الخاطرة ١٨٥ : دعاء العصر الحديث

خواطر من الكون المجاور

بسبب تطور التكنولوجيا الكبير في طرق التواصل وتسهيل البحث عن المعلومات ، نجد مواقع كثيرة في الإنترنت تتكلم عن الأدعية وأنواعها ، و راح الكثير يتفنن في كتابتها ، بعضهم أفلح في التعبير والأسلوب ، ولكن الكثير منهم ذهب وشّوه في أدعيته المعنى الحقيقي للأدعية ، فالكثير من الأدعية الحديثة تعبر بشكل واضح عن شدة جهل مسلمي اليوم بمعنى الإيمان ومعنى العبادة . والشيء المحزن أن بعض علماء مسلمين الذين لهم جمهور واسع يشاركون في نشر مثل هذه الأنواع من الأدعية التي تعارض نهائيا طبيعة الدعاء كما هو في القرآن الكريم والآحاديث الشريفة .

مثلا ذلك الدعاء الذي ذكرته في مقالات سابقة عدة مرات في مواضيع مختلفة ، والذي ظهر في الفترة اﻷخيرة بعد إحتلال فلسطين وتكوين دولة إسرائيل والذي يقول ( اللهم أحصي اليهود عددا، وأهلكهم بددا ،ولا تبقى منهم أحدا ) من صاحب هذا الدعاء لا أعلم. ولكن رأيته في مواقع كثيرة كتبت عن مواضيع تتعلق بالشعب اﻹسرائيلي ، ومن لا يعلم بحقيقة هذا الدعاء سيظن من كثرة تداوله بأنه ربما جزء من حديث شريف أو من آية قرآنية للتعبير عن حقد اﻹسلام على اليهود. ولكن في الحقيقة اﻷمر مناقض تماما لما هو موجود في الأحاديث واﻵيات القرآنية.

لننظر إلى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم . يقول الرسول وهو يقف على باب قرية خيبر اليهودية الذين أساءوا إلى النبي والمسلمين ( اللهم. .....نسألك خير هذه القرية ،وخير أهلها ،وخير ما فيها ،ونعوذ بك من شر هذه القرية ،وشر أهلها ،وشر ما فيها ) . في دعاء الرسول نرى أنه قد فصل بين أعمال الخير واعمال الشر و طلب من الله أن يحمي الخير في اليهودي الصالح وان يهلك الشر في اليهودي السيء. ولم يعمم موضوع الهلاك على جميع سكان هذه القرية اليهودية. تمعنوا جيدا في دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام فهو لا يطلب من الله أن يهلك اليهودي السيء ولكنه يطلب منه أن ينزع الشر منه ليتحول إلى إنسان صالح وهو لا يطلب من الله أن يدمر القرية ولكن أن ينزع منها الشر لتتحول إلى قرية صالحة .....والسؤال هنا : ما علاقة دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام مع ذلك الدعاء الذي يستخدمه اليوم المسلمون ضد اليهود ؟ في هذا الدعاء يطلب المسلم من الله ان يهلك جميع اليهود اﻷطفال والنساء والشيوخ واليهود الطيبين واليهود الفاسقين (أن لا يبقي منهم أحدا ) هكذا فطالما أنه يهودي فيجب عليه الهلاك ،هذا الدعاء لا يمكن أن يكون دعاء إنسان مؤمن ﻷنه دعاء مناقض لدعاء الرسول ومشابه تماما لدعاء فرعون نفسه الذي أراد القضاء على قوم موسى عليه الصلاة والسلام ولكن الله لم يستجب له وأهلكه هو وجنوده.

لذلك اليوم وبسبب ظهور هذا النوع من الدعاء في نفوس المسلمين، نرى أنه قد أصبح عكس ما يتمناه المسلمين ، حيث الشعب الإسرائيلي يعيش كدولة متقدمة ومعظم دول العالم تفتح لهم أبوابها وكأنه مواطن سويدي او بريطاني او فرنسي، بينما نجد ملايين المسلمين مشردين نزحوا من بلادهم بسبب الحروب الطائفية يبحثون عن دولة مهما كانت ديانتها لتأويهم ، ومعظم دول العالم راحت تغلق أبوابها أمامهم وتنظر إليهم وكأنهم وباء يهدد سلامتهم وسعادتهم. كثير من هؤلاء النازحين المسلمين غرقوا في البحر اﻷبيض المتوسط أثناء عبورهم نحو الدول اﻷوربية ، وكثير منهم يعيشون بعيدا عن بلادهم في معسكرات مغلقة وكأنها سجون عائلية يعانون فيها من سوء التغذية وسوء المعيشة.

هناك انواع أخرى من الأدعية الباطلة التي يدعوا بها مسلمي اليوم هي تلك التي إذا تمعنا فيها جيدا سيبدو لنا وكأنها تتدخل لتغيير سنة الله ، وأفضل مثال على ذلك هو ما نسمعه من طالب يقدم فحص البكالوريا حيث نجده يطلب من الله ان يأتي بمجموع علامات تسمح له دخول كلية معينة ، فقبل سنوات كانت مهنة الطب من أرقى المهن ، وكان حلم كل أب وأم أن يروا إبنهم قد نجح بمجموع علامات يؤهله لدخول كلية الطب ، لذلك كان الآباء يدعون لإبنهم أن يوفق ابنهم ليدخل هذه الكلية .... مثل هذا النوع من الدعاء يعتبر نوع من التدخل في المخطط الإلهي ، وبكلام آخر أن هذا الدعاء يجعل طالبه وكأنه يعلم مصلحته أكثر مما يعلمه الله نفسه ، ولكن الحقيقة قد تكون غير ذلك فربما هذه الكلية لا توافق نوعية ذكاء الطالب أو طبيعة حياته ، فبدلا من أن يبدع في هذه المهنة ويصبح طبيبا ناجحا في شفاء المرضى وتخفيف آلامهم يتحول إلى طبيب فاشل عاجز عن القيام بمهمته . فالله عز وجل هو فقط من يعلم أي المهن تصلح له ليستطيع الإبداع فيها ليكون فردا نافعا في المجتمع وهذا هو أرقى أنواع الإيمان. تصوروا مثلا لو أستجاب الله لمثل هذا النوع من الدعاء لكان معظم الناس أطباء، ولحدث إنهيار المجتمع بأكمله ، لأن المجتمع بحاجة لمبدعين في هندسة العمارة ، في هندسة الكهرباء ، في علوم الدين ، في الأدب ، في الفن .... في كل ناحية من نواحي الحياة ليكون المجتمع مجتمع متكامل من جميع النواحي .

معظم الفتيات اليوم عندما تعجب بشاب معين ، تذهب الفتاة وتبدأ بالدعاء ليلا ونهارا وتطلب من الله أن يجعل هذا الشاب زوجا لها . هذا النوع من الدعاء هو أيضا نوع من أنواع التدخل في المخطط الإلهي ، فهذه الفتاة بدعائها هذا فإنها تجعل نفسها وكأنها تملك علم اليقين وتعلم كل شيء عن هذا الشاب ، ولكن علم اليقين لا يملكه إلا الله ، وهو فقط من يعلم أي نوع من الرجال يناسب كل فتاة ليكون لها زوجا وشريكا صالحا يجعل حياتها معه كلها لحظات سعادة وفرحة وهناء .

إذا تمعنا فيما يحدث اليوم من حولنا سنشعر وكأنه هناك لعنة حلت على المجتمعات الإنسانية ، فحتى الدول الغنية إقتصاديا التي يحلم الكثير من المسلمين الهجرة إليها لينعموا بحياة إقتصادية وإجتماعية أفضل ، نجد هذه الدول هي أيضا لديها أحزانها ومشاكلها ، وسبب جميع هذه المشاكل والمآسي التي تعاني منها الإنسانية اليوم هو إما عدم الدعاء لله ، أو الدعاء بشكل خاطئ ، لأن الدعاء كما ‏قال ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف " أفضل العبادة الدعاء" وفي حديث آخر قال " ‏ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء " . ولكن للأسف الكثير من علماء الديانات اليوم لا يعرفون المعنى الحقيقي لمفهوم الدعاء أو العبادة التي تلائم إنسان عصر الحديث ، فتكوين الروحي لانسان اليوم يختلف كثيرا عن تكوين الإنسان الذي عاش قبل ألف عام ، تماما مثل إختلاف تكوين الطفل عن تكوين الإنسان الراشد .

الله عز وجل في القرآن الكريم ومن خلال قصص الأنبياء ذكر أنواع مختلفة من الدعاء لنفهم المعنى الحقيقي للعبادة والمعنى الحقيقي للدعاء . فهو يبدأ بدعاء آدم عليه السلام حيث يقول " رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23 الاعراف .

دعاء نوح عليه الصلاة والسلام " رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) نوح.

ودعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام " رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) ابراهيم .

ودعاء هود عليه الصلاة والسلام " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) هود

دعاء يوسف عليه الصلاة والسلام " رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) يوسف

دعاء شعيب عليه الصلاة والسلام " ....وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)الاعراف

دعاء موسى عليه الصلاة والسلام " قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17) القصص

دعاء سليمان عليه الصلاة والسلام " رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل

دعاء ايوب عليه الصلاة والسلام " أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) الأنبياء

دعاء يونس عليه الصلاة والسلام " لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء.

دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عن يهود خيبر الذي ذكرناه قبل قليل .

إذا تمعنا جيدا في هذا الأدعية النبوية ، سنجد ان جميع الأنبياء يسلمون أمرهم لله عز وجل ليتصرف هو كما يشاء من أجلهم ، كنوع من التعبير عن الضعف الذي يتصف به الجنس البشري ، وهذا هو أهم معلومة يجب أن نعلمها لتكون قاعدة نبني عليها فكرنا الذي سيتحكم بسلوكنا في جميع المجالات ، فنجد أبونا آدم كبداية للإنسانية يقول " رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " فيجب أن نعلم أن الإنسانية طردت من الجنة لتعيد تصحيح نفسها من الخطيئة لتستطيع أن تكون صالحة للعيش ثانية في الجنة ، وأن سنة الله في الحياة هي ذلك المخطط الإلهي الذي وضعه الله لتسير عليه جميع التطورات ، وهذا المخطط لا يعلمه إلا الله وما علينا نحن كبشر إلا أن نطلب من الله أن يزيدنا علما لكي لا نخرج من هذا المخطط الإلهي فنكون من الضالين .

يجب أن نعلم ان الإنسانية تعيش حالة صراع دائم بين روح الخير العالمية وروح السوء العالمية كما تقول الآية " قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ " في هذا الصراع يشارك به كل إنسان ، فكل إنسان له دوره الخاص في هذا الصراع ، فروح السوء تقوم بنشر الخراب والدمار لتجعل الإنسان يستسلم لغرائزه الحيوانية ليتحول إلى كائن بلا مبادئ وبلا عواطف ، والله عز وجل يجعل المؤمنين به يعيشوا هذه النكبات وهذه المصائب كما هو مذكور في الآيات القرآنية " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) " فهؤلاء المؤمنين الذين لن يتخلوا عن إيمانهم بصبرهم ، سيكتسبوا قوة يوما ما ستفيدهم في مساعدة أنفسهم ومساعدة الآخرين بطريقة ما ليصمدوا أمام روح السوء ، فالحياة ليست بسيطة كما يظنها الكثير تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت ، ولكنها أمر معقد جدا فكل ما يمر به الإنسان في حياته من أفراح أو آلام وإنفعلات سيحملها معه للحياة القادمة لتجعله يظهر بتكوين جديد، هذه الصفات الجديدة المكتسبة ستجعله يتصرف عندها بسلوك معين يساعده في التصدي لروح السوء ، وكأن تلك الآلام التي عاشها في حياته السابقة قد أعطته نوع من المناعة لتحدي الظروف القاسية التي ستضعها روح السوء أمامه لتحاول اخراجه من الصراط المستقيم ، وعندها سيكون هو القدوة لبقية الناس ليحتذوا به ويصبروا على تلك الظروف الصعبة التي ستضعها روح سوء أمامهم مرة أخرى . لذلك نجد أن الناس تختلف في نوعية المهارات ونوعية المقدرات فهذا الإختلاف ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، وسببه هو إختلاف الظروف التي مر بها كل إنسان في حياته السابقة ، وهدف هذا الإختلاف هو محاولة تكوين مجتمع متكامل حيث يزداد هذا التكامل مع مرور العصور ، بحيث يحقق لكل مشكلة جماعة من الناس قادرة على البحث في هذه المشكلة وحلها ، وكذلك نرى أن كل شعب يتفوق عل شعب آخر بميزة معينة ، ليحقق هذا النوع من التكامل في الإنسانية ليستطيع كل شعب المساهمة في تطوير في ناحية من النواحي التي يجب تطويرها لتصل الإنسانية في النهاية إلى الشكل الصالح لتستطيع العودة ثانية إلى الجنة ، لذلك تذكر الآية القرآنية سبب وجود شعوب مختلفة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".

سورة البقرة في القرآن الكريم هي رمز لوجود الإنسانية خارج الجنة ، والآية الأخيرة من هذه السورة تذكر الدعاء الذي يصلح لجميع الظروف في الزمان والمكان " ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) " .

الدعاء حتى يكون من أفضل أنواع العبادة وليصبح دعاء مستجاب يجب ان يحقق تعاليم الله والتي ذكرها في قرآنه على لسان أنبيائه ، فعندما يدعو الإنسان لنفسه يجب أن يكون دعاءه فيه تقرب من الله عز وجل وأن يسلم أمره لله في هذا الدعاء ليترك الله أن يختار له الأفضل والأنسب، فهو فقط من عنده علم اليقين وهو فقط يعلم ما هو الأفضل لنا وما هو الأنسب. وكذلك عندما ندعو للآخرين يجب أن يكون دعاءنا بعيدا عن الحقد والإنتقام وأن يحمل مبادئ المحبة والسلام لجميع الناس ، كما هو في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليهود قرية خيبر ، الذي ذكرناه قبل أسطر قليلة ، والذي عبر الله عز وجّل عنه في الأية القرآنية " لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) النساء " فالله هو فقط يعلم من هو الصالح ومن هو الطالح ، وعندما نتمى الخير أن نتمناه لجميع الأمم وليس للأمة الإسلامية فقط ، فظروف العصر الحديث تختلف نهائيا عن ظروف العصور الماضية .فنحن اليوم نعيش عصر جديد حيث التكنولوجيا قد استطاعت تحويل الكرة الأرضية إلى منطقة صغير حيث ببضع ساعات يمكن للإنسان أن ينتقل إلى أبعد البلدان في العالم لزيارة شخص ما ، وخلال ثوان يمكن له أن يتواصل صوت وصورة و يتكلم مع أخيه أو صديقه الذي يعيش في أبعد البلدان عنه ، فهذا الوضع الجديد قد حول الإنسانية إلى عائلة واحدة وهذا ليس صدفة ولكن من ضمن المخطط الإلهي ، فإذا كانت دولة ما لسبب من الأسباب قد تحولت بفضل حكومتها إلى دولة معادية فأطفال هذه الدولة ليس لهم ذنب لذلك يجب أن ندعو لهذا الشعب بالخير ليستطع أطفاله تصحيح أخطاء آبائهم و أجدادهم ، فهذا الشعب مثل الأخ الضال ، وكما أننا لا نطلب من الله أن ينتقم من أخانا لأن سلوكه قد أصبح سيئا ، ولكن نطلب منه أن يهديه ويصلحه هكذا يجب أن ننظر إلى الشعوب الأخرى ، فأطفالهم جميعهم هم أخوة أطفال شعبنا وجميعهم أبناء عائلة آدم وحواء .

الدعاء هو صلاة من نوع آخر فلنحسن هذه الصلاة لتجلب الخير والسعادة والبركة لنا ولجميع شعوب عالم لعل أطفالهم يعيشون في ظروف أفضل بكثير من ظروفنا الحالية .

وسوم: العدد 786