يا شباب الأدب أولا

كنت في محرابي،  أتلذذ بطعم صلاتي،  وإذا بهمس يجذبني،  تلفت ورائي،  فإذا فتى في مقتبل العمر،  اتجهت  إليه بوجه باسم،  لكنه قابلني بوجه عابس،  يوجه إلي  أسئلة الملكان في القبر،  فخلت إنني ميت  في قبري   مقبل على ربي  يسألني  ثلاثة أسئلة، من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ فكنت أجاريه  بالإجابة ، كأنني تلميذ صغير يتلقى دروسه الأولى. 

الغريب أن الفتى واصل أسئلته الاستنطاقية يتظاهر بوجاهة  الشيوخ   ،  أين الله؟ ثم تلتها أسئلة في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات  ومظاهر الشرك ،   فكنت أجيبه   بعقيدة السلف الصالح   . 

كنت أظن أن الفتى قد استأنس لأجوبتي، ولكن العجب العجاب أن الفتى أصدر أحكامه القاصية، كأنني في المحاكم الهزلية التي يرأسها قضاة جهلة  .

أنت قبوري، و حزبي  ومنافق عليم اللسان، فقلت للفتى سامحك الله ولدي، ليس الذنب ذبنك، إنما الذنب على الذي زرع فيك شحنات سالبة، كان الأولى بك أن تحترم من هو أسنك منك، وفي مقام أبيك  ، ثم قلت والحسرة تقتلني  :  فكم نحن بحاجة إلى الأدب وحسن الخلق .

في الختام  أحببت أن أعطر القصة بروائع أدب السلف الصالح في التربية  والتهذيب  عسى  شبابنا يقتبس من الرعيل الأول سلامة الطريق الموصل  لبر الآمان نقلتها لكم أرجو توابها.

قال عبد الله بن المبارك : " من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن ، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض ، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة "  .

وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم هُوَ الْمِيزَانُ الْأَكْبَرُ، فَعَلَيْهِ تُعْرَضُ الْأَشْيَاءُ، عَلَى خُلُقِهِ وَسِيرَتِهِ وَهَدْيِهِ، فَمَا وَافَقَهَا فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ الْبَاطِلُ»  .

وعن ابن وهب قال : سمعت مالكاً يقول : " إِنَّ حَقَّاً عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكونَ لَـهُ وَقَارٌ وَسَكِيْنَةٌ وَخَشْيَةٌ ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّبِعَاً لِأَثَرِ مَنْ مَضَى قَبْلَهُ "  .

وعن ثابت بن محمد قال : سمعت الثوري يقول : " إن استطعت أَلَّا تَحُكَّ رَأْسَكَ إِلَّا بِأَثَرٍ؛ فَافْعَلْ ".

وعن خالد بن نزار قال : سمعت مالك بن أنس يقول لفتى من قريش : " يا ابن أخي، تَعَلَّمْ الأَدَبَ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ العِلْمَ "  .

وقال الإمام مالك : " كانت أُمِّي تُعَمِّمُنِي ، وَتَقُولُ لِي : اذْهَبْ إِلى ربيعة فَتَعَلَّمْ مِنْ أَدَبِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ".

وقـال بعضهم لابنه : "يا بني ! لأن تتعلم باباً من الأدب ، أحب إلي من أن تتعلم سبعين باباً من أبواب العلم "  .

وعن إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: «يَا بُنَيَّ، إِيتِ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَعَلَّمْ مِنْهُمْ، وَخُذْ مِنْ أَدَبِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَهَدْيِهِمْ، فَإِنَّ ذَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ» .

وعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ:«كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْهَدْيَ كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْعِلْمَ»قَالَ: وَبَعَثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا فَنَظَرَ كَيْفَ هَدْيُ الْقَاسِمِ وَحَالُهُ "، وقال ابن وهب رحمه الله:"حدثني مالك أن ابن سيرين كان قد ثقل ، وتخلف عن الحج ، فكان يأمر من يحج أن ينظر إلى هدي القاسم ، ولبوسه ، وناحيته ، فيبلغونه  ذلك ، فيقتدي بالقاسم "  .

وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله: " روى أبو الحسين بن المنادى بسنده إلى الحسين بن إسماعيل قال : سمعت أبي يقول : " كنا نجتمع في مجلس الإمام أحمد زهاء على خمسة آلاف أو يزيدون ، أقل من خمسمائة يكتبون ، والباقي يتعلمون منه حُسن الأدب ، وحسن السمت" .

ما كتبت ما كتبت    للتعريض  بصاحبها،  أو قصد التشهير   ،  رغم مضي سنوات  لحصولها،  ولكني كتبتها لحاجة أبنائي وبناتي لمثل هذه  الدروس تقويما للعثرات، فلا أحد يسلم من المساقط ، نفعني الله وأبنائي.

وسوم: العدد 1068