خواطر فؤاد البنا 854

الخبير هو الذي يتعلم من تجاربه وأخطائه، أما الحكيم فهو الذي يستفيد من تجارب الآخرين  وأخطائهم؛ إذ كلما وجد خطأ في سلوك أحد منهم تجنّب أسباب الوقوع فيه. ومما يؤيد ما توصلت إليه هنا أن لقمان الحكيم سئل يوما: ممن تعلمت الحكمة؟ فقال: من الجهلاء والسفهاء؛ إذ كلما رأيت فيهم عيبا جهدت أن أتجنبه!

******************************

نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن أن الحُمْق يمتلك تيارا عريضا داخل مجتمعاتنا، التي تعاني في الأصل من ضعف في التربية العقلية ومن خلل في التفكير المنطقي، حتى أن كثيرا من المرويات غير المنطقية تجد لها أشياعا ومناصرين كثيرين، حيث يتهافت هؤلاء على صفحات ومواقع الدجل والخرافة والشعوذة بأشكالها وأنواعها المختلفة، سواء ارتدَت أثواب الدين أو تلفّعت بأردية العلم، وسواء ظهرت في ميادين الثقافة أو في المناحي الطبية، حيث يتهافت الحمقى والمغفلون على قراءة المنشورات غير المعقولة وإبداء الإعجاب بالمرويات التي لا تقبلها العقول السوية. وقد قيل قديما: إذا أردتَ أن تَعلَم العاقل من الأحمق فحدّثه بالمُحال، فإن قبل بالمحال فاعلم أنه أحمق!

******************************

من الأمور التي تُبرز تفوق قيمة الحرية في الرؤية الإسلامية على غيرها من الرؤى ولاسيما الغربية منها، كثافة الخطاب التربوي الأخلاقي وتقليل القواعد والعقوبات القانونية، بحيث ينبعث الالتزام من داخل الإنسان ويكون ثمرة قناعة ذاتية. ويحتاج هذا الأمر بالطبع إلى عمل دائب في تربية الوازع الداخلي وتعبئة الوجدان بدوافع الالتزام، ويحتاج إلى تكثيف التذكير بأساليب متنوعة وفي ظروف شتى، وهذا كله موجود في المنظومة العبادية بمفهومها الشامل في الإسلام. غير أن المشكلة تَبرز هنا حينما يتم الابتعاد عن الإسلام سواء في الفهم أو في التنزيل أو في التطبيق، مع ركون حُماة القوانين والقواعد على الضمير الذي قد يصيبه الضمور ليهيم صاحبه في أودية الضلال والعدوان على حقوق الآخرين وهو يظن أنه يحسن صُنعاً؛ مما يعني أننا بجانب هذا التفوق ينبغي أن نراعي هذا التغير؛ وذلك بتكثيف القوانين والقواعد التي تُجسّد القيمة الكبيرة للحرية في الرؤية الإسلامية.

وسوم: العدد 854