الخاطرة ١٨٩ : رمز الكعبة والحكمة من الحج إليها الجزء ٤

خواطر من الكون المجاور

الكعبة باختصار شديد ، هي رمز روحي وضع الله فيه فلسفة سبب وجودنا في هذا الكون ، في المقالة الماضية ذكرنا أن إختيار الله لإبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام لرفع قواعد الكعبة ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فابراهيم يمثل رمز آدم واسماعيل يمثل رمز قابيل الذي قتل أخاه هابيل ، ولهذا السبب أختار الله اسم هاجر لأم اسماعيل ليكون رمز يعبر عن الهجرة التي حصلت من الجنة إلى الأرض ، فرغم أن هذا الأسم غير عربي ولكن الله عز وجل أراد أن يكون لفظ هذا الأسم في اللغة العربية لغة سكان المنطقة التي ستتواجد فيها الكعبة بعد نزول آخر ديانة سماوية ، حيث يسمع هذا الأسم وكأنه من فعل الهجرة ، لتكون أم إسماعيل رمز لحواء والتي كانت هي السبب الأول في الخروج من الجنة .

حتى نستطيع فهم الرمز الروحي للكعبة يجب شرح بعض النقاط التي وضعها الله في القرآن :

الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم وضعت سورة الحجر في الترتيب بعد سورة إبراهيم لتساعدنا على فهم علاقة إبراهيم بآدم ولتشرح لنا رمز الكعبة . فسورة الحجر هنا هي سورة رمزية توضح لنا بشكل رمزي ما حصل بعد طرد الإنسان من الجنة ، إذا تمعنا في آيات سورة الحجر سنجد أنها تتألف من خمس مقاطع وعلماء المسلمين حتى الآن ينظرون إلى آيات هذه السورة نظرة لغوية أي أنهم ينظرون إلى عنوان السورة (الحجر) على أنه إسم ديار قبيلة ثمود المذكور في نهاية السورة والتي كانت سبب نزول السورة ويفسرونها على هذا المعنى وكأنها سورة منفصلة تماما عن سورة إبراهيم ، ولكن إذا إكتفينا بهذا المعنى الحرفي لعنوان السورة فهذا يعني أن القرآن إنتهى مفعوله منذ أكثر من ثمانِمائة عام ﻷن جميع علماء الدين حتى الآن فسروها على هذا المعنى. وطبعا هذا ليس صحيحا ﻷن معاني آيات القرآن الكريم تتجدد مع تطور مستوى معارف اﻹنسان لذلك فهو سيبقى ملائما لكل العصور واﻷزمنة، وهذا يحدث فقط عندما ننظر إلى كلمات القرآن نظرة فلسفية . فسورة الحجر تتألف من عدة مقاطع وقصة قوم ثمود هنا هي رمز تساعد على فهم علاقة هذه السورة بالمعنى الروحي للكعبة ، ولو تمعنا في معاني كل المقاطع بما في ذلك المقطع الذي يذكر كلمة الحجر (بكسر الحاء) الذي هو أسم المنطقة التي سكنها قوم ثمود ،سنجد أن معنى السورة بشكل عام له علاقة بطبيعة المكان الذي طُرد إليه الإنسان بعد خروجه من الجنة.....فكلمة ( حجر) بجميع أنواع تشكيل حروفها لها مصدر واحد يحمل المعنى العام ( شيء متماسك منعزل عما يحيط به ) ... أمثلة : حجر بفتح الحاء : كتلة صخرية. ...حجر على الموضوع (بفتح الحاء ) منع النقاش في الموضوع ،حجر على الحديقة أي حدد أطرافها، حجرة (بضم الحاء) مكان محاط بجدران يعزله عما حوله....إلخ. ،فكل هذه المعاني لها علاقة بالرمز الروحي للكعبة ، فنجد السورة تبدأ بقصة خلق اﻹنسان الذي أعطاه الله صفات جعلته كائن كامل مختلف عن بقية مخلوقات الله ، ثم تتكلم عن دور الشيطان في ارتكاب الخطيئة ، ثم عقاب الله لقوم ثمود ثم قوم لوط .

الله عز وجل أختار الاسم (صالح) ليكون أسم النبي الذي ارسله إلى قوم الحِجر ، هذا الاسم ليس صدفة ، فكلمة صالح لها معنى سليم ، مستقيم ، خال من الأخطاء ، هذه المعاني هي صفات أهل الجنة ، ولكن بسبب الخطيئة التي ارتكبها الإنسان في الجنة تشوهت هذه الصفات لذلك وجب طرد الإنسان منها ليصلح نفسه ليصبح ملائما للعودة إليها ثانية .

هناك جزء من الكعبة يسمى حجر إسماعيل وهو مكان مكشوف على شكل نصف دائرة يقع عند الجزء الشمالي للكعبة (الصورة)، هذا المكان أيضا يسمى الحطيم ، كلمة الحطيم مصدرها هو فعل تحطم ، أي تكسر، تهشم ، تدمر ، تفتت .

الحطيم في البداية كان متحد مع مبنى الكعبة ويشكل أحد جدرانها ، ولكن انفصل عنها فيما ، ولكن رغم ذلك فهو يعتبر جزء من مبنى الكعبة ، و سبب تسمية هذا المكان بكلمة حطيم هناك عدة آراء ، فيقال أنه من وقف فيه ودعا على من ظلمه حطمه الله ، ويقال أيضا بانه سمي الحطيم لأن العرب كانت تطرح فيه من الثياب فتبقى حتى تنحطم بطول الزمان ، إذا تمعنا في اسباب تسمية الحجر بالحطيم ، سنجد لها معنى واحد وهو كما ذكرناه قبل قليل ، تكسر ، تهشم ، تفتت....

الحطيم أو حجر اسماعيل يقع في القسم الشمالي من الكعبة ، أما في القسم المقابل له من الكعبة أي في القسم الجنوبي نجد في ركنه الشرقي يقع الحَجر الأسود ، هذا الحجر الاسود يعتبر نقطة بداية طواف الحجاج حول الكعبة ومنتهاه ، أما سبب سواده فيرجع إلى الذنوب التي ارتُكبت وفقا للروايات عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم . حيث روى ابن عباس عن النبي محمد أنه قال: «نزل الحجر الأسود من الجنة أبيض من الثلج فسودته خطايا بني آدم» .

ولكن هنا نجد أن جميع حجارة الكعبة لونها أسود ، فجميع حجارة منطقة مكة هي حجارة بركانية سوداء ، لذلك عندما بنيت الكعبة استخدم الناس الحجارة الموجودة في المنطقة ، فكانت الكعبة بأكملها ذات لون الأسود ، وهذا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، لتأخذ الكعبة معناها الحقيقي ، فلون الكعبة له علاقة بلون الحجر الأسود والذي كما ذكرنا انه كان بلون أبيض ولكنه تحول إلى اللون الأسود بسبب خطايا بني آدم .

والسؤال هنا لماذا بيت الله لونه أسود طالما ان اللون الأسود هو رمز لإرتكاب الخطايا ؟ ولماذا أيضا حجر اسماعيل له أسم الحطيم والذي معناه بشكل عام له علاقة بعقاب الله ، فعقاب الخطايا التي ارتكبها قوم ثمود مثلا كانت تدميرهم وتحطيمهم ، وهكذا حدث مع قوم العمورة وغيرهم .

إن وجود هذه الأشياء المتناقضة في تفسير العلماء لأجزاء بيت الله يولد الكثير من التساؤلات ، فإذا بقيت معاني أجزاء الكعبة بشكلها البسيط الذي يذكرها العلماء المسلمين كما هي حتى اليوم بدون أي ترابط فيما بينها لتعطي تفسير مقنع يوحد معاني أجزاء الكعبة ، عندها ستفُتح مجالات واسعة لكل شخص يريد الإساءة للإسلام والمسلمين . لأن الكعبة ستتحول إلى معنى فقير لا يختلف عن معاني المعابد الوثنية .

الكعبة عند المسلمين هي بيت الله ، وجميع المسلمين يعتقدون انه بيت ذلك الإله الذي خلق آدم والملائكة وخلق كل شيء . لذلك تحدث جميع تلك التناقضات التي شرحناها في المقالات الماضية عن تكوين الكعبة وعن مكان وجودها ، فمثلا حجر اسماعيل الذي كان متحدا مع بناء الكعبة في الأزمنة القديمة كان مكان تأوي إليه غنم اسماعيل ، فكيف هو بيت الله وجزء منه يعتبر زريبة حيوانات ؟ هذه الأشياء ليست صدفة ولكن هي حكمة إلهية تكشف المعنى الحقيقي لهذا البيت.

الكعبة ليست بيت الله الذي خلق آدم والملائكة وخلق كل شيء ، ولكن في الحقيقة هي بيت روح الله التي نفخها في آدم عندما خلقه في الجنة .وعندما ارتكب آدم وحواء الخطيئة التي كانت سببا في تكوين غريزة القتل في قابيل الذي قام بقتل أخيه هابيل ، هذه الخطيئة كان عقابها الطرد من الجنة بسبب تشوه تكوين الإنسان ، فالإنسان خلقه الله كائن مسالم ، لذلك وجب تصحيح هذا التكوين من جديد ليكون تكوينه صالحا للعيش في الجنة ، فعملية طرد الإنسان من الجنة أدت إلى تهشم روح الله في آدم وحواء إلى أبسط أجزائها لذلك كان لون احجار الكعبة سوداء لأنها تعبر عن تفكك هذه الروح بسبب الخطيئة ، ولذلك أيضا كان حجر اسماعيل الذي هو رمز لقابيل قد تحول إلى مكان للغنم ، أي أن روح الله في الإنسان قد تحطمت إلى أجزائها البسيطة التي لا تناسب تكوين الإنسان ، ولهذا سمي هذا الحجر بالحطيم ، ليكون رمزا لتحطم هذه الروح .

الحجر الأسود كما يقال عنه في الأحاديث الشريفة هو من الجنة ، وكان لونه شديد البياض ولكنه تحول إلى الأسود بسبب خطايا بني آدم ، هذا تعبير رمزي يعبر عما حصل بروح الله التي نفخها في آدم ، في البداية كانت ناصعة البياض لأنها كانت وحدة متكاملة ولكن بعد إرتكاب الخطيئة تهشمت وأصبحت سوداء ، فمع طرد الإنسان من الجنة وانهيار روحه ، تحولت روح الله هذه إلى ثقب كوني أسود متناهي في الصغر .

الكون الفسيح الذي يحيط بنا بأكمله كان في بدايته عبارة عن ثقب أسود أصغر بكثير من ثقب الإبرة ، وكانت روح الله داخله تحاول أن تعيد تكوين نفسها من الجديد . علماء الكون لا يعلمون شيئا عن هذه المرحلة والسبب أنه في تلك المرحلة من تكوين الكون لم يكن للمادة اي وجود حتى يستطيع العلماء دراستها ، فدراسة الكون تتم عن طريق علوم الفيزياء وهذا العلم يدرس سلوك المادة ، وطالما انه لم يكن للمادة أي وجود لذلك يتوقف عندها علم الفيزياء عن العمل .

علماء الكون من خلال دراستهم لما يحدث في الكون وجدوا أن جميع الأجسام الموجودة في الكون تبتعد عن بعضها البعض نحو الخارج فخرجوا بنظرية الإنفجار العظيم والتي تقول بأن جميع محتويات الكون كانت موجودة في منطقة صغيرة واحدة بشكل مكثف جدا كما هو في الثقوب السوداء ثم حدث شيء ما داخل هذه المنطقة أدى إلى انفجارها وتضخمها بشكل سريع جدا بسبب تشكل المادة. فمع الإنفجار العظيم تشكلت الجسيمات النووية وهذه بدورها شكلت غاز الهيدروجين الذي يعتبر المادة الأولية لصناعة النجوم نتيجة اندماجه وتحوله إلى الهليوم في مركز النجم . وعندما ينهار النجم على نفسه نتيجة لضغط كتلته، ترتفع درجة حرارة قلب النجم إلى درجة يَبدأ فيها النجم تفاعلات إندماج جديدة تنتح الليثيوم ثم الكربون و النتروجين و الأكسجين وصولاً إلى الحديد. وعن طريق انفجار هذه النجوم بظاهرة السوبر نوفا تتكون العناصر الأعلى من الحديد واللازمة لتكوين كل شيء له علاقة بتكوين الإنسان والبيئة التي سيعيش عليها ليستطيع التطور. ولهذا السبب يحج المسلمون من جميع بلدان العالم إلى الكعبة ، وأيضا عندما يصلي المسلمون تكون جهة صلاتهم نحو الكعبة ، سلوك المسلمين هذا له معنى رمزي وهو أن الإنسانية بأكملها أتت من هذه الروح الإلهية التي ترمز الكعبة لها ، والتي كانت في البداية عبارة عن ثقب أسود كما هو شكل ولون هذه الكعبة.

فالإنسان بعد طرده من الجنة تفكك تكوينه إلى أصغر مكوناته ، فهو لم يظهر على سطح الارض فجأة بشكله الكامل لأن الأرض أصلا لم تكن موجودة ، ولكن تم تكوين الإنسان من جديد من بداية روحه وذراته ومركباته العضوية وأعضائه وكل شيء فيه ، فالكون بأكمله ليس إلا مصنع كامل هدفه تكوين الإنسان جسديا وروحيا ليصل إلى الكمال ليصبح ملائما للعودة إلى الجنة ، فكل حركة وتغير وتطور حدثت في هذا الكون منذ ولادته وحتى الآن تمت بواسطة روح الله التي نفخها في آدم ، فهذه الروح هي التي قامت بكل شيء ، أما الله الذي خلق آدم فهو خارج هذا الكون لأن هذا الكون في البداية كان ثقبا أسود أصغر من ثقب الإبرة ، وقوانين الكون بالنسبة لهذا الإله خالق كل شيء هي قوانين فقيرة وعاجزة أن تحويه داخلها ، لذلك نجد في سفر التكوين في الإصحاح الثامن عشر يذكر أن الرب نزل على إبراهيم وجلس معه وأنبأه عن ولادة ابنه اسحاق وعن تدمير سدوم ، ولكن نفس القصة نجدها مذكورة في القرآن الكريم في سورة الحجر ولكن القرآن لا يذكر عنه بأنه الرب ولكن يسميه " ضيف إبراهيم " كما هو مذكور في الآية ٥١ من سورة الحجر " وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ " والآية ٢٤ من سورة الذاريات " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ". فهذا الضيف هو تلك الروح الإلهية التي نفخها الله في آدم .

فالمعركة التي تحدث في الكون بين الخير والشر هي في الحقيقة بين روح آدم العالمية وروح الشيطان العالمية ، وليست بين الله والشيطان كما يعتقد أتباع جميع الديانات ، وقد أشار الله إلى هذه الفكرة في الآية القرآنية ٢٤ من سورة الأعراف "قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ " المقصود بالأرض هنا ليس كوكب الأرض فقط ولكن الكون بأكمله .

الثقب الأسود حسب رأي علماء الكون هو منطقة صغيرة جدا في الفضاء ذات كثافة هائلة جدا تفوق غالباً مليون كتلة شمسية، وتصل الجاذبية فيها إلى مقدار كبير جدا بحيث لا يستطيع الضوء الإفلات منها، ولهذا تسمى ثقبا أسوداً. يتكون الثقب الأسود بتجمع مادة كثيرة تنضغط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة عندما ينهار نجم ضخم على نفسه، فتلتهم معظم ما حولها من مادة حتى يصل إلى حالة ثقب أسود . هذا الوصف هو وصف مادي ، ولكن حتى نفهم بشكل مبسط المعنى الروحي للثقب الأسود ، يجب ان نضيف إلى المعنى المادي المعنى الذي شرحناه عن الكعبة ، فالثقب الأسود هو في الحقيقة انهيار الروح على نفسها ، فكما ذكرت في مقالات سابقة بأن كل شيء مهما كان سواء كان جسيم نووي أو صخرة أو كائن حي جميعها تملك روح ، وشكل كل شيء يعبر عن الروح التي تكمن في داخله ، بدون هذه الروح يعني الفناء المطلق ، وهذا الفناء المطلق يحدث فقط في مركز الثقب الأسود ، في الثقب الأسود يبدأ تفكك الأجسام إلى مكوناتها الأبسط إلى ان تصل إلى جسيماتها النووية ولاتتوقف عند هذا الحد ، ولكن داخل الثقب الأسود تستمر عملية التحطيم فتتفكك هذه الجسيمات الصغيرة إلى عناصر روحية عديمة المادة وهذه العناصر الروحية بدورها تتفكك إلى أصغر منها حتى تفنى إلى الأبد .

في مركز الثقب الأسود يختفي كل شيء ويحصل الموت المطلق . لذلك نجد في الأصحاح الثاني من سفر التكوين في الآية١٦ والآية ١٧ إشارة إلى هذا المعنى " و أوصى الرب الإله آدم قائلًا من جميع شجر الجنة تاكل اكلا .. واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها موتا تموت " في هذه الآية الموت مذكور بطريقة غريبة فهو مذكور مرتين كتعبير عن نوعين من الموت ، موت جسدي وموت روحي ، وكذلك العبارة تذكر الموت بشكل وكأنه سيكون موتا أبديا، وهذا تماما ما يحصل في الثقوب السوداء ، وكان ذلك سيحصل مع آدم عندما طرده الله من الجنة ولكن كما تذكر الآية القرآنية ٣٧ من سورة البقرة "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" مع توبة آدم حصل توقف عملية الإنهيار الروحي داخل الثقب الأسود ، وراحت الروح من جديد تبدأ في صناعة نفسها وعندما وصلت الروح إلى شكلها الحقيقي حدث الإنفجار العظيم الذي يتكلم عنه علماء الكون لتبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة التكوين المادي .

حادثة الإنفجار العظيم هي نتيجة إكتمال تطور الروح الإلهية داخل الثقب الأسود البدائي ، حيث بعدها بدأ تكوين المرحلة المادية ، الله عز وجل أشار إلى هذا المعنى بشكل رمزي فمع ظهور الإنسان كجسد وظهور الديانات البدائية تبدأ مرحلة التكوين الروحي للإنسان، وتنتهي هذه المرحلة مع نزول آخر ديانة وهي الإسلام لذلك كانت الكعبة هي بيت الله بالنسبة للمسلمين ، فالاسلام أيضا له نفس المعنى وهو إكتمال التطور الروحي الذي فرضه الله على الإنسانية ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " فمكارم الأخلاق هي الدين ، فإذا انتفى الخلق ذهب الدين ، فالأخلاق هي التي تحدد نوعية التكوين الروحي في الإنسان فهي تحدد سلوكه فيما إذا كان سلوك إنساني أو سلوك حيواني .

يجب أن نعلم أن آدم وحواء بعد خروجهما من الجنة لم يكتسبا جسدا على الإطلاق فوجودهم في هذا الكون على شكل روح عالمية تعمل في دفع الأمور نحو التطور الإيجابي لكل شيء ، ولأن السبب الأول في إرتكاب الخطيئة كانت حواء لذلك تاب الله عز وجل عن آدم وأخذه خارج الكون وأعاده إلى الجنة ، وأصبحت المعركة بين روح حواء وروح الشيطان ، لذلك يقول الحديث الشريف ( الجنة تحت أقدام الأمهات) فطالما أن حواء هي التي ارتكبت الخطيئة فهي التي أخذت مسؤولية تصحيح الخطيئة ، وكل امرأة هي في الحقيقة خليفة حواء على الأرض . لذلك كانت ظروف المرأة عبر التاريخ قاسية جدا ، لأن روح الشيطان الموجودة في بعض الرجال كانت تستغل ضعفها الجسدي لتمنعها من القيام بدورها ولكن ظهور الأنبياء والمرشدين ليقفوا بجانبها ساهم في تحسين هذه الظروف مع مرور العصور .

إن فهم وتفسير كل ما حدث منذ ولادة الكون قبل ١٤ مليار سنة وحتى الآن يجب أن يعتمد على الفكرة التي تقول بأن الإنسان خرج من الجنة كروح وأن روح الله في تكوينه هي التي صنعت كل شيء داخل هذا الكون لأن كل شيء فيه قد حدث لهدف واحد وهو تكوين الإنسان روحيا وجسديا من جديد و تخليصه من جميع تلك الشوائب التي كانت سببا في طرده من الجنة .

هكذا أراد الله أن تكون المنطقة المحيطة بالكعبة منطقة صحراوية صخرية جرداء ذات لون باهت وذات مناخ قاسي لتعبر عن الكون بأكمله بأنه مكان طرد الإنسان من الجنة . ليعلم المؤمن أن الحياة خارج الجنة مليئة بالعذاب والشقاء وعليه أن يتبع تعاليم الله في إصلاح نفسه وتنقيتها من الشوائب ليصبح صالحا للعيش في الجنة التي فيها السعادة المطلقة.

القراء الجدد ربما شعروا بأمور غريبة عن المألوف أذكرها عن الجنة وسبب خروج الإنسان منها ، فقد شرحت هذا الموضوع بشكل مفصل في الخواطر التي تحمل الأرقام ٥٢ (فلسفة عبد الأضحى) والخاطرة ٥٣ (فلسفة الخروج من الجنة) والخاطرة ٥٤ ( الدور الحقيقي للمرأة ) .... لذلك قبل أن تعارضوا أسباب الخروج من الجنة المذكورة في المقالة بشكل مختصر جدا أتمنى أن تقرأوا تلك المقالات التي تبحث في هذا الموضوع بشكل مفصل، فهناك أذكر اثباتات عديدة تؤكد صحة الأفكار التي اعتمد عليها في هذا الموضوع .

وسوم: العدد 790