قهوة وشعراء وحواجز

قهوة وشعراء وحواجز

صباح الكهوف !

إبراهيم جوهر - القدس

طائرة الاستطلاع يشق صوت مروحتها ومحركها الفضاء والسكون ؛ تطير العصافير مذعورة ، وتفرّ البلابل من أعشاشها . ثمة أمر تراقبه على الداخل الشرقية للجدار الذي يعزل القدس عن امتدادها وأبنائها .

صباح مراقبة الداخلين إلى "الكهف" ؛ لا يسمح بالدخول اليوم ، فالكهف محاصر .

القدس اليوم تبكي وحدتها في حصارها المشدد ، والطائرة العمودية بمحركها المزعج تحكم المراقبة والحصار .

كهف مغلق هي القدس ؛ مساجد الأحياء (تسحب) المصلين وتفرغ (الأقصى) !

بقالات الأحياء القريبة (تسحب) المتسوقين وتفرغ الأسواق !

والقدس تنتحب بكبرياء .

إلى بيت لحم أذهب صباحا ، قبل الثامنة .... هدوء المدينة الملفعه بحزن مكابر ألمسه بيديّ وعينيّ . مدينة وادعة هي بيت لحم ، وآسرة .

(هل أسقط شعوري على المدينة ؟ أم أن ما أراه واقع لا يراه الآخرون ؟!)

لفت انتباهي الفتى بائع القهوة عند المدخل الشمالي تماما بعد أن أتخطى الحاجز  ؛ يحمل إبريقا كبير الحجم وعددا من الفناجين البلاستيكية لزوم القهوة المباعة على الطريق .

بيت لحم لا تبيع القهوة !

القهوة تعيش في روح المدينة ، وذاكرتها ، وفي ذاكرتي الحانية للمدينة ، وجامعتها ، وايامها – أيامي الشبابية !

رفضت شراء القهوة من الفتى . هو قال لي : " بدّي أجهويك يا حج" لكني شكرته متعللا بعدم حاجتي . قلت : شكرا ، احتسيت منذ الصباح أربعة فناجين قهوة ....

آلمتني الطريقة . ألمتني القهوة . ألمتني إهانة القهوة !

القهوة في الفناجين البلاستيكية ليست قهوة !

القهوة على الطريق للتكسب ليست قهوة !

" بدّي أجهويك يا حج" ! لا ، شكرا .

قرأت ما سرّ حزني !! صديقي (محمد خليل عليان) كتب بعدما نفذ صبره عن شاعر بحث عن لقب فلم يجد ! الألقاب جميعها محجوزة ! لم يبق لقب لم يستخدم ...(الفيس) وأدباؤه ظاهرة يجب التوقف عندها . من يقنع كاتبا يهذي أو شاعرة تسرق بأنهما ليسا شاعرين فحلين والألقاب تنهال عليهما ، و(اللايكات) تتوالى بما يفوق (لايكات) محمود درويش !!!

(من هو محمود درويش أمام ظاهرة الانهيار الجديدة ؟! سألني شاب يوم أمس : من هو غسان كنفاني ؟ ...ليتني قلت : اسأل المنهاج المدرسي ووزارة التربية ؟

ها أنا دون قصد ربما أسقط لجان التثقيف التنظيمية من حسابي ! هل عاد هذا المسمى موجودا ؟!)

قهوة الصباح ! الحمد لله أنها تهدئ الأعصاب ، وتنشّط الذاكرة ...