مصادرة الوعي والعقل

إبراهيم جوهر - القدس

ضباب نديّ غطى الأفق القريب . رائحة رطوبة وحالة لم تألفها الطيور الصباحية ، لذا تأخرت في التكيف معها فأخرت تغريدها .

الطيور حذرة ، حساسة ، لا تثق بغير ما تثق به بعد اقتناع وتأكد وتجريب !

أمامي هذا الصباح برنامجي اليومي الارتجالي المرن ...أشاهد المحطات ، وأراقب ، وأتابع . أبحث عن جديد الثقافة ، والسياسة ، والحياة .

العطلة الصيفية توفر لي إمكانية المتابعة بنوع من الراحة والحرية بعيدا عن برامج الأيام الأخرى .

أمامي مهمة قراءة كتاب ( قزحية اللون ) للكاتبة ( وفاء عياشي – بقاعي ) الذي سيناقش غدا في ندوة اليوم السابع .

قرأت لغة تعبير حارقة أحيانا ، فلسفية أحيانا ، تميل إلى الاستعارة كثيرا . وجدت أسلوبا جديدا نوعا ما ؛ في لغته ذات الأبعاد التاريخية والدينية والفلسفية ( التناص ) ، وفي وضوح الفكرة لدى الكاتبة التي سعت إلى إثبات هويتها الخاصة والعامة ، وشكت ثقل لون جواز سفرها المفروض عليها حمله بعيدا عن رغبتها وانتمائها .

باتت موضوعة الهوية همّا يؤرق مثقفي المرحلة في بلادنا لأنهم يشعرون بفقدها ، ويتحسسون الخطط الهادفة لتشويهها ودفع القوم إلى الضياع ...

( قرأت أمس ما يشبه النكتة الساخرة الهادفة : من أشهر ثلاث شخصيات أثرت في الجيل الشاب ؟

الجواب : هيفاء ، ونانسي ، وروبي !! )

اليوم شاهدت لقاء مع قياديين شابين مما يعيد الثقة بالجيل الواعي المنتمي . جيل ( القيادات الشابة ) التي تعتمد على ذواتها وإمكاناتها الخاصة وعلاقاتها الودية مع الناس ...الشابان انتقدا منظمات العمل غير الحكومي التي تنفق الآلاف من الدولارات على أنشطة ( التسمين ) والتخريب ؛ التسمين بالتغذية ...والتخريب بقتل روح التطوع والاعتماد على الذات ، وقتل روح الانتماء الحقيقي .

تحدثا بلغة واثقة ، ورسما مستقبلا مشرقا أعادني إلى أيام الهناء والصفاء والنقاء التي كنا عليها ونحن في مثل عمريهما .

( الخير باق ، والأمل والانتماء الصادق ...ولتذهب خطط الخراب للمنظمات الجهنمية غير الحكومية إلى الجحيم ...)

في طريق عودتي من نقطة ( الحدود) المقامة عند مسجد ( بلال بن رباح ) المعروفة خطأ باسم ( القبة ) كانت فرق التفتيش والفحص الالكتروني تعمل بنشاط وجدية ...بحثا عن ( المخدرات ) ....الأمر يسرّ حقا ؛ فالمخدرات سلاح يهدم ويدمر ويعطل . فيها السلبيات جميعها , وفيها الخراب .

(  حسنا ، اقول لنفسي ... لا بأس ، هذا أمر حسن ) . لكن المخدرات تباع في مدينتنا والأحياء المحيطة بها على أرصفة الشوارع ، وفي أماكن معلومة !!! فكيف يستقيم الأمر ؟ وما تفسير المعادلة ؟!!

( في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء ؟!! )

في الأحياء ( العربية ) مسموح المتاجرة ؛ بيعا وشراء وترويجا . المهم لا تقترب من الخطوط الحمراء المرسومة ....

( هل يهدف التفتيش المخدراتي (!!) منع " فوضى المخدرات " ؟! قياسا على مقولة " فوضى السلاح " و الفلتان الأمني ! )

( الفلتان المخدراتي ) ممنوع إلا بشروط . ممنوع تجاوز الخطوط الحمراء ...أما أولئك الشباب ممن هم مرشحون للعب دور ذي تأثير فلتنتعش ( فوضى المخدرات ) في أحيائهم ، وعقولهم ، وثقافتهم .

( القدس ) حين تضيع لا تضيع الأبنية وحدها ، ولا تصادر الأرض وحدها ... مصادرة الوعي والعقل أشد خطورة في مسلسل الضياع ...