خواطر إنسانية 911

ليس لأي قوة تأثير على حياة الإنسان مثل القوة الروحية التي وهبها الله للإنسان ، فإذا ما أغفلها أي هجرها لخلل في تفكيره ، أو نأى عنها جحودا واستكبارا فقد أفلس من الخير الكثير . فهو قد أطفأ وهجا مقدسا في حنايا نفسه ، وأمات نبتة الخير التي جعلها الله لإعمار الأرض . فعاش في واد ، ونسي أنه لم يُخلَق لهذا . فالأحرى بالإنسان أن لايبتعد عن موطن العبودية لله وحده ، فكل مايكبر في عينه من متاع الدنيا ، ومن استثماراتها مآلهـا للفناء ، وبهرجها للاضمحلال . والغريب في هذا الإنسان أنه لم يتعظ بالإرث الذي بين يديه خلَّفه له آباؤُه وأجداده والأولون . فهي تلك الإنسانية التي أكرمها الله يوم خلقها ، وهيَّأ لها أسباب السعادة الأبدية , واستسلام الإنسان لِمـا حباه الله به من تكريم كافٍ لعدم وقوعه في بيئة  المعصية الذميمة التي أوردت أهلها المهالك  في الدنيا ، ويبقى كتابه الذي يملي عليه ماقدَّم فإما إلى رضوان ، وإما إلى خازن ، حيث الخلود !

والإنسان يبقى ضعيفا في مواجهة النواميس التي تُسَيِّر وجوده الإنساني ، فلا طاقة له في تبديلها أو تحويل مجراهـا ، أو تخطِّيها ... وهيهات . قارن بين حيوية إنسان ظالم مستكبر في تعامله مع آخرين ، بل ربما يتجرأ فيدعي أنه الإله أو أنه الذي بيده كل شيء . هذا مشهد دنيوي ، فيأتيه ناموس الحياة الذي قدره الله ، ألا وهو الموت فينتزع روحه من جسده ، ليبقى جثة هامدة تتحول بعد ساعات إلى جيفة منتنة ممقوتة من حتى مِن قِبل  مَن كانوا يخافونه ويجلونه بل ربما كانوا يقدسونه . مسكين هذا الإنسان كم هو غبي ، أو ربما أعمى ، غابت عن بصيرته الحقائق التي يراها راعي الغنم في المراعي ، أو فلاح المزرعة وهو يتأمل كيف تنبت الأشجار وكيف تورق وتزهر ثم تثمر ، ناهيك عن ملايين المشاهد الكونية ، والآيات الباهرات في كل مانراه من حولنا ، وفي كل مالا نراه طالما نحن نعيش هذه الحياة . وكأنهـا حلم ، بل هكذا سيراها الإنسان في الموقف الأخير من حياته ، وكما قيل : ( المسافة قصيرة جدا مابين جمال القصور ووحشة القبور ) .

جمال وجه الإنسانية  أن لايتعدَّى قدراته ، ولا يغالب رغباته ، وما يكتسبه  في حياته بإنسانيته اليقظة لهو الجمال الحقيقي له . والبعد عن غمط الآخرين حقوقهم لهو الحق الذي يزدهر في ظلاله الإخاء الإنساني ، ولكن تأبى بعض النفوس ذلك ، وتتنكر له الدول الغاشمة ولا ترضى به ، فكانت الحروب والمؤامرات والاستفزازات ... كرَّم الله الإنسان ، وجعل ماله من حقوق مصونة ، وحفظ له نفسه وماله وعرضه ، وبيَّن له أحلى النجدين وأجمل الطريقين ، وخلَّد في العذاب الأبدي مَن يقتله بغير حق مشهود . لإقامة قدسية الحدود . ولن يكون القاتل إنسانا والمقتول شيطانا ، حاشا فللإنسانية محكمة عادلة ، ستعقد في يوم لاريب فيه ، آمن به الناجون ، وأنكره الذين يساقون إلى مأوى الخلود . ويومها لاينفع مال ولا بنون ، إلا مَن أتى الله بقلب سليم . على أن المشاعر الإنسانية التي لم تدنسها مساوئ اللاإنسانيين تبقى  عالية المكانة لأنها  لا تقبل التزييف ولا ترضى بالمزايدات . فالإنسانية هي الغيمة التي تسقي كل مَن في ربوعها ، ولا تستثني أحدا أبدا ، بل إن ودقَها: ( غيثها ) يمنح حتى البهائم من خير يخرجه لها من باطن الأرض ، وليس لجميع البشر أن يقوموا باستقبال هذا الخير ، ففيهم مَن لايعلم ما فائدة الغيث لأهل الأرض . وفيهم مَن لايدري أن قيمة الإنسانية عظيمة وغالية ، بل هي الميزان للإنسان ، فهل أقواله وأفعاله تؤهله ليكون من أهلها ، أم أن سيرته تنبئُ عن عدم قبوله في بيانات الإنسانية التي لاتقبل بقبيحي الأعمال والأقوال . وهكذا نرى كم خسرنا من إنسانيتنا في هذا العالَم الإنساني !

وسوم: العدد 911