رسائل إلى شهريار 4

ساكن الروح ومسكنها أنت

زهر البيلسان/ فلسطين

كيف لي أن أهزم جيوشا من الكلمات المصفحة ضد رشقات قلمي؟ وهل أستطيع أن أرد هذا الكمّ من المشاعر المنسكبة كشلال من أعماق روحك العاشقة، تسدد ضرباتك لي بقوة واثقة يا شهريار، لعل ذلك الجليد الذي أحاط بقلبي أن يذوب من وقع كلماتك التي تهدم آخر حصوني ضد مد جحيم وجدك المشتعل نارا تحرقك لتحرقني.

أيّ قوة جبارة وهبتْكَ السماء لتقاتل بكل هذا العنفوان من أجل استعادتي إلى حرم وصالك، وأنت تعلم يقينا أن ذلك مستحيلٌ استحالة العنقاء والغول! كيف لجنون العشق الذي سكنك أن يصور لك كل هذه التصورات الذي تدفع بوقور مثلك خلع كل أرديته المستعارة والوقوف عاريا إلا من صدقه الذي لا يزيده إلا رفعة وكبرياء!

لعل تلك الهلوسات التي أحاطتك في ليالي الشتاء الباردة هيأت إليك طيفي عيانا بقربك يناجيك، يمسد بأنامله الرقيقة على رأسك وبلمسة حانية يرسم محيط وجهك يتحسس ملامحك، لكنه طيف ليس إلا يا شهريار.

"اسمع بعضا من هلوساتي، لا أدري لماذا قلت لك هذا: "النهر يواصل جريانه ولا يعود للوراء" ما انسكب من الإناء مسفوحا لا يمكن لملمته ولا استعادته وإن حدث يصبح مليئا بالشوائب وغير مستساغ تلفظه النفس قبل الجوف .أو إن شئت فاقرأ هذه أيضا:

"ما تحمله لي من محبة أحمله لك وربما يتفوق عليه لكن الكبرياء المجروح ينزف أَنَفَة يتوسل أن لا نهدره أكثر لتبقى مسافة الارتقاء بما يحمله كل منا للآخر حاضرة يا شهريار، ولنسعَ لمد جسور من الاحترام لذاتينا المقموعتين خلف ستار من العوائق لا يمكن إزاحتها إلا لتكشف عورات لا نريد إلا تخبئتها وإخفائها" .

لا أحد يدعي الكمال يا شهريار، فنحن بشر والملائكة وحدها تحمل هذا الطهر وهذا النقاء،
لسنا إلا بشراً نحمل من المتناقضات ما نحمل ومن الأوزار ما يجعلنا نعترف بأننا لسنا منزهين. أعترف أنني خذلتك يوما وإنني لم أكن بمستوى أحلامنا التي حلقنا في سمائها ذات خيال، لكنّ عزاءنا أننا ما زلنا نحمل كل محبة صادقة لا يشوبها حقد أو سخط أو انتقام.

سلام عليك يا صاحب القلب الكبير يا عابق الروح بالطمأنينة التي تسكنك فتمدني بسكينة لن أجدها إلا بين سطورك، التحف كلماتك وأتوسد حروفك النابضة، عاطفة جارفة صادقة، أغمض جفني هادئة مطمئنة وصدى ابتهالاتك للمولى يتردد على مسامعي حتى أسلم روحي لخالقها وأنام .

لا حرمني الله منك ولا من ابتهالاتك يا ساكن الروح التي لم تسكن إلا بوجودك .