الخاطرة ١٨٠ : كرة القدم وصناعة النجوم المزيفة

خواطر من الكون المجاور

يشهد العالم هذه الأيام موسم مباريات بطولة كأس العالم ، ومن يتابع أخبار هذه المباريات وأخبار لاعبيها سيشعر أنه مع خسارة الفريق الأرجنتيني والفريق البرتغالي في مرحلة ال(١٦) وخروجهما من كأس العالم ، قد خسر هذا المونديال الكثير من أهميته ، فمن يتابع ما ينشر في وسائل التواصل الإجتماعي سيجد ان نصف متابعي المونديال كانوا من معجبي اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي ، والنصف الآخر كانوا من معجبي اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو . وكانت معظم الأخبار والبرامج التلفزيونية عندما تتكلم عن أي شيء يخص المونديال كان موضوع ميسي وكريستيانو يشغل قسم كبير من زمن البرنامج . 

في ٣٠ يونيو عندما خسر فريق الأرجنتين أمام فريق فرنسا ٣ - ٤ رأينا أن معجبي اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو فرحوا جدا لأن ليونيل ميسي وفريقه الأرجنتيني قد خرجوا من كأس العالم ، وعندها راح معجبي ليونيل ميسي بدورهم يتمنون أن يخسر الفريق البرتغالي أمام فريق الأورغواي لكي يخرج كريستيانو رونالدو هو الآخر من المونديال . وشاءت الأقدار أن تكون مباراة البرتغال بعد ساعة واحدة من خسارة الأرجنتين . فكان لفريق البرتغال أيضا نفس الحظ فخسر أمام الاورغواي وخرج كريستيانو رونالدو هو الآخر من مونديال كأس العالم . وهكذا هدأت الأمور ولم يعد لهذا المونديال أهمية عالمية مثلما كانت في بداية أيامه .

المنافسة بين ميسي ورونالدو لها سنوات عديدة ، حتى أصبح في كل لقاء صحفي مع مدرب أو لاعب عالمي ان يُسأل هذ السؤال الكلاسيكي ( من هو الأفضل ميسي أم كريستيانو رونالدو ؟) .

وبسبب كون كرة القدم في السنوات الأخيرة قد أصبحت من احب الألعاب الشعبية ، ولها جمهور كبير يتابعها بشغف وتعصب ، وأصبحوا لاعبي كرة القدم نجوما لا تقل شهرتهم عن نجوم السينما والغناء مما جعل من هذه اللعبة الرياضية تلعب دور كبير ليس فقط في التأثير على إقتصاد البلاد ولكن أيضا على مصير الإنسانية بأكمله ، لذلك كنت منذ فترة طويلة افكر أن أكتب عن مجتمع كرة القدم بشكل عام وعن المنافسة بين ميسي وكريستيانو رونالدو بشكل خاص ، ولكن أجلت هذا الموضوع إلى موسم بطولة كأس العالم ، وشاءت الأقدار أنه عندما أتى الوقت المناسب لكتابة هذه المقالة كان ميسي ورونالدو قد خرجا من بطولة كأس العالم ، وربما هكذا أفضل لكي لا تدفع مقالتي أولئك القراء اللذين لا يتابعون المونديال إلى متابعته فقط من أجل رؤية أبطال المقالة ميسي ورونالدو ، فجوهر الموضوع ليس هؤلاء الإثنين ولكن هو محاولة كشف وتوضيح دور مختلف وسائل الإعلام العالمية والعربية عن قصد أو عن جهالة في تشويه الحقائق من أجل صناعة نجوم مزيفة تساهم في تشويه صفات القدوة ليبتعد الشباب والأطفال عن التمسك بالمعاني السامية والأخلاق الحميدة .

في الأيام الاولى لمباريات كأس العالم رأيت مقطع فيديو من برنامج " أصداء العالم" على قناة mbc حيث ظهرت الممثلة سوزان نجم الدين حيث وذكرت رأيها عن المقارنة بين ميسي ورونالدو وقالت ( أنا لم اعد اتابع مشاهدة فريق الأرجنتين لأنني لم اعد احب ميسي لأسباب انسانية ، ولكن بدأت احب كثيرا كريستيانو رونالدو ، أحببت لعبه وإنسانيته وبدأت اتابعه ورأيت كم هو قوي أثناء لعبه ....) من له علم بسيط بما يحدث على صعيد كرة القدم سيتساءل كيف بعد كل متابعتها هذه التي تذكرها لتؤكد عن صحة رأيها في كريستيانو رونالدو لم تعرف بأن كريستيانو رونالدو ليس برازيلي ولكن برتغالي ، ما رأته هذه الفنانة في رونالدا هو عضلات جسمه وصور عشيقاته فقط أما عن وجوده في الملعب وطريقة لعبه فهي ليس لها أي علم ودليل ذلك هو عدم معرفتها إذا كان رونالدو برازيلي أم برتغالي وهذا يعني أن كلامها من أوله إلى آخره هو كذب ونفاق هدفه المساعدة في رفع مكانة رونالدو وبنفس الوقت محاولة تحطيم سمعة ميسي في نفوس الشباب والأطفال. فهي برأيها هذا قد جعلت الكافر مؤمن والمؤمن كافر ، ومن المؤكد انه من خلال القناة ومن خلال وسائل الإتصال الإجتماعي قد رأى هذا الفيديو عشرات أو ربما مئات الآلاف من الأشخاص الذين كثيرون منهم لا يعلمون عن ميسي ورونالدو إلا القليل ، وطبعا سوف يصدقون كلامها ويظنون ان كريستانو هو الإنسان الطيب وميسي هو الإنسان الأناني . وهذا طبعا معارض نهائيا للحقيقة .

للأسف مثلما حدث في قناة mbc يحدث في الكثير من وسائط الإعلام العربية والعالمية حيث تقوم بنشر أخبار قصيرة تساعد في تشويه الحقيقة ، فمن ينظر إلى الأمور من بعيد سيجد أن وسائط الإعلام تحاول عن قصد نشر أخبار كريستيانو رونالدو لتجعله نجم محبوب في نفوس الشباب والأطفال وخاصة الفتيات ، ومن يتابع ما يحدث عالميا سيجد انه هناك نوع من غسيل الدماغ يحدث على الشباب والأطفال لتحويل كريستيانو رونالدو إلى قدوة يسير على منهجه شباب جيل المستقبل . لذلك في هذه المقالة سأحاول ان أذكرصفات هذا اللاعب البرتغالي التي تقول عنه الفنانة سوزان نجم الدين بأنه إنساني بعكس اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي الغير إنساني، ليعلم القراء حقيقة هذا النجم المزيف الذي تستخدمه وسائل الإعلام في تشويه القدوة الصالحة للأطفال والشباب .

في الحقيقة لا يهمني نهائيا من هو الأفضل كلاعب كرة قدم هل هو ميسي ام رونالدو ، فهذا موضوع ثانوي ليس له أي تاثير على المجتمع الروحي للشباب والأطفال ، ولكن رغم ذلك لابد أن أذكر بعض الميزات التي تخص طريقة لعب ومهارة كل واحد منهما ليس للمقارنة كرويا بين الإثنين ولكن لكي نكتشف حقيقة السلوك الروحي لكل منهما . فبلا شك أن كريستيانو رونالدو لاعب كرة قدم على مستوى عالٍ عالمياً، ولكن يبقى مستواه أقل بكثير من ميسي ، فإذا تمعنا جيدا في كل ما حققه الإثنين وقارنا بينهما سنجد أن ميسي يتفوق على رونالدو وبجدارة . فحتى نستوعب الأرقام التي تخص كل واحد منهما لا بد هنا في البداية ان نذكر شيئا هام وهو أن ميسي أصغر من رونالدو بعامين لذلك فعدد مباريات الي لعبها أقل بكثير من عدد مباريات التي لعبها رونالدو . فحتى ٢٤ شباط من عام ٢٠١٨ لعب ميسي ٨٠٠ مبارة سجل فيها ٦٢٥ هدف ، بينما رونالدو لعب ٩٣١ مبارة وسجل ٦٥٤ هدف ، اي ان ميسي في كل ١٠٠ مبارة يسجل ٧٨ هدف، بينما رونالدو في ال١٠٠ مبارة يسجل فقط ٧٠ هدف ، أي ان ميسي يسجل ٨ أهداف أكثر من رونالدو في كل ١٠٠ مباراة.

ولكن رغم ذلك هذه الأرقام لا تعطينا صورة واضحة في المقارنة ، فلا بد لنا أن ننظر إلى أمر آخر هام جدا وهو نوعية لعب كل واحد منهما ، فعندما سُئِل اسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه ، عن المقارنة بين ميسي ورونالد قال بأن رونالدو طريقة لعبه مشابهة لهجوم العقرب حيث يظهر فجأة ويلدغ ، أي ان رونالدو يأخذ الكرة ويركلها برجله او برأسه ويسجل الهدف ، اما رأي بيليه عن ميسي فقال بأن ميسي يأخذ الكرة ويراوغ لاعبي فريق الخصم ويسجل الهدف ، من كلام بيليه نعلم أن الفرق بين ميسي ورونالدو هو أن اعضاء فريق رونالدو يصنعون له الهدف ليسجله هو ، بينما ميسي هو الذي يصنع الهدف ليسجله هو أو يسجله زميله ...لذلك عندما سُئل بيليه من تفضل أن يكون في فريقك ميسي ام رونالدو، فكان جوابه بكل تأكيد يفضل ميسي لأنه صانع أهداف ، بينما رونالدا هو فقط مسجل اهداف .

من يتابع المباريات التي شارك بها ميسي أو رونالدو سيجد أن رأي بيليه يعبر تمام عن حقيقة الإثنين ، فميسي عندما يلعب يتصرف وكأنه دماغ الفريق ، لذلك يتواجد دوما خلف زملائه المهاجمين ليسيطر على مجرى اللعبة وليضع الأمور تسير ضمن خطوات مدروسة لصناعة الأهداف ، بينما رونالدو نجده في المقدمة وخلفه زملائه المهجمين ينتظر منهم ان يمرروا له الكرة ليركلها برجله او رأسه ليسجل الهدف ، ولهذا في الكثير من المرات عندما تأتي إليه الكرة نجد الحكم يصفر ويمنعه من متابعة اللعب بسبب وجوده خلف خط دفاع الخصم ( حالة تسلل) ، أما بالنسبة لميسي فنادرا جدا ما نراه في حالة تسلل لأنه يعتمد أولا على إيجاد خطة في خرق خط دفاع الخصم للوصول إلى المرمى لتسجيل الهدف . لذلك الجماهير تجد متعة كبيرة وهي تشاهد ابداع ميسي في المراوغة وصناعة الأهداف .

للأسف الإحصائيات المستخدمة في كرة القدم لا تذكر شيئا عن حالة صناعة الهدف فهي تذكر التمريرات فقط التي قام بها اللاعب لزملائه والتي نتج عنها تسجيل الهدف ، ولكن صناعة الهدف ليس فقط تمريرة كرة ولكن هي أمر معقد جدا. فإذا أردنا أن نكون منصفين وذهبنا وحسبنا كم هدف صنعه ميسي لفريقه وكم هدف صنعه رونالدو لفريقه ، عندها سنجد أن الأمور تختلف وسنجد ان ميسي يتفوق بكثير على رونالدو . ولهذا السبب نجد ان ٧٠ % من اللاعبين والمدربين العالميين يعتبرون أن ميسي أفضل من رونالدو. حتى أن بعضهم وصل إعجابهم الشديد بمسيي إلى مستوى ان يعبروا عن رأيهم بشكل مبالغ حيث يرون أن ميسي يلعب باسلوب غريب لا يشبه أحدا غيره وكأنه قد أتى من كوكب آخر.

مما شرحناه عن اختلاف نوعية اللعب بين ميسي ورونالدو يفسر لنا طبيعة سلوك كل واحد منهما . فميسي هو لاعب جماعي يشارك زملائه في صناعة وتسجيل الأهداف ليفوز الفريق بأكمله ، أما رونالدو فهو لاعب فردي يهمه أن يسجل هو فقط كل الأهداف لتعشقه الجماهير بغض النظر إذا كان فريقه سيفوز او لا. لذلك إذا ذهبنا إلى مباريات ميسي وتمعنا في ردود فعله عندما يسجل الهدف نجده في الكثير من الأحيان يرفع يده ويشير باصبع الإبهام إلى زميله الذي شاركه في تسجيل الهدف وكأنه يقول للجماهير ( أنظروا هذا هو من ساعدني في تسجيل الهدف) ويركض إليه ليعانقه ويشاركه فرحة تسجيل الهدف، أما رونالدو فبعد تسجيل الهدف يركض إلى الجماهير بعيدا عن كل زملائه لتراه الجماهير وحده فقط ونجده يشير إلى نفسه وكأنه يقول ( انا وحدي سجلت الهدف ). تماما كما يظهر في الصورة .

عندما يسجل ميسي هدف، كعادة لا شعورية يرفع يديه إلى السماء وكأنه يقول ( شكرا إلهي لمساعدتي في تسجيل الهدف ) ، أما رونالدو فنجده بعد تسجيل الهدف يخلع قميصه لتظهر عضلاته ويقف مشدود الأيدي إلى الأسفل وكأنه يقول للجماهير ( أنا الأعظم ).

عادة في المقابلات الصحفية عندما يُسأل ميسي عن مستواه مقارنة ببقية اللاعبين الذين أصبحوا أسطورة في كرة القدم نجده دوما يرفض الدخول في مثل هذه المواضيع ويفضل ان يترك موضوع تقييمه كلاعب لمحللين الرياضيين، فنسمعه يقول بأنه في الملعب يفعل كل ما بوسعه من أجل فوز فريقه وهذا هو هدفه الأول في كل مباراة . أما بالنسبة لكرستيانو رونالدو فهو في كل مقابلة صحفية نجده يعطي رأيه بنفسه ويقول بأنه هو أفضل لاعب كرة قدم في التاريخ ، هذه العبارة (افضل لاعب في التاريخ) حتى الآن لم يقلها أي مختص بكرة القدم عن رونالدو ولكن قالها البعض بالفعل عن ميسي ورغم ذلك نجد ميسي لا يتكلم عن مستواه بأي شكل من الأشكال ويترك أمر تقييمه للآخرين . الجدير بالذكر هنا هو أن كريستيانو رونالدو كما ذكرنا قبل قليل بأنه لاعب ماهر في تسجيل الأهداف وليس في صناعتها ، وهو رغم أنه الآن يقترب شيئا فشيء من موعد إعتزاله بسبب كونه قد وصل إلى عمر ٣٣ عام ومع ذلك نجد أن عدد أهدافه حوالي ٧٠٠ هدف تقريبا . فإذا عدنا إلى تاريخ هدافي كرة القدم سنجد ان مجلة ناشيونال جيوغرافيك قد أختارت اللاعب البرازيلي آرثر فريدنريتش كأعظم هداف في تاريخ كرة القدم فقد سجل في مشوار حياته الكروية(١٣٢٩ هدف) اي أن اللاعب البرازيلي قد سجل ضعف عدد أهداف رونالدو . بمعنى آخر لو أستمر رونالدو يلعب كرة القدم حتى عمر الخمسين - وهذا طبعا مستحيل- ومع ذلك فهو لن يستطيع أن يتفوق على آرثر فريدنريتش . ولكن بالرغم من ذلك فهو يصدق نفسه ويعتبر نفسه أفضل لاعب في التاريخ ، فالمشكلة هنا ليست فقط في غرور رونالدو ولكن المشكلة تكمن في شيء آخر وهو ما يسمى عبادة الذات . فمشكلة رونالدو الحقيقية هي عبادة نفسه. وهي أحد أشكال عبادة الشيطان . وهذه الصفة هي من أسوأ الصفات الروحية التي يمكن أن يكتسبها الإنسان لأنه عندها يدخل في مرحلة الشرك بالله .

في الأسبوع القادم إن شاء الله سنشرح بالتفصيل سلوك كريستيانو رونالدو خارج ملاعب كرة القدم ليظهر على حقيقته لنفهم بشكل واضح دوره في فساد نفوس الأطفال والشباب.

وسوم: العدد 781