مرة أخرى؛ رسالة إلى الرسول

أيها الحبيب؛ تعال.

كن بيننا هُنا في القدس، على أسفلت شوارع تحتضن مسراك من جديد؛ تعال.

تعال في كُل مقدسي يكون بيننا، تعال.

إنني أحاول أن لا أخذلك، أن أكون أكثر قوة ، و أكثر صمود و الحقيقة لم أتوقع أني بهذا الجبن.

 أتهرب منذ أيام من الأخبار التي تتحدث عن أحداث المسجد الأقصى و بواباته. أتهرب من كُل شيء حولي، احاول  ألا أصير سياسية و أن لا أكون محللة. أدعو الله ليلا  وحيدة و كثير من  الأوقات أرتبك و أنسى كيف يكون الدعاء، تتلعثم الحروف في فمي و تُبتلع فلا أعد أملك حرفا أدعيه. أكتفي بخلوة صامتة مع الله أجهل فيها ماذا تحدثه نفسي و تدعوه، لكني ميقنة أنهما متفاهمان لدرجة بعيدة.

الخوف الذي يملئني لا يشبه الخوف من الموت أبدا، و لا الخوف من الفقد العادي الذي إعتدناه.  الجبن الذي يعتريني يا رسولي من تناقد كبير في شخصيتي؛  برود يملئ جسدي و تصرفاتي و لهيب حارق لا يستطيع الخروج من قلبي. وأخاف أكثر في كل مرة ألامس فيها هذا البرود فيمن هم حولي، في كُل المجتمع المقدسي أجمع - تناقض مخيف بين البرود و الإحتراق. مرة نضحك و مرة نبكي و في الحالتين لا نعرف السبب .

أخاف مرة أخرى في كُل مرة نتأخر فيها عن رد الفعل بعد الفعل مباشرة،  أخاف أن نحافظ على عادتنا في التأخر، حتى اللحظة كان هناك فرص لعدم التأخر، لكن ماذا سيحصل إن كانت هذه  الفرصة الاخيرة التي لن نتمكن من إستغلالها بالشكل الصحيح ضاعت منّا؟

البوابات الإلكترونية ما زالت مكانها يا رسولي، لم تتزحزح .

  هل أخبرك ماذا تكون هذه البوابة الإلكترونية و كيف تعمل؟  إنها لعنة التكنولوجيا التي أصابتنا. في كل مرة كنت أقول بأني أكره التكنولوجيا و تقدمنّا فيها، يخرج أحدهم يستهزء مني و يدعي بنأني رجعيّة فأكتفي بضحكة صامتة. ضحكة تتمنى لو أنني رجعية حقا،  ولو أن هذه اللعنة لم تكن يوما، لما كان هناك سلاحا يتمكن من صدر شاب لم يدخل العشرينيات بعد، و لم تكن هناك معدات وأدرع تحمي ذلك الأبله الأخضر الذي يقف عائقا لنا على البوابات فاتحا فاهه دون مبالاة . لو أنني حقا رجعيّة لما كانت هذه الأيام أشد أمانينا و دعوانا أن ندخل المسجد الأقصى دون المرور من بوابة إلكترونية!

يصدح خبر عاجل يصرح بإستشهاد شاب آخر، أقف مرتعبة، أراقب إسمه ، ملامحه و أتسائل من التالي بعده؟ . يُكتب هذا الخبر على شاشات إلكترونية للتلفاز و الهواتف النقالة، إنظر كيف تمكنت منّا التكنولوجيا؛ لعنة الله عليها.

خفتُ أكثر عندما قرأت وصيّة الشاب عمر، وأرتعبت عندما أدركت أخطاءه الإملائية البسيطة فيها؛ إرتبعت من قوته و جرأته و تخليه عن الجبن، الذي ما زال متمكنا مني.

 يعلو - اللحظة- آذان العشاء من المسجد الأقصى بالقرب منّا، المسجد الأقصى يا رسولي ليس حزينا، والله لا أسمع أنينه.. وكأنه من يبعث فينا الصمود و القوة. وكأنه فخور بهذه الحرب التي تنفجر على أبوابه خمس مرات في اليوم من أجله، أو أنه يتبع نظريتي في تذوق لذة الوجع. أسمعه أحيانا يهمس؛ صلوا الصلوات الخمس لله، فيّ.  لا تصلوها خمسة لي.

يا نبيّ، لا أريد أن أشتاق إليه و أنا على بعد أمتار منه.    

أصوات الهتافات بعد كُل صلاة تدمعني، يقشعر بدني لها ، أفتخر بأن المقدسيين يد واحدة و أعود أقوى من جديد، ألملمُ نفسي و أدعمها و يهزني من بعدها كلام أم الشهيد و دمعها،  فيعود التناقض فيّ. ألا لعنة الله على التكنولوجيا وبواباتها.

اكتب لك يا رسولي ؛ لأني لا أريد الخوف من جديد، وأنت تعلم أني في كُل مرة أراسلك أتخلص من جبني و خوفي و أقوى فيك، و تعلم أني لا أخاف من عدو ، بل أخاف على حجارة قَدسها الله فيك.

تعال؛ عُد ببراقك من جديد.. عُد للمكان الذي قُدس فيك.

تعال في كُل شاب مقدسي.. أخبرنا كيف نتصرف و كيف نحافظ أكثر على مسراك ولا نتركهم يقيّدوه بالحديد.

#البوابات_لأ . 

#الأقصى-أقصانا. 

وسوم: العدد 730