإنسان بالفطرة التي فطره عليها ، وتلك الفطرة هي الإسلام ، والإسلام  عبادة وطاعة تقوم على أساس الانضباط لأوامر أمر بها الإنسان ونواه  نهي عنها . ولقد  أقام الله عز وجل دينه الذي أمر الإنسان أن يدين به على أركان خمسة كلها عهود يلتزم بالوفاء بها . ومن هذه الأركان ركن الصيام الذي تتجلى فيه طاعة الله عز وجل في أسمى صورها، لأنها طاعة تلفها السرية التامة  بين الصائم وربه ،فلا يعلمها إلا الذي يمارسها وخالقه العالم بسره وما يخفي صدره ، لهذا جاء في الحديث القدسي : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " وقوله تعالى : " فإنه لي "  مما يفيده أنني أنا الذي يعلم بصدقه ، ولا يعلم ذلك غيري، علما بأن العبادات الأخرى لها مظاهر قابلة لمعاينة الغير لها عدا الصيام فإنه تلفه السرية التامة ، ولا يعلم نقضه إذ انتقض كما يعلم نقض غيره بترك كما يحصل في الصلاة ، أو بغياب كما يحصل في الحج، ذلك أن الصائم قد ينقض صومه في خلوة ولا يعلم بذلك إلا علام الغيوب . ولا يوجد عهد يلتزم به الصائم أوثق من عهد الصيام لأنه لا مجال للرياء فيه . وأصدق ما يكون العبد مع ربه وهو صائم ،ويكون حينئذ أوفى بعهده مما يكون عليه  في عبادات أخرى تكون معرضة للرياء بسبب شهوديتها . ومعلوم أن الله عز وجل ألزم العباد بالوفاء بالعهد، فقال في محكم التنزيل : (( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ))  ومما يجب  الوفاء به عهد الصيام ، وهو عهد له ضوابط ،ذلك أن الصائم طيلة شهر الصيام يحرص على أداء فريضة الصيام على الوجه المطلوب دون أن يفسدها خارم من الخوارم  عملا بالتوجيه النبوي : " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وإن قاتله أو سابّه  أحد فليقل إني امرؤ صائم " وهذا الحديث يؤكد أن الصيام خلق من مكارم الأخلاق يجعل الصائم متزنا في سلوكه لا يقابل الجهل عليه بالمثل بل يلتزم خلق الصيام . وهذا السلوك هو التزام بعهد يعاهد الصائم عليه خالقه ، ولا يقتصر الالتزام به على أيام شهر رمضان المعدودات، بل هو التزام على الدوام إذ لا معنى لترك الإنسان الرفث والصخب  والقتال في حال وممارسته لذلك  في حال أخرى، لأن ذلك ليس من الأخلاق في شيء ، والأصل في الأخلاق أنها طبع يكون على الدوام  وفي كل الظروف ، ولا يغيب  في حال ويحضر في أخرى  حسب الظروف . ومما يعاهد الصائم عليه ربه تجنب قول الزور والعمل به مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه " وهذا الحديث يؤكد أن عهد الصيام يبطل إذا لابسه الزور قولا أوفعلا . ولا معنى لترك الصائم قول الزور والعمل به خلال صومه ثم ممارسته بعد  إفطاره . وهذا يؤكد أن عبادة الصيام عهد يشمل الالتزام  بكل ما يفرضه من سلوكات ومعاملات . ومما يعاهد به الصائم ربه حرصا على صحة صيامه وتمامه المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد ، ولا يعقل أن يكون حرصه على هذه الصلوات المكتوبة في غير رمضان أقل من حرصه عليها في  رمضان. فإذا كانت قناعة الصائم أن صومه لا يقبل دون صلاة ، وهي العبادة التي يقاس بصلاحها صلاح كل الأعمال كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يحاسب به العبد من عمله الصلاة ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر ، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك " ف يجب أن يظل على هذه القناعة باقي أيام دهره لأن صلاح الصلاة عهد الله عز وجل الذي أخذه على عباده ، فلا يعقل أن تصلح في رمضان ،ومن وجوه صلاحها  أداؤها في وقتها مع الجماعة  في المساجد ، ولا تصلح أو تفسد بعد انسلاخ رمضان بالسهو عنها وقد قال الله تعالى : (( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)) وواضح أن الآية  لا تعني  غير المصلين بل تعني المصلين الذين يفسدون صلاتهم بالسهو عنها . ومن مفسدات الصلاة تعطيل وظيفتها وهي النهي عن الفواحش والمنكرات لقول الله تعالى : (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له كما جاء في الأثر . ولا يمكن أن يصح صيام دون صحة صلاة ، ولهذا الصائم يعاهد ربه بصحة صيامه وهو بذلك ضمنيا  يعاهده بصحة صلاته . ولا يأمن الإنسان على نفسه من الوقوع في الفواحش والمنكرات  إذا ما عطّل الصلاة أو سها عنها ، لهذا إذا أخل بها بعد انسلاخ شهر الصيام يكون قد نقض عهد تنكب الفواحش والمنكرات . ومن هذه الفواحش والمنكرات عدم غض البصر ، وهو أمر يحرص عليه الصائم صيانة لصومه ، ولا يعقل أن يغض البصر أثناء الصيام ولا يغضه خارج أوقاته ، وذلك نقض صارخ لعهد الصيام . وإذا كان الإنسان أثناء صيامه يحرص على الإكثار من قراءة القرآن الكريم تحسينا لصيامه أو بدافعه، فذلك عهد منه بمعاشرة القرآن على الدوام ، ولا يعقل أن يصاحب الصائم القرآن في رمضان ، ويهجره إذا انسلخ . ومما  يحرص عليه الإنسان أيضا خلال صومه الإكثار من أعمال البر والإحسان والكرم ، فينفق من جهده ووقته وماله بسبب حالة الصوم التي يكون عليها ، وهذا مما يعاهد عليه ربه عز وجل ، ولا يعقل أن يقل أو ينعدم إنفاقه بعد انسلاخ رمضان ، فإن حدث ذلك كان نقضا للعهد . وخلاصة القول أن الصائم يعاهد ربه على الاستقامة سواء تعلق الأمر بالتزام العبادات أم بالتزام المعاملات و معلوم أن بينهما علاقة جدلية  أو علاقة تأثر وتأثير إذ لا تصح إحداهما إلا إذا صحت الأخرى . ومعلوم أن الوفاء بعهد الله يضمن للعباد الفوز بالجنة والضامن لذلك هو الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الشريف : " اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدّوا إذا اؤتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم  ".  فهذه الست فيها الوفاء بالعهد أو الوعد ، والخمس الباقية تدور كلها حول الوفاء بالعهد، فصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وحفظ الفروج ، وغض الأبصار ، وكف الأيدي كلها عهود يلتزم بها العباد أمام خالقهم على الدوام ، ويجددون عهدهم بها خلال صومهم ، وهو جنة أو وقاية  لهم تقيهم الكذب والخيانة والفاحشة والعدوان، وكلها موانع تمنع من الفوز بالجنة ، لهذا يجب على العقلاء الأكياس أن يجعلوا من رمضان فرصة تجديد العهد مع الله ، والمحافظة عليه والوفاء به  بعد انسلاخ شهر الصيام . وإن المطلوب منهم هو الثبات  والمداومة على أخلاق الصيام وأعماله ، فمن لم يفعل كان ناقضا لعهده مع ربه جل في علاه .