إلى نصفي الآخر وقد أصبحتْ عروسًا...

هنادي نصر الله

[email protected]

لم أحتمل أن أرى " نصفي الآخر" واقفةً أمام السبورةِ معاقبة؛ فقلتُ للأستاذ ما أن انتهى الطلبةُ من التصفيق لي بعد أن أجبتُ إجابةً صحيحة على سؤاله..أرجوكْ يا أستاذ " سأفتح كفيّ لتضربني بعصاكَ هذه، واسمحْ لي أن أقفَ أمام السبورةِ بجانبِ صديقتي"...

تفاجأ الأستاذ من طلبي؛ قطعتُ ذهوله بإلحاحي" أو سامحها وأعِدها إلى مقعدها؛ لتجلسَ بجانبي"..

ابتسم أستاذنا؛ وأعلنّ العفو عن صديقةِ طفولتي التي كان يُريد معاقبتها بالوقوف أمام السبورة طوال الحصة؛ كعقابٍ لها لأنها نسيت دفتر الواجب في البيت..

لم أكنْ أحبُ أن أرى صديقتي الغالية حزينة؛ كنتُ أحبها كثيرًا ومازلتْ، أراها بريئةً طفوليةً حتى يومنا هذا، نقاء روحها ينعكسُ تلقائيًا على ملامح وجهها جاذبية؛ حيثُ تنجذبُ إليها كل الفتيات اللواتي أعرِفهنّ عليها؛ فيشعرنّ وكأنهن يعرِفْنها من عشرات السنين..

ما أجمل القدر الذي جمعنا منذ الأول الإبتدائي وحتى الثالث الإعدادي؛ كنا نجلس في مقعدنا في السطر الأول؛ كلُ المدرسةِ كانتْ تعرفُ كم نحب بعضنا، فاكهة المدرسةِ وحديثها كنا؛ إن غابتْ سماح حزنتْ هنادي، والعكس صحيح، لم يكنْ لدينا استقلالية في مصروفنا الشخصي؛ كلُ شيءٍ نمتلكه كان مصيره أن نقسمه على اثنتين متشابهتين في كل شيءٍ حتى في الطولِ والشكلِ والشعرِ؛ إذاعة المدرسةِ تعرفنا ثنائي متماثل؛ نغني وننشد الأشعار ونواجه الجماهير بشجاعةٍ لا تخلو من الإبتسامةِ على وجوهنا، لطالما كنا الأوائل المبادرين في كلِ شيءٍ جميل..ولطالما ضحكنا عندما نُسأل عشرات المرات في اليوم" أنتما توأم"..

سبحان الله عندما خلقنا متشابهتين، رغم أننا من " بطنٍ مختلف" حقًا يخلق من الشبه أربعين...

كنا ومازلنا نتسابقُ على تشجيع بعضنا لنرسم صورةً جميلة للصداقةِ الطاهرة؛ فلم تكن صحبتنا حدثٌ عابر، لم تنتهِ بعد انتهاء مصلحةٍ ما؛ كانتْ ومازلتْ مصالحنا مشتركة؛ فأكبر وأعظم مصلحةٍ بيننا أن تُسعد كلٌ منا الأخرى..

بالأمسِ كان حفل زفافِ صديقتي، بل نصفي الآخر، بل توأمي، كما يحلو للهيئة التدريسية المدرسية أن تُسمينا، كان حفلاً مثيرًا لذكرياتنا؛ كنتُ أرى فيها وهي " عروس" كل براءةِ الطفولة؛ براءةٌ لم تكبر ولم تشيخ، بل بقيتْ تشهدُ على جمالِ قلبها وروعةِ أخلاقها..

أجمل عبارةِ رنتْ في أذني من الحاضرات، ما أنقى نية هذه العروس، عبارةٌ كررتها النسوةُ كثيرًا؛ ابتسمت وقلتُ لهن" بكل تأكيدات اللغة العربية.. أجل واللهِ نقية "..

من تجربتي مع صديقة عمري، التي لا صديقة بعدها ولا قبلها مع احترامي لكل الفتيات اللواتي يطمعن في أن تنشأ بيني وبينهن علاقة صداقة، أقول" الصديق وقت الضيق، الصديق لا يتذمر عندما يرى صديقه ناجحًا سعيدًا، الصديق يبذل أغلى ما لديه كي يرى ابتسامه صاحبه، الصديق لا يخدع صديقه، الصديق يقول بكلِ صدقٍ " سعادة صديقي من سعادتي، بل لا معنى لسعادتي إن كان تعيسًا"..

اختبروا أصدقاءكم، وتذكروا المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ..