محاولات السلطان

من روائع الشهيد سيد قطب : 

هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً ، محاولة إغرائهم لينحرفوا - ولو قليلاً - عن استقامة الدعوة وصلابتها ، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة ، ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هيناً ، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية ، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق ، وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة ، فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها !

و لكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق ، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير ، وفي إغفال طرف منها ولو ضئيل ، لا يملك أن يقف عندما سلم به أول مرة ، لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء!

و المسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها. فالذي ينزل عن جزء منها مهما صغر ، و الذي يسكت عن طرف منها مهما ضؤل ، لا يمكن أن يكون مؤمنا بدعوته حق الإيمان . فكل جانب من جوانب الدعوة في نظر المؤمن هو حق كالآخر. وليس فيها فاضل ومفضول. وليس فيها ضروري ونافلة. وليس فيها ما يمكن الاستغناء عنه، وهي كل متكامل يفقد خصائصه كلها حين يفقد أحد أجزائه. كالمركب يفقد خواصه كلها إذا فقد أحد عناصره!