وقفات مع سورة التكاثر

تخيل معي شاب يبلغ من العمر 18 عاماً ، يحافظ على الصلاة في المسجد .

سمع صوت الأذان فقام مسرعاً و توضأ فأحسن الوضوء ، ثم نزل مسرعاً ليدرك تكبيرة الإحرام كعادته .

أثناء الطريق إلى المسجد فوجىء بقطعة ذهب على الأرض .

كانت أول مرة يمسك بقطعة ذهبية بيديه ، أخذ ينظر إليها معجباً مندهشاً ، و ظل يفكر يا ترى كم تساوي هذه القطعة؟؟ هل سوف تحقق بعض الأماني التي أحلم بها ؟ 

لو أن لي قطعة أخرى فقط .... قطعة واحدة أخرى ، و سوف أحقق كل ما أتمناه في هذه الدنيا .

و بالفعل إذا ببصره يقع على قطعة أخرى على الأرض تبتعد عن الأولى مسافة قصيرة ولكن .....

ولكن في غير اتجاه المسجد ، تردد ذلك الشاب ، هل يذهب ليدرك الصلاة أم أنه يذهب ليأخذ هذه القطعة الأخرى ...

و بعد تفكير قليل ترك طريق المسجد ، و سار في طريق جمع الذهب .

و كلما سار في هذا الطريق وجد قطعة تلو أخرى ، و ظل يجمع و يجمع و تكبر معه الأحلام و الأماني ....... 

حتى أصبح يريد أن يقول لكل الناس أنا أكثر منكم مالاً .

كل ما بداخله كان يصرخ ارجع...

أدرك الصلاة..... 

و هو يقول في نفسه لحظات و أعود .

«يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَ يَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ المَالِ، وَ طُولُ العُمُرِ» (البخاري [6421]).

قابله أحد الأشخاص ، و سأله هل من مساعدة ؟ 

فقال له : أريد خزنة صغيرة لأضع فيها الذهب .

ثم بعد ذلك أصبح يبحث عن خزنة أكبر و أكبر .

بعد فترة لم تعد أي خزنة تستوعب كم الذهب الذي يجمعه و يريد أن يكاثر به الناس .

فقابله ذلك الشخص الأول ، 

و سأله : ماذا تتمنى ؟ 

فقال له : أتمنى وادياً من ذهب فلم تعد أي خزنة كافية . 

و بالفعل تحققت الأمنية .

استمر ذلك الشاب يجمع ، و يتمنى إلى أن قابله ذلك الشخص مرة ثالثة ، و سأله : ماذا تتمنى بعد حصولك على أكبر واد من الذهب ؟

فأجاب الشاب بدون تردد : أتمنى وادياً آخر فقط ، و لن أبحث عن شيء بعده .

أصبح له واديان ، و ثلاثة و أربعة .. 

«و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» (سنن الترمذي [3898]).

و فجأة قابله شخص آخر هذه المرة ، لم يكن يتوقع رؤيته و لم يفكر أبداً في لقائه .......

إنه ملك الموت .

قابله ملك الموت ، و قد بلغ ذلك الشاب من العمر 60 سنة .

أول ما رآه ذلك الشاب العجوز ، تذكر أنه نزل ليدرك الصلاة ، و قال يآآآه لقد نسيت لقد ذهلت لقد غفلت و فوجئ أنه ظل ملهياً مدة 42 سنة إلى أن مات .

هل من الممكن أن يظل إنساناً غافلاً شارد الذهن ملهيّاً كل هذه المدة ؟ 

هل هذا معقول؟!

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] 

نعم كثير من الناس يعيش في غفلة سنوات متتاليات ، و لأجل هذه السكرة جاءت هذه السورة تهز أولئك الناس هزاً عنيفاً حتى يفيقوا في الدنيا .

كل منا بداخله هذا الطمع ، بداخله حب التكاثر و التباهي أمام الناس و لو بالإنجازات الدينية (ختمات ، كتب ، إنفاق ، .......)

لذلك جاءت هذه السورة بأسلوب شديد لم يتكرر في غيرها من السور .

هذه السورة عبارة عن 8 آيات .

3 آيات متتاليات تهز الناس ، 

و تنادي عليهم تبدأ بكلمة (كلا) {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:3-5].

ثم 3 آيات متتاليات يبدأ كل منها بقسم من الله (لام القسم) {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:6-8].

كل هذا الغضب المتتابع من الزجر ، و القسم جاء بعد هذه الكبيرة التي ارتكبها كثير من بني آدم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2].

كلا ليس الأمر كما تظنون من أنكم خلقتم عبثاً ، بل سوف تعلمون عاقبة ما تفعلون

وسوم: العدد 734