مشاعر الرمل!!

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

آه لو وقفت على الرمل، وساءلته عما تعانيه من ألم الشوق المتيبس في ذراته، وحاولت أن تنفذ إلى كلامه المتسرب عبر قيعان الموت، فما عساه أن يقول لك؟

كلام غريب وإحساس عجيب وشوق جميل لتلك المياه المدلوقة أمامه على امتداد البصر في بحر لجي يغشاه بؤس من فوقه بؤس، إذا أخرج قلبه من بين براثنه لا يكاد يحسّ به، شوق جميل لترويَ روحه الوالهة تلك القطرات المستباحة لكل مخلوق ، ومحرومة منها خلايا الرمل العطشى، التي قضت طبيعته أن يظل مشتاقاً ليرتوي، ولكنه سيموت حتف أنفه ولا يظفر بما يبل غلته، فأشد ما لاقاه قلبه قرب تلك القطرات اللؤلؤية التي تصله كل ثانية، لترتد مخلفة حبات الرمل مفتتة تشكو النصب والعطش!!

لعلك تشبهني أيها الرمل بقلبك المنتظر، لعلك أنا أيها الرمل بما تلظى في أحشائك من سقيم البلاء وعظيم الابتلاء الأبدي، لعلك وجدت لتلقاني أنت على شاطئ البحر تحيا طوال عمرك ناظرا بحسرة لماء لا يصل إلى الحلقوم، وأنا قابع على رصيف الانتظار، منتظرا قطارا جاءني ليحملني معه، ومكثت طويلا مجيئه، وعندما اقترب وتوقف قليلا، لم يمهلني حتى أكون الراكب الأخير، فأسرع وتجاوزني، فهل تعود أيها القطار السابح في ذاكرتي والساعي بلا توقف؟

لعلك تعلم ما بي أيها الرمل، وتشعر بي كما أشعر بك، لعل قلبك منفطر لرؤيتي حزينا باكيا ساهما مستغرقا في أحلام يقظتي كل ثانية، متحسرا على حلم تحطم في ثانيتين ودقتين وجملتين وقبلتين، مفتتا منثورا على أرض البوار، يبحث عن قرينه وسميره، ويفتش عن أمانيه التي كانت عِذابا، ليراها وقد تحولت عَذابا طاغيا.

أراك أيها الرمل وقد داستك أقدام المصطافين وقوارب الصيادين، لم يشعروا بما تشعر به، يدوسون عليك جارحين متجاوزين، لا ينظرون إلا إلى البحر على الرغم من أنه مجال موتهم، وسبب شقائهم وديمومة تعبهم الأبدي المتواصل، وأراني أيها الرمل وقد كنت مثلك مع صيادين آخرين ومصطافين متنوعين، اصطادوا فرح القلب، وأخرجوا السمكة من مياهها فرحين بمقتلها على شاطئ الحزن الممتد من القلب الواله إلى القلب القتيل.

أراني وقد أصبحتُ صيدا للمجانين، وملهى للخارجين عن قانون العقل والمنطق، لينعموا بسادية يتقنها الكبار والصغار، فأكون أنا كرة الشاطئ التي بها يلعبون، وقد اتخذوك أيها الرمل ليعبّروا من خلال عنجهيتهم الفارغة عن أليم مشاعرهم في بقائنا أنا وأنت على هامش التفكير بلا اهتمام، فلا تُحَرِّك مشاعرَهم مشاعرُنا التي هدها وأضناها السقم المقيم، فقد أخذ عهدا على قلبي وقلبك ألا يبرحَنا ما دمنا نعاني: أنت لمياه يكوي بردها قدميك كل حين، وأنا الغريب الناظر في الغيم فلا أرى إلا الآفاق السوداء التي تتجمع وتتكدس لتقول لي: ألا انعم بما أنت فيه، فالسقم ثروتك، والحرمان هدفك، والموت مثواك الأخير.

فأينا أكثر عذابا أيها الرمل، أنا الذي لم يعترف بأنه مهزوم بعيون من رحلوا، أم أنت الذي استسلمت لشوق المياه التي لن تحن عليك يوما فتروي ظمأك، لي ولك الله يا صاحب البحر؟!