همسات القمر (9)

خديجة وليد قاسم ( إكليل الغار )

* عندما يرتدي أحدهم نظارته السوداء ، ثم يقسم وهو ينظر إليك أنك قاتم الملامح والمعالم

و عندما تحاول إقناعه بخلع نظارته فيأبى إلا تمسكا بها و تشبثا بجوانبها المهترئة

لا تملك إلا أن تصمت .. لأن الصمت هنا أبلغ .

* أيتها الشمس السائرة إلى رحلة الاختفاء .. كم تودعين في قلوبنا دفئا و أنت تودعيننا ، و كم تشعلين في قلوبنا الإرادة والأمل ، وأنت ترسلين لنا أولى قبلاتك الصباحية .. يا شمسنا.. ما أروعك .

* عندما يصبح البوح نوعا من الابتذال ..

و عندما تتراكم الكلمات والحروف لتشكل ألف سؤال و سؤال

و عندما تعجز النفس أن تستشف ما وراء المقال

و عندما يصبح الكلام دربا من دروب مغلقة لا تؤدي إلا إلى المحال

عندها ... لا نملك إلا أن نخفض رؤوسنا ..و نستدعي صمتنا .. ففيه نداري ألمنا و عجزنا

* أيا بحر السراب.. كم من حلم ابتلعته في جوفك و أبدلت صاحبه نارا تستعر

و كم من أمنية غضة تعانق خيالنا .. أنشبت فيها مخالبك بكل قسوة و مكر

و كم من فضاءات أطلقنا فيها عناننا .. فاستوليت عليها بكثير غدر ..

تلاشى أيها البحر و دعنا نعانق بدلا منك ضياء الفجر .. فقد طال الأسر .. و مل من صبرنا الصبر .

* هذي الأعاجم طوّقتنا قيدها .. فمتى سنرفع راية الأمجاد

    لنرد غدرهمُ بسيف بطولة .. و نعيد فينا سيرة الأجداد

* على رمل شاطئك يا بحر ، أرسيت مركبي ، وقفت كثيرا ، انتظرت طويلا ، راقبت شمسا تتولد من فضائك الرحب ، عانقت خيوطها لتنشر في روحي دفئا أفتقده .. طال انتظاري ومل اصطباري .. عدت أجرجر أذيال خيبتي مع قليل من أمل بيوم آخر يحمل في طياته النور الأكيد .

* ما أصعب الانتظار على قارعة النسيان .. فهناك لن تجد غير الهجر و النكران

* كنسمة صباح لا تطيل البقاء .. يتلاشون من حولنا ينتزعون آمال اللقاء .. هم يذهبون ، ونحن نبقى في بوتقة العناء .

* عندما ترتسم أحاديثنا بأقلام باهتة .. سرعان ما تمحوها صروف الأيام

لكنها عندما ترتسم من دفء قلوبنا .. ومكنونات مشاعرنا و أحاسيسنا ،، تصبح عصية على النسيان والنكران

* الوهم ما هو إلا فكرة غير صائبة و غير حقيقة ..تنشب مخالبها في عقولنا و تفكيرنا .. كمثل قطعة صغيرة من الثلج

لا تلبث أن تكبر و تكبر ، كلما تدحرجت أكثر و أكثر ..

و كلما أمعنا نظرنا فيها يهولنا عظم حجمها و ضخامة منظرها .. حتى تصبح في نظرنا واقعا لا يقبل الطعن ، أو حقيقة

لا تقبل الشك والجدال .. وما هي في حقيقتها إلا باطل نشأ من خيال

اللهم اجعلنا ممن يحسنون الظن بغيرهم واجعلنا ممن يُحسن الظن بهم .

*كم ذا نضيع في زحمة الأوهام و الأحلام ، نتوه في شوارعها و نتعثر في دروبها ، يدركنا شتاؤها القارس ، فلا نجد ما نتدثر به ، نجوع في خضم انشغالنا ، فلا نغتذي إلا بعض فتات من ذكريات تتساقط في مزالق سيرنا ، نعطش ، فنتوسل غيوم السماء أن تهطل علينا ببعض قطراتها علها تبل الصدى و لو بالقليل ... نسير و نسيييييير .. حتى تتعب أقدامنا ، فتأخذنا إلى زاوية ضيقة نتكوم فيها حول ذواتنا ، نذهل عما حولنا .. نستدعي ذاكرة النسيان .. فلعلنا نشعر و لو باليسير من الأمان

*تنساب مشاعرنا ، تتلاعب بنا عواطفنا ، تلاطمنا أمواج أفكارنا 

نشعر بقوة صراعنا .. و نبقى نحن الحلقة الأضعف في كل ذلك .. نروح يمينا و يسارا ، نرتقي تلالا و جبالا

نبحث عن بارقة من ضياء تعيد أمانا غاب عنا و توارى عن ناظرنا ...

و يا للقسوة ، عندما نعود نجرجر أذيال خيبنا وفشلنا .. 

أهي الحياة تسقينا من آلامها ألوانا ، أم نحن من اتخذ من الحزن عنوانا ؟