خاطرتان: حول الأسد والربيع العربي

د. محمد أحمد الزعبي

خاطرتان: حول الأسد والربيع العربي

د. محمد أحمد الزعبي

الخاطرة الأولى : حول الحركة التصحيحية المشؤومة لحافظ الأسد ،

بتاريخ 16.11.1970 ، قام وزير الدفاع السوري ،( سيسي سورية )  حافظ الأسد ، بانقلابه العسكري على رفاقه في الحزب والدولة ( حركة 23.02.1966 ) ، حيث أطلق على هذا الانقلاب العسكري اسم " الحركة التصحيحية " ، وقام بزج معظم أعضاء قيادتي حركة 23 شباط ( التي كان هوأبرزأعضائها والمخططين لها )  بمن فيهم رئيس الدولة (الدكتورنورالدين الأتاسي)، ورئيس الوزراء(الدكتور يوسف زعين) ، والقيادي البارزاللواء (صلاح جديد) ، في سجن المزة العسكري ، لمدة قاربت ربع القرن  ، وأدت إلى التصفية الجسدية المتعمدة لكل من نور الدين الأتاسي وصلاح جديد  داخل السجن ، وإلى وفاة العديد من أعضاء القيادة الآخرين بعد خروجهم من السجن بمدد قليلة متفاوتة ( محمد رباح الطويل ، اللواء أحمد سويداني ، السيد محمد عيدعشاوي ، محمد سعيد طالب ) وإلى إصابات بدنية مزمنة للدكتور يوسف زعين ، من جهة أخرى .

 ولعل من المفيد أن نشير هنا ، إلى أن تعتيماً سورياً وعربياً وعالمياً متعمداً قد أحيط بهذا الاعتقال ، بما في ذلك الموت داخل وخارج السجن (!!) . وعلى سبيل المثال ، وكان ذلك في نها ية ثمانينات القرن الماضي .حيث كنت جالساً في قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء ، عندما  دخل إلى القسم ، أحد كبار المسؤولين المصريين في مجال حقوق الإنسان ، ودار حديث طويلبيني وبينه حول دور منظمات المجتمع المدني في الوطن العربي ( كان يصدر مجلة بهذا الإسم ) ، وهنا سألته عن سبب سكوت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في مصر( وهو من أبرز قادتها )  عن اعتقال رئيس الدولة السورية الدكتور الأتاسي منذ 1970 وحتى الآن ، وكان جوابه على سؤالي هو : وهل نور الدين الأتاسي مازال في السجن ؟ (!!!) . ولعلم القارئ الكريم فإن هذا الشخص ، إياه ،هو اليوم من جماعة الفريق    " السيسي " ، أي حافظ أسد مصر العربية .

إن حركة حافظ الأسد "التصحيحية" عام 1970 لم تكن  ــ واقعياًــ سوى الدفاع عن هزيمة جيشه أمام " اسرائيل " عام 1967 واحتلالها لهضبة الجولان ، ولجبل الشيخ ( المطل على دمشق ) ، ولمدينة القنيطرة ، التي تقع على أبواب دمشق ، حيث كان هو وزيرا للدفاع آنذاك ، وبالتالي فهو المسؤول المباشر والأول عن هذه الهزيمة . هذا إضافة إلى الإشكالات السياسية والعسكرية والوطنية المعروفة المتعلقة بالبلاغ العسكري رقم 66 المتعلق بمدينة القنيطرة . لقد خاف حافظ الأسد على نفسه من الآخرين في حركة 23.2.66 ، ولا سيما أن  بينهم العديد من الوطنيين الشرفاء ، فقرر أن يتغدَّى هو بهم قبل أن يتعشَّوا هم به (!!) .

وأرغب أن أشير هنا أيضاً ، إلى أن المرحوم الرئيس هواري بومدين ، قد وصل بعيد أيام من هزيمة حزيران إلى دمشق ، وكانت القيادتان ( القومية والقطرية ) مجتمعتين ، لمناقشة آثار وأبعاد تلك الهزيمة ، وبحضور حافظ الأسد وأحمد سويداني . دخل الرئيس هواري بومدين إلى الاجتماع الذي كان يرأسه الدكتور نور الدين الأتاسي ، وقال للمجتمعين وهو واقف أمامهم ، والذين كنت واحداً منهم ، بكلام مختصر (لاأذكر حرفيته) : إذا لم تحرروا الجولان خلال فترة قصيرة ، فإننا سوف نسقط  جميعاً ، ( ومن الواضح  أن الرئيس بومدين كان يعني  بكلمة جميعاً ، بصورة أساسية ، الأنظمة العربية في مصر والجزائر وسورية  ) .

الخاطرة الثانية : الدول الغربية والربيع العربي ،

لقد كانت هبَّة الربيع العربي ، التي افتتحها الشعب التونسي نهاية عام 2010 ( 17.12.2010 حرق البوعزيزي نفسه، وهو مامثل شرارة ربيع تونس العربي ) ، انفجاراً شعبياً كاملاً ،ضد أنظمة الحكم المستبدة والفاسدة التي نصبها ورعاها وحماها الغرب، منذ الحرب العالمية الأولى ، وذلك لكي  تنوب عنه في حماية مصالحه الاستراتيجية في     " الشرق الأوسط "، ولاسيما النفط ( عصب الصناعة الغربية ) و إسرائيل ( الثكنة العسكرية الغربية في فلسطين ) . لقد كانت الإشكالية التي واجهت الغرب ، في هذه الهبَّة الشعبية ، وشكَّلت له مأزقاً سياسياً وأخلاقياً على المستويين الداخلي والخارجي ، هي رفع الجماهيرالشعبية المنتفضة في كل دول الربيع العربي ، لشعارات الديموقراطية والتعددية والتداولية وحقوق الإنسان ، و التي من المفروض أنها نفس الشعارات التي تمثل بنظر المنتفضين صلب وجوهر القيم والمبادئ السياسية الأورو ـ أمريكية  ، بل والدول الرأسمالية تحديداً . إن هذه الإشكالية انعكست بصورة جلية على الخطاب السياسي والدبلوماسي الغربي ( أمريكا ،أوروبا ،روسيا ) ، وجعلته خطاباً بائساً ، لايعرف ( بضم الياء ) رأسه من ذنبه ، ولا صحيحه من كذبه ، وأصبح البحث عن مخارج تحفظ ماء الوجه ، وتوقف مد الربيع العربي ، وتعيد المياه إلى مرحلة ماقبل الربيع ( مع بعض التعديلات ) ، هو الشغل الشاغل لوزارات الخارجية وخبرائها في هذه الدول . هذا ولم تكن تلك الاجتماعات الدورية لما بات معروفاً بـمجموعة  " أصدقاء سورية " ، وتقديم دعم رفع العتب ( وخاصة الكلامي منه ) إلى المعارضة السورية  من بعض الدول العربية والأجنبية ( مقابل الدعم العسكري والمادي الحقيقين ، اللذين كانا يقدما إلى نظام بشار الأسد ، من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني )، والضغط المتواصل عليها ( المعارضة ) لسوقها إلى جنيف ، والاتفاق الكيماوي الروسي الأمريكي في موسكو ( بعد تجاوز بشار الأسد لخطوط أوباما الحمراء يوم 21.08.2013 ) ،  وزيارات أشتون المتكررة إلى القاهرة  ، وتقاسم الأدوار بين روسيا وأوربا وأمريكا  ( وبعض الدول العربية والإقليمية ) في عملية احتواء ثورات الربيع العربي، وعلى رأسها ثورتا مصر وسورية (جارتا إسرائيل) ، وزيارة وزيرخارجية أمريكا لمصر في (3.11.13 ) ، و وزيري خارجية ودفاع روسيا هذا اليوم  ( 14.11.2013 )  أقول لم يكن كل هذا ، سوى بعضاً  من هذه المحاولات التي تسعى إلى احتواء ثورات الربيع العربي ، بأقل الخسائر الممكنة  . إنها ، من وجهة نظرنا ، محاولات عبثية فاشلة ، سوف ترجح فيها الخسائرعلى الأرباح ، و يزيد ماتفضحه على ما تستره ، فلقد كسر الشعب حاجز الخوف ، ولم يعد لديه مايخسره ، سوى قيود أ نظمة سايكس ـ بيكو ، وأكاذيب الدول الكبرى ! .

إن زيارة وزيري خارجية ودفاع روسيا ( اليوم ) لاتخرج ــ حسب رؤيتنا ــ عما أشرنا إليه أعلاه ، من سياسة تقسيم الأدوار بين الدول الحامية لإسرائيل، وحواشيها من العرب والعجم ، والتي تعتبر، في جانب منها ، استنساخاً لصفقة الحل الكيماوي السوري، الذي كان العنوان الأبرزفيها  " بقاء النظام ( بشار الأسد أو مايعادله ) مقابل إنهاء الصراع مع إسرائيل والتطبيع معها ".  إن ماتريده روسيا من السيسي ، هوليس أكثر من احترام اتفاقية كامبديفيد ، وعدم المساس بها ، وقطع لسان و/ أو يد و/ أو رقبة  كل من تخول له نفسه اللعب بها . وإذن ، فإن العنوان الأبرزلهذه الصفقة  الروسية ـ السيسية هو أيضاً ، وكما تشير معطياتها السياسية الطافية على السطح ، "  بقاء النظام ( السيسي أو مايعادله ) مقابل استمرارالتطبيع مع إسرائيل  " ، وهو مايعني عملياً،العودة إلى سياسة حسني مبارك ، ماقبل 25.يناير 2011 ، ولا سيما مايتعلق بـ " إغلاق معبررفح "، واحتضان سلطة أبي مازن الفلسطينية .

 ( انتهى )