الشيخ الفاضل محمد الحامد رحمه الله

الشيخ الفاضل محمد الحامد رحمه الله تعالى و هو من علماء و فقهاء مدينة حماة , العاملين لله عز وجل خرج في جمع من حجاج بيت الله الحرام ... يروي ما جرى معه فيقول : بعد إتمام مناسك الحج في مكة المكرمة خرجنا إلى المدينة المنورة . وصلنا قبيل أذان العشاء , دخلنا المسجد النبوي , و بعد صلاة العشاء , و الصلاة في الروضة الشريفة , ثمَّ الوقوف أمام مقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ... و السلام عليه و الدعاء , ذهبنا إلى مكان نزلنا لنرتاح و نستعد لصلاة الفجر .

- أخذني النوم ... و استيقظت قبيل الفجر على رؤيا في منامي هَزَّت كياني , فأخذت أُكثر من الصلاة على سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه و سلم .

- في منامي هذا , رأيت رسول الله صلوات الله تعالى عليه و هو يقول لي : يا شيخ محمد حين تصل مدينتك حماة بالسلامة إن شاء الله تعالى , فأتِ أولاً بيت فلان الإسكافي " و ذكر اسمه " و قل له : إن رسول الله يبشرك أنَّ الله تعالى قد قبل حجك و حج زوجتك و قد بنى لكما قصراً في الجنة بجواري ...

- و يقول الشيخ محمد : فجلست أفكر في الرجل الذي ذكر لي اسمه رسول الله صلوات الله تعالى عليه , و تذكرت أنه كان يريد الحج و زوجته , و لكنه تخلف لأمر ما , و راجعت أسماء الحجاج في قافلة مدينة حماة , فلم أجد اسمه , و قضيت يومي و أنا أُكثر من الصلاة على النبي عليه الصلاة و السلام .

- و نمت ليلتي و رأيت نفس الرؤيا " المنام " و سمعت من رسول الله صلوات الله تعالى عليه نفس الكلام , و استيقظت فرحاً برؤية رسول الله عليه الصلاة و السلام , و لكني أفكر بالرجل و كيف قبل الله تعالى حجه و ما رآه أحد من الحمويين في أداء المناسك !!! ما الأمر ؟ فأعود إلى نفسي فاقول : الله أعلم ...

- و في الليلة الثالثة رأيت نفس المنام و سمعت ذات الكلام من رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم .

- ثلاثة ليال متتاليات و الرؤيا واحدة , و الوصية من رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم ذاتها , فكان مني الرغبة في الوصول بأسرع ما يمكنني إلى حماة , لأداء أمر رسول الله و توصيل البشرى منه إلى الرجل و زوجته , و هذا ما كان ...

- فتم إخبار عناصر القافلة بيوم السفر إلى دمشق و أخبر الجميع أهلهم , و خرج أهل حماة في اليوم المحدد لملاقاة و استقبال حجاجهم , كما خرج أهلي و إخواني و طلابي , و لكني تنفيذاً لوصية رسول الله عليه الصلاة و السلام , و حتى يكون أول ما أفعله حين وصولي إلى حماة أن ألتقي بمن أمرني بلقائه " و هو الرجل الذي ذكر لي اسمه في المنام " و أبشره بما قال لي رسول الله صلوات الله تعالى عليه ...

- لذلك ... انفردت عن القافلة و استأجرت سيارة خاصة إلى حماة , وصلت إلى ضواحي المدينة ... و كان الناس بانتظار الحجاج , و رأيت أهلي و إخواني و طلابي بينهم , بانتظار وصولي , و لكني كنت متخفياً ... و الوقت قريب من الفجر ... و لم تتوقف السيارة ... فلم يلحظني أحد .

- و أتيت بيت الرجل الذي أمرني رسول الله صلوات الله تعالى عليه بلقائه , و هو ممن أعرفه و أعرف بيته , فقرعت الباب , و نوديت من داخل البيت : مَنْ ؟ قلت : الشيخ محمد الحامد ... فسمعت من يقول : الشيخ محمد الحامد ... أفي هذا الوقت ؟؟؟ و الناس بانتظاره على مدخل البلد ... سبحان الله " قالها متعجباً " و فُتح الباب , و رحب بي الرجل ... و أدخلني البيت و هو يتعجب ... و لا يصدق نفسه مما يرى ...

- فلما جلست و هو أمامي و قلت له : إن لك معي بشارة من رسول الله عليه الصلاة و السلام و و لكني لن أذكرها حتى تقول لي ما منعك من الحج هذ العام ؟؟؟ و قد كنتَ قد أعددت ما يلزمك ... و هيأت نفسك ... و سجلت اسمك و اسم زوجتك ...

- فأطرق رأسه ينظر في الأرض ... ثم رفعه و نظر إليَّ و هو يتأوَّه ... و قال : يا شيخ محمد حفظك الله ... لقد كنت أجمع على مدى سنوات الليرة فوق الليرة ... حتى اكتمل لي ما يكفي لأداء الحج أنا و زوجتي ... لكن ما منعني يا شيخ محمد , أن امرأتي و قبل اتمام ما يجب علينا من إجراءات بأيام , فتحت باب الدار بعد أذان الفجر لترمي الأقذار في المكان المخصص لها ... فرأت امرأة ملتحفة بغطاء أسود على موضع الأقذار " المزبلة " تجمع قشور البطيخ الأحمر ... ثم وضعته تحت ملحفتها و أسرعت بالسير ... فتتبعتها زوجتي من شق الباب , فإذا هي تدخل البيت الملاصق لبيتنا .

- يا شيخنا و معلمنا الحامد : لقد ذكرت لي زوجتي فقالت : تعجبت من تصرف جارتي و بدافع فضول النساء صعدت سطح الدار لأنظر ماذا تفعل بقشر البطيخ ؟ فقد ظننت أن عندها غنمة أو معزة ... و أسطح بيوتنا يا شيخ محمد كما تعلم تكشف ساحات بيوت الجوار ...

- فقالت لي زوجتي : و كان أن رأيت جارتي و التي توفي زوجها منذ أكثر من سنة قد أخذت تقطع قشور البطيخ قطعاً صغيرة , ثم جاءت بخبز يابس ففتته على القشور المقطعة و خلطتهم بقليل من الماء , و أنا انظر إليها و أكاد أجهش بالبكاء ... تمالكت نفسي فرأيتها قد أيقظت صغارها و أكبرهم في حوالي الثامنة من عمره و أخذت تطعمهم مما صنعته ... و تأكل معهم كأنها تُغريهم ليأكلوا ...

- و قال الرجل يخاطب الشيخ محمد الحامد : يا شيخي الفاضل ... كعادتي كنت قد خرجت مبكراً لصلاة الصبح , و لما عدت , وجدت امرأتي تبكي ... و لها أنين ... ظننتها قد وقعت و هي تتوضأ فكُسِر وُرْكها ... سألتها : ماذا أصابك ؟ فازدادت في البكاء ... فلما ألححت عليها ذكرت ما رأت من أحوال جيراننا . فبكيت مثلها و أكثر ...

- و يقول الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى ... و قد رأيت الرجل و هو ينهي قصته و الدموع تجري على خديه ... فبكيت مثله ... و في قلبي ما هو أهم ... كم نحن مقصرين بحق إخواننا ...

- لكن الرجل قطع تفكيري و تابع يقول : يا شيخ محمد ... فاتفقت أنا و زوجتي أن نعطي المبلغ الذي جمعناه لحجنا إلى جيراننا ... و كنت أدعو الله أن يتقبل منا ... و كان المبلغ في كيس صغير ... فأخذته و حين خروجي لصلاة الصبح و قد قصدت التبكير أكثر من عادتي , قرعت باب جيراننا هؤلاء , و سمعت صوت باب يفتح في الداخل , فرميت بالكيس من فوق باب بيتهم و أسرعت بالإبتعاد ...

تلك هي القصة يا شيخ محمد , و الله لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء , و أقول لك أننا من اليوم الذي ذكرته و حتى اليوم أتقاسم مع جيراني ما يرزقني الله , و بدون أن يشعروا , تقوم بإيصاله زوجتي بأساليب متعددة , أسال الله أن يتقبل منا , و هذا دعائي الدائم .

و يقول الشيخ محمد الحامد : فبشرته بما قال لي رسول الله صلوات الله تعالى عليه أنَّ الله قد قبل حجك و حج زوجتك و بنى لك بيتاً في الجنة بجواره صلى الله تعالى عليه و سلم , فسجد لله تعالى شاكراً , و صلى على رسول الله عليه الصلاة و السلام .

و اليوم { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴿٣٢﴾ } سُورة القَمَر .

و بعد : أقول : اليوم من أراد أن يتأكد أنَّ أمثال ذلك يتكرر في أيامنا و أمام أعيننا , فليقف قريباً من إحدى حاويات القمامة " الزبالة " و لينظر كم من رجل و امرأة يأتون ليجمعوا ما ينفعهم طعاماً أو مادياً من حاويات القمامة ... و كم من صغير أو صغيرة يتجمعون على الحاوية ليبحثوا عن شيء ما ... فهل نشعر بهم ؟ بل و أمثالهم من المحتاجين في البيوت كثير ... و كم من يتيم مقهور و مريض يشكو ... ؟ و اكتفي بقوله تعالى { وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٥٥﴾ } سُورة الذَّارِيَات .

وسوم: العدد 734