الخاطرة 19: العلاقة ( إمرأة - رجل ) 3

خواطر من الكون المجاور

ز. سانا

في السادسة من العمر إنتقل عمل والدي إلى منطقة تدعى ( عفرين) وهناك سكنت مع عائلتي لمدة عامين تقريبا ،ورغم قصر المدة حدثت هناك أشياء لعبت دورا كبيرا في تكوين طبيعة تفكيري وبحثي إلى اﻷبد. وهذا حسب رأيي لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية، فإسم هذه المنطقة (عفرين ) يسمع وكأنه يتألف من مقطعين (عف - رين) حيث المقطع اﻷول ( عف ) يسمع وكانه ( عفة ) أما المقطع الثاني ( رين ) فيسمع وكأنه كلمة يونانية ومعناها ( سلام ). فكلمة (عف - رين ) كان رمز للعلاقة ( العفة - السلام ). وهذا اﻹسم نفسه كان كذلك إسم المدرسة اﻹبتدائية التي إلتحقت بها ﻷتعلم فيها ولأول المرة الحروف واﻷرقام. وهكذا شاءت اﻷقدار أن تكون جميع نشاطاتي الفكرية منذ ذلك الوقت وحتى اﻵن تتعلق في موضوع العلاقة (العفة – السلام). 

في هذه المنطقة كان يمر منها نهر له نفس إسم المنطقة (عفرين) فحدث ذات يوم أن أصدقاء أخي الكبير ذهبوا إلى النهر للسباحة فأراد أخي أن يلحق بهم ليسبح معهم فأخذني معه دون علم أهلي ﻷنتبه على ثيابه من أن يسرقها أحد فينكشف أمره للأهل. وهناك بينما ذهب أخي يسبح مع أصدقائه جلست أنا على الضفة أراقب ما يحدث حولي. كان هناك أشخاص آخرين بمختلف اﻷعمار ، وما لفت نظري رجل أتى بعدنا بدقائق يبدو أنه يمارس رياضة كمال أجسام فعندما خلع قميصه رأيت عضلات يده وكتفه وصدره كانت فعلا مفتولة و كبيرة وتعبر عن قوة جسدية وأعتقد بأنها كانت المرة اﻷولى في حياتي أرى عضلات رجل يمارس تمارين كمال الأجسام. ويبدو أنه لم يأتي للسباحة ولكن ليعرض عضلاته على اﻵخرين ويفخر بها، فرأيته يدهن جسمه بالزيت ليلمع وليجذب الأنظار إليه ثم راح يقوم بتمارين ضغط لتنتفخ عضلاته. ولكن معظم الموجودين كانوا يسبحون ويذهبون إلى الضفة اﻷخرى فلم ينتبه إليه أحد. وبقي لوحده يتابع تمارينه. 

شيئا آخر في مياه النهر لفت إنتباهي ، وهو وجود منطقة شبه دائرية بقطر متر ونصف تقريبا، الماء فيها يأخذ اللون اﻷخضر مختلف عن لون بقية المناطق ، في البداية ظننت أن سبب إختلاف اللون هو شدة عمقها بالنسبة للمناطق اﻷخرى، ولكنني رأيت شابا يدخل الماء ويسير داخل هذه المنطقة بدون أن يغور مستوى جسمه فيها أكثر ، وأوحى لي هذا بأنها بنفس العمق ، شدة الفضول بداخلي لمعرفة ظهور اللون اﻷخضر في تلك المنطقة دفعني أن أخلع قميصي وحذائي وأن أدخل الماء ﻷرى عن قرب سبب إختلاف اللون وعندما رأيت أخي في الطرف اﻷخر من النهر مشغولا مع أصدقائه دخلت الماء وعندما وصلت إلى البقعة الخضراء لم أرى شيئا غريب يسبب إختلاف اللون فيها فحاولت أن أدخل فيها ولكن ما أن قمت بخطوة واحدة لم أدري ماذا حصل فقد شعرت وكأن رجلي لا تطأ القاع وكأنه لا يوجد قاع فوجدت نفسي أغور في الماء إلى قمة رأسي فخرجت منها مذعورا وعدت إلى مكاني دون أن أفهم ما حدث. بعد دقائق رأيت طفلا أطول مني بقليل يسير في الماء ويقف ضمن المنطقة الخضراء وينادي على صديقه دون أن يختلف مستوى العمق هناك. وهذا ما أكد لي بأن العمق في تلك المنطقة لا يتجاوز إرتفاع صدري. فعاد إلي الشعور بالفضول لمعرفة سبب إختلاف اللون هناك. فدخلت الماء وأنا مصر على الوقوف في مركز المنطقة الخضراء. ولكن ما أن خطوت أول خطوة في هذه البقعة الخضراء حتى شعرت للمرة الثانية بان قدمي لا تطأ القاع ولكن بسبب إصراري رأيت نفسي أتابع الخطوة من قدمي اﻷخرى فرأيت نفسي معلقا في الماء وﻷنها كانت المرة اﻷولى التي أتواجد بها داخل الماء ولم يكن لدي أي علم عن السباحة وربما أيضا بسبب إرتباكي المفاجئ وبدلا من أن أستخدم يداي وأرجلي ﻷخرج نفسي من الماء حاولت جاهدا أن أعود إلى الوقوف منتصبا لتطأ أقدامي القاع وأخرج من الماء سيرا على اﻷقدام، ولكن جميع محاولاتي لم تفلح ومن خوفي أردت أن أصرخ لينقذني أحد من الكبار الموجودين ولكن عدم رغبتي بأن يرى أخي أنني لم أسمع كلامه وأنني نزلت إلى الماء وكذلك ربما أيضا عدم إحساسي بشعور الغرق جعلني أثق بنفسي وبأنني أستطيع الخروج من الماء بمفردي ، وأعدت المحاولة من جديد ﻷستطيع الوقوف ثانية على قدمي. وفجأة رأيت نفسي وقد أخذني التيار معه بعيدا عن مكان السباحة وكان كلما إبتعدت عن ذلك المكان كلما كانت قوة التيار تزداد، عندها رغم أني لم أصل إلى مرحلة الشعور بالغرق وإبتلاع شيئا من الماء شعرت بنوع من الخوف وتهيأ لي بأنني في طريقي إلى الغرق، و للحظة مرت في ذهني صورة أمي وهي تسمع أن إبنها جرفه التيار وغرق. في تلك اللحظة سمعت صرخة نسائية " طفل يغرق " ورأيت فتاة تركض باتجاهي، لا أدري ماذا حصل في تلك اللحظة وكأن صرخة هذه الفتاة جعلتني أستعيد وعيي الكامل فرأيت نفسي و بدلا من فكرة البحث عن القاع ﻷقف على أرجلي ، رحت أضرب بيداي وأرجلي الماء فوصلت إلى الضفة وكانت الفتاة قد وصلت فأمسكت بيدي وسحبتني خارج الماء، كان وجهها شاحبا من شدة الذعر فراحت تعاتبني وتسألني بحدة وبصوت مرتجف كيف أتيت لوحدي إلى النهر فأخبرتها بأنني مع أخي الكبير ، في تلك اللحظة وصلت صديقتها أيضا ومن نظراتها لي شعرت وكأن شيئا ما في وجهي قد أعجبها وسألتني عن أهلي فأخبرتها وتوسلت إليها ألا تخبرهم بشيء لأنني لن أفعلها ثانية، ويبدو أنهما قد ظنتا بأنني أعرف السباحة ولم تعلمان بالحقيقة بأن تيار أخذني معه غصبا عني وأنا لم أذكر لهما شيئا وفضلت أن تبقى اﻷمور على ماهي. وأخبرتهما أنني أتيت مع أخي الكبير وهو يسبح هناك مع اﻵخرين فتركوني أعود إلى مكاني ولحسن الحظ أن أخي لم ينتبه إلى كل ماحصل فلبست الثياب وجلست أفكر بما حصل. بعد لحظات سمعت صبيا يقول لصديقه (يا لطيف أنظر إلى عضلاته ) فنظرت إلى مكان الرجل كمال الاجسام فرأيته ينفخ صدره فخورا لما سمع عن عضلاته دون أن يشعرهم بأنه سمع مديحهم له ثم أخذ صخرة وراح يرفعها ليظهر قوته لهم ،في تلك اللحظة كل إعجابي السابق به ذهب وتهيأ لي بغروره هذا وكأنه أبله. 

بعد عدة أيام من هذه الحادثة كنت مع أخوتي وأولاد الجيران نلعب في الشارع أمام البيت، فسمعت جارتنا تناديني لأذهب معها ومع أمي، ولكن أمي نظرت إليها بدهشة كبيرة وقالت لها وهي تشير إلي (هذا ؟!! ولكنه كبير ) لم أفهم ماقصدته أمي ،ولكن جارتنا أصرت بأنني أنا هو المطلوب ويجب أن تأخذاني معهما ولكن أمي عادت تقول عبارتها اﻷولى بدهشة أكبر ( كيف سنأخذه معنا إنه كبير ) وتابعت كلامها (ربما يقصدون اﻵخر ) وأشارت إلى أخي اﻷصغر مني بعامين، ولكن جارتنا أصرت على رأيها، ثم صرخت ﻷخي الصغير وقالت ﻷمي (حسنا سنأخذه هو الاخر معنا ) وذهبنا. إستغربت اﻷمر كثيرا فجارتنا لها إبن بعمري وآخر أكبر مني قليلا فلماذا لم تأخذ أحد منهما ولماذا أنا بالذات ؟ 

بعد قليل رأيت أننا نسير بإتجاه حمام المنطقة ، في البداية لم أصدق بأننا نذهب إلى الحمام ولكن عندما وصلنا إلى المدخل عندها علمت قصد أمي عندما قالت عني ( كبير ) فحقا كان عمري كبير ﻷدخل حمام النساء، فتوقفت ونظرت إلى أمي لعلها تساعدني في عدم دخول الحمام، ولكن جارتنا فهمت ما خطر على بالي فأمسكت بيدي لتمنعني من الهروب ودخلنا الحمام ، ويبدو أن النساء في الحمام كن بإنتظارنا فما أن رأونا ندخل حتى سمعت فتاة تقول ( لقد أتوا به) والتف حولنا معظم النساء هناك ورغم خجلي الشديد لمحت بينهن تلك الفتاة التي ساعدتني في الخروج من النهر، عندها فهمت بأنها ربما قد أخبرت أشياء جميلة عني لبقية النساء فأردنا أن يرين هذا الطفل بتلك المواصفات التي سمعوها. ورأيت واحدة منهن تأخذني من أمي وتقول لها نحن سنحممه ولكن أمي رفضت وقالت لهن بأنها هي ستحممني ومن ثم سيأخذوني ، فدخلت مع أمي وأخي الصغير غرفة الدوش . بينما بقية النساء وقفن خارج الغرفة ينتظرن. وما ان إنتهيت من الحمام لفت أمي جسمي بمنشفة كبيرة وقالت لهم ( اﻵن تستطيعون أخذه)، فحملتني إحداهن وكأنها تحمل طفل رضيع وأخذتني ووضعتني على حافة جرن كبير يخرج منه بخار كثيف. ومن حولي اجتمعت معظم نساء الحمام. وراحت كل واحدة منهن تمازحني بسؤال وكانت إجاباتي تبعث فيهم الضحك وتجعلهم يضمونني إلى صدرهن بحنان مع قبلة على رأسي أو خدي وبعضهن جلبن لي بعض القطع من الفواكه ،وأخرى أتت لي بصحن تبولة ورحن تطعمني بأيديهن. 

كنت أشعر من نظراتهن لي وكأن أشعة دافئة تخرج من عيونهن لتداعب بشرة جسدي بأكمله، وكأن موجات نبرة صوتهن الناعم تهمس في إذني ولمسات أناملهن الحنونة تداعب رأسي وربما شعوري بالخجل الشديد أيضا، جعل من إتحاد جميع هذه اﻷحاسيس ان أشعر وكأني أعيش لحظات حلم في مكان ما في الجنة وحولي ملائكة تحاول أن تعتني بي لتحقق لي أجمل ما تتمناه روحي. 

كان الحمام أيضا مركز تجميل على مستوى شعبي بسيط، فكانت هناك إمرأة مختصة بقص الشعر وصبغه بالحناء، والثانية مختصة بعناية اﻷظافر. وأخرى في ذلك الوقت لم أفهم ما تفعله فقد رأيتها تضع عجينة بلون العسل وتمدها على ساق فتاة شابة ثم تشدها بشكل فجائي.، ولأنني لم أفهم ما عمل تلك المرأة حاولت أن أتمعن أكثر فيما تفعله فلاحظت الفتاة الشابة أنني أنظر إلى ساقيها فهزت لي رأسها وكأنها تقول لي بأنها كشفتني انظر إلى ساقيها العاريتين فأخفضت ببصري خجلا ولم أعد أنظر إليها ثانية. وبعد قليل عندما إنتهت نهضت الفتاة الشابة لتذهب إلى غرفة الحمام لتستحم ويبدو انها رأتني أنظر إلى ساقيها ﻷفهم ماذا فعلت المرأة اﻷخرى بها، وعندما وصلت إلى باب غرفة الحمام إلتفت إلى الوراء ونظرت حولها وعندما رأت أن لا أحد ينظر إليها فتحت المنشفة فظهر جسدها عاريا تماما أمام عيني من أخمص قدميها إلى قمة رأسها ثم فقعت ضاحكة ودخلت مباشرة الحمام وأغلقت الستار خلفها.

ما حدث في حمام النساء ذلك اليوم ظل مطبوعا في أعماق ذاكرتي كلحظات عشتها في حلم لتلعب دور كبير في تشكيل منطق جديد أساسه المرأة في إدراك اﻷشياء واﻷحداث لأعتمد عليه كقاعدة تحدد سلوكي العام وطبيعة نشاطي الفكري ، في تلك اللحظات التي عشتها في الحمام رأيت في وجوه النساء وخاصة الشابات منهن شيئا كنت رأيته من قبل ولكن لم أفهم معناه بشكل واضح ،شيئا عندما تشعر به المرأة يجعل وجهها وكأنه يخرج منه نورا أو كأنها في تلك اللحظة تصل إلى أرقى أنواع التضرع إلى الله عز وجل، هذا الشعور أو هذا الحلم الذي هو بالنسبة لها ربما أعظم أهداف حياتها وأسباب وجودها في الكون، معنى هذا الهدف في تلك اللحظات لم أشعر به فقط من خلال النظرات ولكن سمعته هذه المرة بكلمات وذلك عندما ضمتني إحداهن إلى صدرها وقبلتني قائلة ( ربي إرزقني طفلا طيبا مثله).

لم يكن الجمال هو الشيء الذي كانت تحلم الفتيات لأبنائهن، فالجمال اليوم عدا أنه أصبح شيء نسبي يختلف من شخص إلى آخر ومن شعب إلى شعب ،فهو أيضا تحول إلى صفات مادية خالية من الروح. بالنسبة لي في تلك الفترة الزمنية كان المقصود به روحيا ، كنت أرى في وجه الفتيات تعابير أسمى بكثير من كلمة جميل، وسيم، حلو ، لذلك كان أكثر ما يؤثر بهن هي طبيعة خجلي وردود فعلي على سلوكهن معي وكذلك نوعية إجاباتي على أسئلتهن، فكنت أشعر وكأنهن يرين طيبة تلك الروح التي تكمن في داخلي أكثر بكثير من شكلي الخارجي ، هذه الطيبة كن يحلمن بها لأبنائهن ، وربما صورة وجههن وهن ينظرن إلي ويحلمن بها هي التي ساعدتني بأن أحتفظ بتلك الصفات الروحية طوال حياتي وأبذل كل جهدي لتبقى هذه الصفات بأسمى أشكالها في جميع اﻷطفال لتشعر كل إمرأة وهي ترى طفلها أن حلمها في إنجاب روح طيبة في هذا المجتمع قد تحقق. شيئ آخر ظل في أعماق ذاكرتي هو شكل تلك الفتاة العارية تماما. لا أدري ما الذي دفعها لتفعل ذلك، فأكثر اللواتي التفتن حولي في الحمام كن شابات وربما لسن متزوجات وجميعهن لففن جسدهن العاري بمنشفة كبيرة تكشف أكتافهن وأيديهن من اﻷعلى وسيقانهن من اﻷسفل ،ويبدو أن القدر - ربما لست أدري - قد أراد لي أن أرى جسد إمرأة عارية تماما ، فإختار أجملهن ﻷرى فيها جمال تناسق اﻷبعاد ليبقى في عقلي ﻷقوم بمقارنته مع شكل جسم ذلك الرجل في النهر الذي كان يفخر بعضلاته. هذه المقارنة التي بدأت من تلك اﻷيام وإستمرت مع مرور الزمن ومع إكتسابي معلومات ثقافية أكثر كنت أنتقل إلى مستوى أرقى في المقارنة ،والذي شيئا فشيء جعلني أدرك لماذا إختار الله جسد المرأة وليس الرجل لتأتي منه روح جديدة إلى هذه الدنيا ، ولماذا توفي والد الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ولادته ليبقى مع أمه فقط. ولماذا تقول الآية القرآنية عن الرسول ( ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم...) ، ولماذا عيسى عليه السلام الذي أعطاه الله القدرة على إحياء الموتى ،ولد من أم دون أن يكون للرجل أي دور في ولادته، ولماذا موسى عليه الصلاة والسلام إنتشلته إمرأة من نهر النيل لتربيه هي وليس رجل، ولماذا كتب التوراة تذكر أن جميع أسماء اﻷنبياء اﻷولين ( إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف ، بنيامين ، موسى. ..) هي أسماء وضعتها أمهاتهم وليس آبائهم ،بينما نرى أن الكتب المقدسة تذكر أن الله فضل آدم على الملائكة فعلمه هو فقط اﻷسماء. 

لماذا جميع هذه اﻷحداث لم يهتم بها علماء الدين بل راحوا وأعطوا أهمية فقط لمعنى اﻵية القرآنية ( الرجال قوامون على النساء.... ) والتي يوجد مثلها أيضا في اﻹنجيل والتوراة فأخذوها بمعناها الحرفي ليجعلوا من المرأة كائن ساذج مجبر بأن تنفذ كل ما يأمر به الرجل وكأنها عبدة وليست زوجة بحجة أنها أقل منه في كل شيء، هذه اﻵية والتي للأسف بسبب سوء فهمها دفع الكثير من المثقفين في الغرب إلى هجر الدين ﻷنها حسب رأيهم غير عادلة وتأتي بتناقض كامل مع قوانين الطبيعة، ولكن من يبحث بعمق في معاني آيات الكتب المقدسة يجد أن هذه اﻵية أيضا تأتي مناقضة ﻵيات هذه الكتب وأيضا تناقض أحداث قصص اﻷنبياء، ولكن في الحقيقة من يتمعن في مضمون اﻵية لا يجد اي تناقض ﻷن معنى الآية يختلف من عصر إلى عصر لتلائم جميع العصور كما يذكر الحديث الشريف ( الله يبعث لهذه اﻷمة على راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) .(موضوع تفسير اﻵية "الرجال قوامون على النساء " موضوع طويل ويحتاج إلى قاعدة ثقافية متكاملة لفهمها، لذلك سنحاول إن شاء الله العودة إلى هذا الموضوع في خاطرة مقبلة بعد أن نكون قد تكلمنا عن أفكار هامة تسهل علينا فهم مضمون هذه اﻵية )

بالنسبة لحادثة النهر فكأنها كانت تصف لي صفات الرجل ككائن حي متمثلا بذلك الرجل الذي كان يشغل فكره شيئا واحد فقط وهو أن يرى الناس عضلاته ، فإذا حذفنا من الرجل جميع المميزات الحسنة التي إكتسبها من المرأة فسيكون تماما مثل ذلك الرجل ، فيه صفة ضعف الشعور باﻵخرين ، فهو رغم بقائي بقربه أكثر من ساعة من الزمن لم ينتبه إلى وجودي إلا فقط في البداية عندما رآني أنظر إليه مندهشا بعضلاته ، وتهيأ لي بأن كل هذه القوة الجسدية التي يملكها كانت من أجل نفسه وليس من أجل اﻵخرين لذلك لم ينتبه نهائيا لغيابي ولم يتساءل أين ذهب هذا الطفل الصغير فجأة ، هل هو بخير ؟ هل أصابه مكروه ؟ هل غرق ؟ .... هذا الرجل كان رمزا لجميع الرجال بشكل عام ، رمز له معنى بأن الرجل ككائن حي هو كائن مادي فقير روحيا، ﻷن النمو الروحي في اﻹنسان هو الذي يجعله يشعر أكثر بما يحدث وما يعاني به اﻵخرين.

نساء الحمام والتي عبرت عنهن بوجهها تلك الفتاة التي اخذتني من النهر وبجسدها تلك الفتاة التي كشفت لي عن جسدها في الحمام كن بالنسبة لي رمزا للمرأة بشكل عام . فهي رغم صغر حجم جسدها ونعومته لكنها تملك قوة ذات نوعية أفضل من قوة الرجل ، قوة روحية مفيدة للجميع . ففتاة النهر رغم أنها كانت بعيدة عن النهر إستطاعت رؤية طفل يجرفه تيار الماء فركضت نحوه، ورغم أنها لم تكن تجيد السباحة كانت على وشك أن ترمي بنفسها في الماء لتنقذه، هذا الشعور الذي نسميه عاطفة اﻷمومة ظهر فيها فجأة رغم أني لم أكن طفلها. هذا اﻹحساس رأيته وشعرت به بكامل معناه في صوتها وفزعها وشحوب لون وجهها عندما أمسكت بيدي لتخرجني من الماء. فربما عقلي اليوم لا يذكر شيئا عن تقاطيع وملامح وجه تلك الفتاة ولكن روحي لن تنسى أبدا شدة فزعها وقلقها ورجفة يدها ، فما رأته روحي في تلك اللحظات جعلتني أراقب سلوكي طوال حياتي ﻷمنع نفسي أن أفعل أي شيء يؤذي نفسي فترتسم جميع هذه المشاعر على وجه من يحبني وخاصة أمي. وما كنت أتمناه لنفسي كنت أتمناه لغيري لذلك كنت أحاول بكل جهدي مساعدة اﻵخرين وعدم إيذائهم ربما ليس من أجلهم ولكن من أجل أن لاترتسم تلك المشاعر على وجه أمهاتهم. 

اليوم نعيش في عصر قد حقق حلم اﻹنسانية منذ آلاف السنين، فمن خلال اﻹختراعات المختلفة إستطاعت اﻹنسانية أن تلغي ذلك الفرق في القوة الجسدية التي كان يتباها بها الرجل على المرأة ليجعلها تشعر أنها كائن ضعيف أقل منه في جميع اﻷشياء ،فاليوم توجد آﻻت ميكانيكية وبواسطة لمسة أصبع تستطيع رفع أثقال مئات أضعاف ما يستطيع رفعه أقوى رجل ، ومعظم المهن التي تحقق إحتياجات المجتمع لم تعد تحتاج إلى قوة جسدية ، ولكن قوة فكرية يمكن إكتسابها من المعاهد والجامعات ، مهن كثيرة منها يمكن للمرأة أن تبدع فيها أكثر من الرجل. فنحن اليوم نعيش في عصرتحتاج فيه اﻹنسانية إلى نوع جديد من المنهج العلمي ،منهج ذو منطق جديد يعتمد على اﻹدراك الروحي ، وهذا النوع من اﻹدراك هو عند المرأة أقوى بكثير من الرجل. وهذه الفكرة بالذات كان ما يجب علي إثبات صحتها من خلال أبحاثي والتي بدأت تشغل فكري منذ تلك اﻷيام،

للأسف الظروف التي تعيش فيها المرأة اليوم وبسبب إعتماد المنهج العلمي المادي في التعليم والذي أدى إلى إنحطاط روحي عام في جميع المجالات وخاصة في مجتمعات الدول الغربية، هذا اﻹنحطاط جعل معظم النساء المثقفات يخسرن شيئا من إنوثتهن وسلوكن كإمرأة ودفعتهن في كثير من اﻷحيان إلى تقليد الرجل سواء كسلوك أو كطريقة تفكير، وهذا أدى بدوره إلى عدم فهم شدة الفرق بين الرجل والمرأة، فالله عز وجل خلق اﻹثنين بشكل أن يكمل الواحد عيوب اﻵخر ،فاﻹنسان ( آدم اﻷول ) كان في البداية كائن واحد ثم إنقسم إلى كائنين رجل وإمرأة ( آدم وحواء) كل كائن أخذ نصف مميزات ( آدم اﻷول).وبوجودهما وتعايشهما معا بشكل صحيح يتحولان إلى كائن واحد فيه جميع المميزات ، فتطور اﻹنسانية في العصور الماضية كان يتطلب مميزات الرجل ولكن اﻵن وقد أعطى الرجل كل ماعنده ، اﻹنسانية أصبحت بحاجة إلى مميزات كائن المرأة ﻷن ميزة التوحيد هي ميزة إنثوية وبدون تدخل المرأة كإمرأة فإن اﻹنسانية بدلا من ترابطها مع بعضها البعض سيزداد تفككها وستنقسم إلى أجزاء عديدة حيث كل جزء سيكون عدوا للجزء اﻵخر.

رغم محاولة تشويه كائن المرأة في السنوات اﻷخيرة ودفعه ليشابه تماما كائن الرجل في سلوكه ،ولكن ومع ذلك فمن يتمعن في نتائج اﻷبحاث العلمية عن الفروقات بين دماغ الرجل ودماغ المرأة سيشعر مباشرة بأن معظم مشاكل المجتمعات الحديثة هو بسبب منع دماغ المرأة في العمل بحرية كما خلقه الله وليس كما تفرض عليه الظروف اﻹجتماعية. فأهم صفات دماغ المرأة هو أنه يعمل بنوع من الشمولية في كل شيء ،لذلك فهو رغم أنه أصغر حجما من دماغ الرجل ولكن طبيعة عمل الخلايا فيه ذات نوعية أفضل لذلك نجد أن دماغ المرأة أقوى في الذاكرة والحدس وكذلك اﻹستدلال اﻹستقرائي فيه نامي جدا وهذا ما يفتقر إليه عصرنا الحاضر لفهم مضمون اﻷشياء و اﻷحداث وليس فقط قشورها. للأسف طبيعة حياة المرأة التي عاشتها لمدة آلاف السنين والتي فرضت عليها أن تعيش ضمن بيئة صغيرة لا تتعدى جدران بيتها كانت سببا في ضعف خبرتها في العصر الحاضر في التعامل مع اﻷشياء ضمن مكان عملها كإمرأة عاملة عندما خرجت من بيتها لتعمل في مجالات مختلفة. وللأسف بدلا من أن يراعي الرجل هذه المشكلة في المرأة ويساعدها في تخطيها لتكتسب ثقتها بنفسها و لتستطيع القيام بدورها كإمرأة على أكمل وجه ، نجد الكثير من الرجال يستغلون هذه المشكلة ليظهروا للمرأة بأنها كائن ناقص وأن عملها هو فقط تنظيف البيت والطبخ. للأسف مثل هؤلاء الرجال الذين يريدون من المرأة أن تبقى إلى اﻷبد سجينة الشعور بأنها كائن ناقص، لا يعلمون بأن المرأة في مثل هذه الظروف التي صنعوها بأنفسهم حولها لتعمل ضمن ظروف نفسية قاسية لا تسمح لها أن تستخدم جميع خلاياها الدماغية في العمل ولكن قسم منها فقط.ففي كثير من الأحيان يكون ظهور فكرة أن الرجل أفضل من المرأة في أداء عمله ليس بسبب نقص المرأة ككائن حي ولكن بسبب قلة نسبة الخلايا الدماغية التي تستخدمها أثناء قيامها بالعمل. ويوما ما في المستقبل ستكتسب المرأة الخبرة وستستطيع صنع حالة نفسية مريحة تسمح لها تشغيل جميع خلايا دماغها أثناء العمل وعندها كثير من الرجال سيشعرون بان المرأة كائن أرقى بكثير مما يتصورون.

في منطقة عفرين التي كانت رمزا للقانون اﻹلهي ( العفة - السلام )، أقمت فيها مع عائلتي لمدة عامين تقريبا ، وحدثت فيها أشياء أخرى ساعدتني في إكتشاف المميزات الحقيقية لذلك الكائن الذي يدعى إمرأة وكذلك في تحليل رموز صفاته الروحية والتي سنذكرها إن شاء الله في خواطر أخرى لها علاقة بموضوع رمز المرأة في هذا الكون.......

يتبع