الخاطرة ١٩٠ : المحبة والسلام في رموز الكعبة الجزء ه

خواطر من الكون المجاور

في المقالة الماضية ذكرنا أن الكعبة هي رمز روحي يعبر عما حصل في الثقب الأسود البدائي قبل حدوث ظاهرة الإنفجار العظيم قبل حوالي ١٤ مليار سنة والتي تعتبر لعلماء الكون علامة ولادة الكون وبداية ظهور المادة والزمن . فالكعبة بعبارة أبسط هي تلك البيضة التي فقست وأعطت الكون بأكمله ، فالكعبة الشريفة ليست مركز الكرة الأرضية وليست مركز الكون كما يدعي بعض العلماء المسلمين من خلال حسابات وإثباتات علمية خرافية أساءت إلى قدسية الكعبة الشريفة وإلى الإسلام أيضا . الكعبة الشريفة هي رمز روحي ، يفسر لنا بشكل رمزي ما حدث قبل مليارات السنين عندما تم طرد الانسان من الجنة .

في هذه المقالة سنتابع شرح رموز الكعبة لننتقل من التطور الكون المادي إلى التطور الروحي ونقصد به تطور المجتمعات الإنسانية والحضارات .

يقول الله تعالى في قرآنه الكريم " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (31) البقرة .. هذه الآية تشير إلى أن أسماء الأشياء ليست صدفة ولكن هي من عند الله ، فاسم الشيء هو جوهر تلك الروح التي تكمن في هذا الشيء وفهم حقيقة هذا الاسم يعني فهم مضمون الشيء وسبب وجوده من حولنا ، فكل شيء موجود له علاقة بتكوين الإنسان وتطوره سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، وكل حدث يحدث أيضا له علاقة بتكوين الإنسان ، لذلك فأسماء هذه الأحداث وهذه الأشياء ليست صدفة ولكن هي من عند الله لتساعدنا على فهم مضمون ما يحدث ومضمون ما يوجد حولنا من أشياء وكذلك نوعية تأثير هذه الأشياء والأحداث على تطورنا الروحي .

الكعبة المشرفة توجد في مدينة مكة المكرمة ، إذا بحثنا في رأي علماء المسلمين عن سبب تسمية هذه المدينة بإسم ( مكة) ، سنجد العديد من الفرضيات حول تسمية مكة بهذا الاسم ، فهناك من يقول بأنها سميت مكة لأنها تمك الجبارين أي أنها تضيع نخوتهم وهكذا حصل مع آدم وحواء حيث تحول تكوينهما إلى أبسط مكوناتها ، وآخرون يقولون بأنها سميت بذلك بسبب ازدحام الناس فيها وهكذا ايضا حدث مع آدم وحواء حيث جميع مكوناتهما اصبحت في ثقب متناهي في الصغر، وهناك من يقول بأنها سميت مكة لأنها تمك الذنوب أي تمتصها ولا يبقى منها شيئا وهكذا أصبح مع خطيئة حواء وأدم فسبب تكون الثقب الاسود كان من أجل امتصاص جميع الذنوب . هناك فرضيات أخرى كثيرة ، فإذا تمعنا في جميع أسباب تسميتها سنجد أن معانيها توافق وتدعم تماما ما شرحناه عن معنى الكعبة وعما حصل في الثقب الأسود البدائي . لذلك نجد ظهور اسم آخر لمكة مشابه له وهو كلمة (بكة) . لهذا يقال بأن اسم مكة هو اسم المدينة أما بكة فهو اسم الكعبة المشرفة.

الآن لنذهب إلى اسم آخر وهو إسم القبيلة التي ظهر بها الإسلام فاسم القبيلة هو (قريش) وهي كانت تعتبر من أهم القبائل التي سكنت مدينة مكة على زمن ظهور الإسلام ، فإذا بحثنا عن سبب تسمية هذه القبيلة بهذا الإسم سنجد عدة آراء :

أحد الآراء يقول أن إسم قريش هو اسم أحد أجداد الرسول ، ورأي آخر يقول أن النضر بن كنانة الجد الثاني عشر للرسول كان في سفينة فطلعت عليهم دابة من دواب البحر يقال لها قريش فخافها أهل السفينة فرماها بسهم فقتلها وقطع رأسها وحملها معه إلى مكة ....ورأي ثالث يقول بأنها سميت قريش لغلبة هذه القبيلة وقهرهم سائر القبائل كما تقهر هذه الدابة سائر دواب البحر وتأكلها ...وقيل أيضا أن اسم قريش من التقريش وهو التجميع سموا بذلك لاجتماعهم بعد تفرقهم وقيل لقرشهم عن حاجة المحتاج وسد خلته وقيل من التقاريش وهو التجارة ، وقيل أنهم سموا قريشا نسبة إلى أحد أجدادهم .

الدين الإسلامي ظهر في منطقة تحوي هذه الأسماء الثلاثة ( كعبة، مكة، قريش) إذا تمعنا في معاني هذه الأسماء وأسباب تسميتها بهذه الأسماء حسب رأي علماء المسلمين سنجد بأنها أسماء منفصلة عن بعضها البعض وكانها وضعت بالصدفة وان دمج معانيها لا يعطينا أي معلومة تساعدنا في تفسير سبب ظهور آخر ديانة سماوية في هذه المنطقة ، ونجد أحد المعاني مناقض تماما للمعنى الآخر ، فإسم قريش مرة نسمعه بأنه إسم دابة بحرية قتلها نضر بن كنانة ، ومرة أخرى نجده بأنه أسم أحد أجداد رسول الله ، فأي معنى هو الصحيح المناسب ليساعد في تفسير سبب نزول الدين الإسلامي في هذه المنطقة؟ وان هذه الأسماء ومعانيها المختلفة جميعها ليس لها علاقة ببقية الأمم أو بعبارة أوضح ليس لها علاقة بتفسير أي شيء من تكوين الإنسانية كبشر من نسل آدم وحواء. فما نفع هذه المنطقة لبقية الأمم غير المسلمة؟

ولكن إذا وضعنا في فكرنا الرمز الروحي للكعبة على انها رمز الثقب الأسود البدائي ، والذي يرمز بدوره عن تلك البيضة السوداء التي فقست عن طريق الإنفجار العظيم لتعطي جميع مكونات الكون ، عندها سنجد أن جميع فرضيات تسمية هذه الأسماء الثلاثة رغم تعارض معانيها بعض الأحيان مع بعضها البعض ، ولكن جميعها في الحقيقة تعطي صفة من صفات هذه البيضة السوداء . وحتى نثبت كلامنا هذا لا بد أن نذكر بعض الأشياء التي تساعدنا على توضيح الأمر أكثر .

القرآن الكريم يضع للسورة ذات الترتيب ٣٠ عنوان (الروم) ، ان وجود هذا الأسم في القرآن هذا يعني أنه لم يوضع صدفة ولكن ضمن حكمة إلهية .اذا تمعنا في تفسير آيات هذه السورة كما فسرها علماء الدين حتى الآن سنجد أن تفسيراتهم سطحية تتحدث عما كان عليه الوضع في الفترة الزمنية التي ظهر فيها الإسلام ، ولكن إذا تمعنا في معاني الآيات المذكورة في هذه السورة سنجد أن الموضوع العام لآيات هذه السورة أعمق بكثير من تلك التفسيرات السطحية التي تناسب المستوى الثقافي لسكان تلك الحقبة الزمنية التي ظهر فيها الإسلام ، فمعاني بعض آياتها نجدها تتكلم عن اشياء لها علاقة بتكوين السماوات والأرض ، وكذلك عن إعادة الخلق ، وعن إخراج الحي من الميت ، هذه الأشياء لها علاقة بالمفهوم الرمزي للكعبة نفسها.... لذلك لابد أن نشير هنا بأن وضع هذه السورة بعنوان ( الروم) لا يقصد به روم تلك الحقبة الزمنية ولكن يقصد به المعنى الروحي لهذه الأمة .

المقصود بالروم هم الشعب اليوناني (الأغريق) والشعب الإيطالي ( الروماني). الله عز وجل أختار اللغة اليونانية لتكون لغة الإنجيل فجميع اناجيل العالم تم ترجمتها من النسخة اليونانية، وكلمات اللغة اليونانية أيضا تعتبر مصدر هام لتكوين جميع اللغات الغربية ، حيث نجد الكثير من كلماتها قد أصبحت مصطلحات علمية تستخدم عالميا ، والجميع يعلم دور الحضارة الإغريقية في تطور الإنسانية ، وكذلك دور حضارة عصر النهضة في تطوير العلوم والمعارف ، فكما هو معروف أن عصر النهضة بدأ في إيطاليا . فوضع كلمة روم كعنوان لإحدى سور القرآن ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تشير إلى دور (الروم) في تطوير الإنسانية .

كما تذكر الأسطورة أن الملك اللاتيني نيوميتور طُرد من عرشه على يد أخيه اموليوس ، الذي أمر بإغراق الأخوين التوأم ريموس ورمولوس أحفاد الملك لكي لا يستعيدوا العرش ، ولكن أنقذتهم ذئبة من الغرق وقامت بإرضاعهم وتربيتهم وعندما كبرا وأصبحا شبابا استطاعوا استعادة العرش وقاموا بتأسيس مدينة روما ، ولكن ريموس حتى يستولي على العرش ويحكم لوحده قام بقتل أخيه رومولوس، ومن اسمه اخذت المدينة اسم روما .

هذه الأسطورة ليست من صنع خيال إنسان ولكن هي من الله عز وجل لتساعد على فهم حقيقة جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل .فلو تمعنا هذه الأسطورة بشكل مفصل سنجد أنها تضيف اشياء غير مذكور بشكل مباشر في قصة جريمة مقتل هابيل ، فالأخوين التوأم هم تربية ذئبة ، وهي نفس الحيوان الذي يستخدمه القرآن في قصة مقتل يوسف مثلما إدعى اخوته لأبيهم ليبرروا سبب اختفائه " قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ" (17 يوسف ) ، وأيضا في سفر التكوين في الإصحاح ٤٩ الآية ٢٧ نجد يعقوب يصف ابنه بنيامين بالذئب " بَنيامِينُ ذِئبٌ يَفتَرِسُ في الصَّباحِ يأكُلُ غَنيمةٍ وعِندَ المَسَاء يُقسِمُ نَهباً " هذا التشبيه ليس صدفة ولكن أيضا يساعد على فهم حقيقة جريمة مقتل هابيل ، حيث بنيامين هو الأخ الوحيد ليوسف من أمه وأبيه ، فيوسف هو رمز لهابيل أما بنيامين فهو رمز قابيل الذي حاول تنقية نفسه من شوائب الخطيئة ، لذلك لم يشارك هو في قتل يوسف ، ولكن إخوته من غيرتهم هم الذين حاولوا قتل يوسف ولكنهم في الأخير فضلوا ان يتركوه للتجار ليبيعوه في مصر كعبد . فذكر كلمة ذئب في القرآن وكذلك في التوراة ليس صدفة ولكن لترتبط مع اسطورة تأسيس روما التي تساعد في شرح أسباب حدوث جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل .

روما التي صنعها ريموس هي رمز الشعب الايطالي ، إذا تمعنا جيدا في شكل خريطة إيطاليا سنجد لها شكل يشبه قدم إنسان ، هذا الشبه ليس صدفة ولكن هو رمز إلهي يساعد على توضيح المعنى الروحي للكعبة ، فأحد معاني كلمة (كعبة) هي جزء من قدم الإنسان ، لذلك وضع الله علامة اخرى تؤكد على علاقة الكعبة مع القدم وهي مقام إبراهيم في الكعبة حيث في هذا المقام يوجد آثار أقدام إبراهيم على الحجر . فوجود آثار أقدام إبراهيم قرب الكعبة ليس صدفة ولكن لتعبر عن قدم آدم نفسه ، وهذه القدم هي نفسها شكل خريطة إيطاليا .

الآن إذا قلبنا خريطة إيطاليا رأسا على عقب (كما في الصورة ) سنجد أن شكل الخريطة يشبه شكل كلب ، وقد أعطى الله إثبات على صحة معنى هذا الشكل حيث نجد أن إسم جزيرة (صقيلية sicilia) التي تمثل رأس هذه الكلب يُسمع وكأنه لفظ كلمة كلبة في اللغة اليونانية (سكيلا) . فشكل خريطة إيطاليا وهي مقلوبة تشبه شكل كلب في بحر المتوسط ، وكما هو معروف ان كلب البحر يقصد به سمك القرش ، فسمك القرش هو الدابة البحرية التي على اسمها سميت قبيلة قريش ، فاسم قريش هو في الحقيقة تصغير لأسم (القرش). فخريطة إيطاليا عندما تكون بشكل قدم تعبر عن الكعبة ، ولكن عندما تكون بشكل كلب البحر (قرش) فتعبر عن قبيلة قريش .

الحكمة الإلهية وضعت أسم (قريش ) على تلك القبيلة التي تسكن حول الكعبة لتكون رمزا للإنسانية بأكملها ، ليعلم الجميع أن الإنسانية خرجت من الجنة لأنها اكتسبت شوائب شيطانية عكرت نقاء تكوينه ،وأن تكوين الإنسانية في بداية ظهورها كان مشابه لتكوين قابيل وليس هابيل، لذلك ارسل الله الأنبياء والرسل والمرشدين ليساعدوا في تطهير هذا التكوين الإنساني وتصحيحه ، لذلك يجب أن نعلم انه طالما أننا نعيش خارج الجنة فهذا يعني انه يوجد أخطاء في تكويننا وعلينا أن نطهر أنفسنا منها لنستطيع العودة ثانية إلى الجنة .

من بلاد إيطاليا التي لها شكل قدم نجد ظهور حضارة عصر النهضة التي أخذت معارف علوم الحضارة الإسلامية وقامت بتطويرها لتلعب دور هام جداً في تطور الإنسانية من الناحية المادية. فعصر النهضة الذي ظهر بعد الحضارة الإسلامية هو رمز يؤكد ان الدين الإسلامي قام بدوره على اكمل وجه لذلك تحولت الإنسانية من روح قابيل التي تحوي على غريزة القتل إلى روح مسالمة تقوم بتطوير العلوم المادية ، اي أنها أخذت مهمة تأمين الحاجات المادية للإنسانية.

إسم مكة مرتبط بالقسم الثاني من شعب الروم ونقصد الشعب اليوناني ، فكما هو معروف بأن أشهر قائد يوناني على مر التاريخ هو إسكندر المكدوني، هذا الملك الشاب الذي خرج من بلاده بجيش صغير لا يتجاوز عدده الـ٣٥ ألف جندي لينطلق ويغزو العالم ليس بهدف قتل الناس واستعبادهم ولكن بهدف تحقيق الإخاء العالمي بينهم ، حيث كثير من علماء الدين المسيحي يعتبرون ان اسكندر كان ممهد الطريق لقدوم عيسى المسيح عليه السلام الذي تعاليمه كانت تنص على تنمية المحبة والسلام .

القرآن الكريم ذكر إسكندر المكدوني في نهاية سورة الكهف بإسم " ذي القرنين " ، فعنوان السورة (الكهف) هنا هو أيضا رمز للكون الذي نعيش فيه فهذا الكون هو في الحقيقة مكان مشابه للسجن الذي وضع فيه الإنسان بسبب ارتكابه للخطيئة ، وإسم مكدونيا المنطقة التي ولد فيها إسكندر مرتبط بإسم مدينة مكة ، وهو يفسر لنا سبب تسمية مدينة مكة بهذا الأسم ، فمكدونيا هي منطقة من مناطق بلاد اليونان ، وهي تكتب باللغة اليونانية بلفظ يُسمع (مَكادونيا ) أي وكأنها تتألف من كلمتين عربيتين (مَكة - دُنيا) أي مكة الدنيا . وقد ذكر الله هذه الصفة (دنيا) كمعنى في سورة الروم الآية " فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)"

هذا التشابه في اللفظ بين مكة ومكادونيا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تبين لنا نوع الخطيئة التي تم ارتكابها في الجنة ومن كان المسبب الأول لهذه الخطيئة ، حيث نجد أن الألعاب الأولمبية ظهرت في اليونان وتم تنظيمها بهدف تنمية عواطف المحبة والسلام بين المجتمعات التي كانت تعاني من حب العنف والحروب الأهلية ، لذلك نجد أن هذه الألعاب الرياضية كانت تهتم بممارسة الرياضة بشكل عام لتسيطر على غريزة القتل وحب العنف وتمنعها ان تأخذ شكلها الحيواني الذي ينتج عنها جرائم القتل. هذه المباريات الرياضية نجدها قد تطورت في نوعيتها وأخذت شكلا آخر في منطقة مكة التي سيظهر فيها الإسلام لتعبر عن سبب ظهور غريزة القتل في تكوين الإنسان، حيث نجد أن سكان مكة كانوا يقومون بتنظيم مباريات مشابهة لمباريات الألعاب الاولمبية ولكنها بدلا من إهتمامها بجسد الإنسان كانت تهتم بتنمية الإحساس الروحي وذلك عن طريق التنافس بالقصائد الشعرية، فكانت القصيدة الفائزة تكتب بماء الذهب وتعلق على جدران الكعبة ، وكانت أكثر أنواع القصائد المحببة لقلوب الناس هي قصائد الحب العذري . وهذا ليس صدفة ولكن له علاقة بمنطقة مكدونيا حيث شعار هذه المنطقة كان نجمة فيرجينا، وكما نعلم أن كلمة عذراء في اللغة الإنكليزية هو فيرجين virgin وهو نفس لفظ اسم نجمة فرجينا شعار مكدونيا .

فسبب ظهور الإسلام في منطقة مكة هو ظهور هذا النوع من القصائد ، لأن الحب العذري هو رمز للعفة والطهارة ، فسبب طرد الإنسان من الجنة هو الزنى الذي أدى إلى ظهور غريزة القتل في قابيل فقام بقتل أخيه هابيل ، فبلاد اليونان أخذت في عصر الحضارة الإغريقية دور السيطرة على غريزة القتل وتحويلها إلى نوع من الرياضة المفيدة ، فظهرت هناك الألعاب الأولمبية، اما قسم (العفة) والمسؤول عن منع ظهور غريزة القتل في تكوين الإنسان فأخذتها منطقة مكة والتي قبل ظهور الإسلام ظهرت فيها عاطفة الحب العذري والذي تحول إلى نوع من المباريات الشعرية ، فكانت مكافأة الله لهذه المنطقة التي ظهرت فيها عاطفة الحب العذري هو ظهور دين الإسلام والذي مصدره من كلمة (سلام) ليكون هذا الدين خاتم الأديان السماوية لأن الهدف الأول للإيمان وتعاليم جميع الأديان هو أن يصل الإنسان في الأخير إلى مستوى تكوين أهل الجنة والذي عبرت عنه الآية القرآنية ٢٨ من سورة المائدة ( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).

للأسف في القرن الأخير من تاريخ الإنسانية إنقلبت الأمور رأسا على عقب وكأن عصر النهضة الاوربية قد تحول رمزها من شكل قدم إلى شكل كلبة ، لذلك نجد أن الكلاب اليوم أصبحت من أفراد العائلة ومكانتها في قلوب أصحابها أعلى من مكانة الأطفال ، فهذه الموضة التي بدأت في الشعوب الغربية وراحت تنتشر في جميع شعوب العالم هي رمز روحي يعبر على أن روح قابيل الإجرامية قد عادت لتسيطر على التكوين الروحي للإنسانية ، لذلك نجد صفحات التاريخ تصف العصر الحديث بأنه عصر لم تعرف الإنسانية وحشية مثله من قبل ، فلأول مرة في تاريخ الإنسانية تحدث جرائم يرتكبها أطفال ، فولادة ظاهرة (الطفل المجرم) هو أكبر دليل على أن القاعدة الفكرية لعصر الحديث تعاني من أخطاء فادحة وأن علماء العصر يعانون من ضعف البصيرة والعمى الروحي ، فمثلا جميع تلك الإثباتات العلمية الخرافية التي يطرحها العلماء المسلمين عن الكعبة هي في الحقيقة ليس إلا رماد يُرش في أعين المسلمين كي لا يروا حقيقة رموزها التي تعبر عن حقيقة تطور التكوين الإنساني عبر التاريخ وعن دور هذه المقدسات في تنمية عواطف المحبة والسلام في نفوس الناس ، فالحقيقة اليوم تقول أن المنهج العلمي الحديث الذي يستخدم في دور التعليم قد دمر كل ما حققته الديانات من تصحيح في التكوين الروحي للإنسانية فكما يقول الحديث الشريف " إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق " . ولكن للأسف اليوم عادت الإنسانية إلى حالتها القديمة مجتمعات بلا أخلاق.

وسوم: العدد 790