ثورة الأحفاد

غرناطة عبد الله الطنطاوي

ثورة الأحفاد

غرناطة عبد الله الطنطاوي

[email protected]

بدأت ثورتنا المباركة بسواعد أطفال درعا الأبطال..

وهمّة شباب تاق إلى الحرية والكرامة المهدورة على امتداد أربعين سنة عجفاء.

ثم امتدت هذه الثورة لتشمل كافة التراب السوري الحر..

فقد حمل جيل اليوم على عاتقه الثأر لأجداده في ثورتهم قبل أكثر من ثلاثين عاماً..

كان بعض هذا الجيل يمثّل شباباً بعيداً عن القيم والأخلاق والمبادئ..

فقد كانت قدوتهم شباب الغرب بكل مساوئه وبعض محاسنه..

فقد كان الشباب في وادٍ وآباؤهم في وادٍ آخر..

فاعتصرت قلوب الآباء حزناً وألماً لحال أولادهم، وبعدهم عن القيم العربية الأصيلة..

إذ رأينا شباباً وقد نكشوا شعورهم كالقنافذ، أو أسدلوا شعورهم كشعور أهل الكهف، وأطالوا أظافرهم، وضيّقوا سراويلهم، وكاد السروال يسقط أرضاً لأن الموضة تتطلب سروالاً ساحلاً يكاد يُظهر العورة أكثر مما يواريها..

والبنات في حيص بيص، فتارة يحلقن حواجبهن ثم يرسمنها رسماً، وتارة يتركن الحواجب كما هي غليظة كحواجب الشباب..

أما الحجاب فحدّث ولا حرج، حجاب ليس بحجاب، بل قطعة قماش تزيّن الوجه وتجمّله، وتُظهره أجمل مما هو عليه، وقد رفعن شعورهن كأسنمة البخت..

يتمشين في الشوارع والأسواق، وقد علت ضحكاتهن، وهن يلاحقن الشباب بعيونهن، بل ويعاكسنه في بعض الأحيان..

وهناك.. وهناك..

وإذا بهذه الثورة المباركة قد قلبت ظهر المجنّ لكل ما كان شائعاً بين الشباب من موضة وسلوك، تعب الغرب في دسّها بين الشباب، وقضى يهود في تجميلها بين شباب المسلين عقوداً عدّة..

فإذا الشاب قد هجر ما كان عليه من اللاّمبالاة، وصار شباباً جديداً متحملاً للمسؤولية، يدافع عن وطنه وعرضه وأهله، وهجر مظاهر الترف والملابس التي تدلّ على شخصية مهزوزة، واستبدلها بثياب تليق بشباب مسلم يحترم نفسه ودينه..

وحمل السلاح وكأنه يحمل غالياً عنده، فتدرب على السلاح فصار ماهراً به، وحمل القرآن في قلبه ويده، فصار ديدنه قراءة القرآن، بعد أن كانت الأغاني الصاخبة تصاحبه في كل مكان..

فقد جاءت ثورة الأحفاد ثورة شاملة لكل أطياف المجتمع وطوائفه وتوجّهاته ومعتقداته ومستوى تعليمه..

شباباً ضخّ دماء الشباب في عروق الشيوخ، فجاءت ثورة عظيمة هدّامة لكل مناحي النظام الأسدي البائد..

لن تكون هناك حرباً أهلية كما يزعمون، لأنها ثورة ضد الظلم وأعوان الظلم فقط، وليست ثورة مجتزئة مهترئة كما يسوّقون لها..

فنعمَ الثورة.. ونعمَ الثوار.. ونعمَ أرضاً مباركة تعيش مخاضاً عسيراً، وستلد بإذن الله أرضاً حرّة تنشر الحرية في كل بقاع الأرض، وتنثر كرامة تمحي ذلّ السنين التي عفا عليها الزمن، وصارت في طيّ النسيان..