الأرضُ الطَّهورُ

(حبُّ الأوطان من الإيمان): ليس حديثاً نبويَّاً شريفاً، وإنَّما هو حديث الفطرة البشرية السليمة والجِبلَّة الإنسانية غير المعوجَّة. ولا جَرَمَ أن من يتفانى دفاعاً عن أرضه فهو إنسان منتمٍ إليها، وأي أرضٍ أحق في الدفاع عن تُربها الطهور من بيت المقدس وأكنافه؟

وليست الأرض مجرد حفنة تراب؛ فالتراب موفور في كل مكان، ولكنه انتماء إلى الطينة التي برأ المولى منها الخلق، والأرض رمزٌ للعزة والكرامة والثبات. وإذا كانت الحيوانات تدافع عن أرض نفوذها فأية إنسانية في عروق الإنسان إن لم هو يدافع عن أرضه؟!

وما خنع عن استرداد أرضه السليبة إلا ذليل ممتهَنٌ؛ " ...قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ ..." البقرة / 246. والله عزَّ وجلَّ قد أذن للذين ظلموا بإخراجهم من أرضهم أن ينتصروا لها: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) "/ الحج.

لذا فاليوم لا يماري في جهاد أرض فلسطين وأي أرض سليبة إلا من طينتُه ليست من حمأ مسنون، ولربما كانت من نار الجحيم، ولا يلوم أهل غزة البواسل في تصديهم لليهود مع من ساندهم من غرب وشرق إلا ممتهن للكرامة الإنسانية الطهور.

والأرض ليست ملكا لهم، ولا لنا، إنما هي ملك الواحد القهار يهبها من يشاء؛ " ...إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ / (128) / الأعراف. وأما الأرض الحق فهي التي سيورثها الله عباده المتقين يوم القيامة: " وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)/ الزمر. فمن فرَّط في أرض المتقين في الدنيا فلن يرث أرض الآخرة يوم القيامة. والأرض والعِرض توأمان سياميان، وجزءان لا يفترقان.

ويوم الثلاثين من آذار هو رمز للانتماء إلى أرض بيت المقدس وأكنافه مما بارك الله تعالى في شامنا الطهور، وحب القدس من الإيمان، والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام... رضي من رضي، وسخط من سخط.

أخرج الإمام الترمذي في سننه/ كتاب المناقب/ باب فضل مكة؛ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-قال: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». لقد جُبلت النفوس البشرية على حبّ المكان الذي نشأت فيه وترعرعت في جنباته، وحفظت في ذاكرتها معالمه وطرقاته، فالوطن ذاكرة الإنسان فيه الآباء والأجداد والأحباب والأصحاب، كما قال فضيلة الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله- «والبشر يأْلَفُون أرضهم على مَا بِهَا، ولو كانت قفراً مستوحَشاً، وحبّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب غنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغْضب له إذا انتقص».

وسوم: العدد 1075