زاد المؤمن في مواجهة العدو

أعداء الإسلام يحاربونه على الجبهات جميعاً، الثقافية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية. ومجابهة هؤلاء الأعداء تبدأ بتمكين الإيمان في القلب، وتنتهي بتمكين هذا الإيمان. وبين هذا وذاك نلحظ أعتدة كثيرة لا تخفى علاقتها بالإيمان.

فمن تلك الأعتدة الوعي والبصيرة وفهم حقيقة العدو ومعرفة كيده. (يأيّها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً). {سورة الأنفال: 29}. (ومَن يؤمن باللهِ يَهْدِ قلبَه). {سورة التغابن: 11}.

ومنها: الصبر والتقوى (وإن تصبروا وتتقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً). {سورة آل عمران: 120}. (إنّه من يتّقِ ويصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين). {سورة يوسف: 90}.

فالمؤمن يصبر على البلاء والتعذيب، وعلى انتفاش الباطل وتبجّح الطغيان وبطء النصر، وعلى افتراءات العدو ودعاياته الكاذبة... وغني عن البيان أن الصبر لا يعني تحمل البلاء ثم القعود والاستكانة، إنما صبر المؤمن يكون مع بذل الجهد وإعداد العدّة ومقاومة الظلم...

والتقوى تعني الاستقامة على المنهج، بالقيام بكل ما يرضي الله تعالى، وتجنّب كل ما يسخطه، بقدر ما يطيق العبد، وهي التي أمر الله تعالى بها نبيّه والمؤمنين (فاستقم كما أُمرتَ ومن تاب معك ولا تطغَوْا). {سورة هود: 112}. وهي التي لخّص فيها النبي صلى الله عليه وسلم كل ما يُطلب من المؤمن فقال: "قل: آمنت بالله ثم استقم". رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.

ومن لوازم الإيمان والاستقامة أن يتحلّى المؤمن بالأخلاق الحسنة، من صدق وأمانة وعفّة وشجاعة... ويترفّع عن سيّئ الأخلاق كالغدر ونقض العهود والغيبة...

وبالإيمان والتقوى تتحقق مراقبةُ الله تعالى والإخلاصُ له والتعلّقُ برضوانه وجنّته، وامتلاء القلب بحبه والحب فيه، وكُرهِ الكفر والفسوق والعصيان، والزهد بالمنصب والمال ولعاعات التراب التي يتنافس عليها الفارغون... ويكون من ثمرة ذلك التضحيةُ والتجرّدُ والتآخي ووحدة الصف.

بالإيمان يملك المؤمن قوة الحق، وبالتقوى والاستقامة يستجلب نصر ربه، ويُضْعف دعاية العدو، ويكشف زيفهم وكذبهم، وقد يكسب احترامهم إياه، وقد يكسب بعضهم إلى صفّه.

صحيح أن أعداء الإسلام في عهد النبوّة قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كذّاب وساحر وشاعر... لكنّ قوة الحق التي ملأت قلبه، وسُموّ الخلق الذي زان مسلكه، وصبره ومصابرته... كل ذلك عرّى كذب أولئك الأعداء، بل جعل كثيراً منهم ينتقلون من محاربة هذا الدين، إلى الإيمان به، والتضحية في سبيله.

ولنذكر أن كثيراً من قادة الجاهلية آنئذ لم يجرؤوا أن يكذبوا على الإسلام وبني الإسلام. فهذا أبو سفيان، قبل أن يُسلم، يدعوه هرقل ليسأله عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وعن صدقه، وعن دعوته... فلا يملك أبو سفيان إلا أن يقول الصدق في ذلك، بينما نجد ساسة العصر وزعماء الجاهلية الحديثة لا يأنفون أن يفتروا الكذب على الإسلام ودعاته، ويُلصقوا بهم من النقائص ما يعرف هؤلاء الساسة، قبل غيرهم، أنهم بدعايتهم كاذبون.

ولكن... إنما يؤتى المؤمنون اليوم من ضعفهم في العتادين اللذين ذكرنا، في إيمانهم واستقامتهم:

في إيمانهم الذي ضَعُف حتى راحوا يدارونه ويتوارون به، ويقدّمون أنفسهم متجرّدين من هذه الهوية الرفيعة، لعلّ الأعداء يقبلونهم. وينسى هؤلاء المؤمنون تحذير الله عزّ وجل لهم: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملّتهم). {سورة البقرة: 120}. وينسون وصية الله لهم: (ومَنْ أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال: إنني من المسلمين). {سورة فصلت: 33}.

ويؤتَون من ضَعف استقامتهم على المنهج، وتحلّيهم بأخلاق المؤمنين، فلم تعد تغيب عنا أخبار مؤمن يأكل مال أخيه بالباطل أو ينهش عرضه ويكيد له، وقد يستبيح دمه إذا نافسه على مغنم أو منصب، أو خالفه في اجتهاده سياسي... فضلاً عما نكاد نسمعه كل يوم، عمن يُخْلف الوعد أو يخدع أو يكذب...

وحتى لا نحلّق في أجواء المثاليات نُقرّ أن الخطأ والذنب والتقصير... لا يخلو منها أحد من بني آدم، حاشا الأنبياء، ولكن يبقى هناك فرق شاسع بين من يكون شأنه مراقبةَ الله والحرص على تقواه... ثم تنِدُّ منه خطيئة فيستغفر ويتوب... وبين من غلبت عليه الغفلة، وتمادى في الإثم، على نحو ما ذكرنا، وهو يحسب نفسه في بحبوحة من الخير لأنه ما يزال يلتزم ببعض أحكام الإسلام.

إن أسباب القوة المادية من مال ورجال وتخطيط... لا تغني شيئاً في معركة الحق والباطل ما لم يكن القلب قد امتلأ بالإيمان، وفاضت ينابيع التقوى على الجوارح، ووسمت علائم الاستقامة كل خطوة يكدحها المؤمن وهو يمضي إلى خالقه.

هل هذا يفسّر لنا لماذا لا ينتصر المؤمنون اليوم؟

نعم. ونستدرك: أليس فينا رجال مؤمنون صالحون، ونساء مؤمنات صالحات؟ لا شك أنهم موجودون، ولكن يبدو أنه قد كثُر الخَبَث، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم. إذا كثُر الخَبَث". رواه البخاري ومسلم.

إننا بحاجة إلى تقوية الإيمان في قلوبنا، وأن تعتز بهذا الإيمان، وأن يظهر أثره في أعمالنا وأخلاقنا وعلاقاتنا، وعندئذ فلننتظر من الله النصر القريب.

(ولينصُرَنّ الله من ينصره. إنّ الله لقوي عزيز). {سورة الحج: 40}.

(وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم). {سورة النور: 55}.

وسوم: العدد 730