امرأة غلبت الشيطان

وخزة ضمير (22)

امرأة غلبت الشيطان

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

تتناقل الأوساط الشعبية حكايات متعددة المرامي والغايات، ومن هذه الحكايات حكاية "المرأة التي غلبت الشيطان"، بعد أن تراهنت مع إبليس على أن تخلق مشكلة، ولن يستطيع هو أن يحلها، وعندما يعجز، تقوم هي بحل تلك المشكلة وكما قالت له في البداية، وكأن شيئا لم يكن، وهذا ما كان، فبعد أن أفسدت تلك العجوز علاقة التاجر بزوجته، وجعلته يشك بها، وتفضي بها إلى السجن، تحتال فتخرجها، وتبرئ ساحة زوجة التاجر من التهمة دون أن تفصح أنها هي من دبر كل ذلك، فيعترف لها الشيطان بتفوقها، فتكون هي المرأة التي غلبت الشيطان!! وتكسب الرهان

هذا أمر في الحكايات الشعبية، وهي زاخرة بحكايات "عجوز السوء" كما يطلق عليهن في الحكايات، وكلهن يتمتعن بمهارات عالية من الذكاء والفطنة والدهاء والمكر، ما يجعل إبليس الرجيم تلميذا على مقاعد الصف الأول يتهجى حروف الكيد والغواية، ليكتشف في النهاية أنه لم يتعلم شيئا.

ولكنكم هل تظنون أن هذا النموذج من عجائز الشر والسوء ليس موجودا على أرض الواقع، إنه موجود وبكثرة وفي كل موقع تحل فيه، إنهن ينصبن الأشراك ويحكمن القيود حول من يترصدنه، فلا يستطيع جوابا أو حراكا، ويقف عاجزا لا يملك إلا أن يصرخ ويصيح، فهل يستطيع أن يكبح جماح امرأة غلبت الشيطان، وما هو إلا بشر لا يملك من صنوف الشر أقلها ليدفع بها عن نفسه تهمة باطلة؟، فتكون المصيبة والكارثة، والأدهى والأمر أنهن مصدقات بأقوالهن، لأنهن يمتلكن مهارات في تزيين الكذب وإخراجه بصورة مزخرفة رائقة جميلة فينطبق عليهن قول الشاعر:

يعطيك من طرف اللسان حلاوة

                     ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ

تذكرني هذه الحكايات وهذه الوقائع بقوله تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"، فقد قدمت الآية شياطين الإنس على شياطين الجن لأنهم أشد خطرا وأعظم بلاء، وخاصة إذا كان هذا الشيطان أدنى من وثقت به، وقد صدق الشاعر العربي:

أعدى عدوك أدنى من وثقت به

                   فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ

وقد استقر عند العرب قديما هذا التوجس والحذر من المقربين، عندما صاغته الأمثال العربية القديمة بقولها: "من مأمنه يؤتى الحذر"، فأعادته الأمثال الشعبية بعبارة "مطرح ما بتأمن خاف"، يبدو أن لا ثقة بين الناس إذن، إذا انتقصت حرماتك من مأمنك فتأتيك المصائب منه فأين ستجد الأمان بعدها؟؟ فلا خير في الدنيا ولا خير في ناسها!!

فما الحل إذن؟؟

فمن الأفضل أن تعيش وحيدا غريبا ليس لك إلا بقايا رماد ذكرياتك تذروها الريح فتتوزع نفسك في كل سابلة، فلم تعد إلا جثة هامدة وقد فقدت كل شيء!!